العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ

تأصيل الطرح الإسلامي نحو الديمقراطية

السعي الحثيث لإيجاد ميثاق ديمقراطي للناشطين الإسلاميين يتطلب جهوداً فكرية متواصلة لكي تتعمق القناعات حول المواضيع الرئيسية التي تواجه الإسلاميين أثناء ممارسة دورهم في الحياة العامة.


لقد أصبح العالم يتكلم اليوم لغة تعتمد على قواسم فكرية مشتركة، تلك هي لغة الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية. وأصبحت هذه اللغة معياراً أساسياً لتحديد العلاقات والمعاملات بين التوجهات السياسية وبين القوى الاجتماعية داخل المجتمعات وبين الدول ذاتها. وأصبح هناك اليوم من ينادي بضرورة اعتماد "سياسة أخلاقية" كقاعدة أساسية من قواعد السياسات الخارجية بين الدول.


الإسلاميون ينبغي أن يكون لهم دورهم الريادي في هذا المجال، فهم الذين يحددون مسارهم بأنفسهم. وإذا تخلوا عن هذا الدور، فإن هناك من سيطرح نفسه معلماً فوقياً للإسلاميين. فهناك من يرى أن التناقضات والأزمات والتشتت والتبعية التي أصابت عالمنا الإسلامي أدت بالإسلاميين إلى مجموعات تحن إلى عصر ذهبي ماض كوسيلة للهرب من الحاضر البائس، وأن الطروحات الإسلامية مازالت تتراوح بين "تنظير يبتعد عن الواقع"، أو كلالة تخرجه من نطاق الفعالية القدرة على التطبيق"، أو "غوغائية ترمي به في مستنقع العنف بديلاً عن الحوار"، وأن هذا كله دليل على نضوب الأفكار.


ورغم أننا نختلف مع وجهة النظر المتشائمة أعلاه، إلا أنها تحمل شيئاً من الصحة. فهناك العديد من الاتجاهات الإسلامية التي تهرب من الواقع من خلال إطلاق الشعارات البراقة غير القابلة للتحقيق، وهناك من اعتبر نفسه صاحب الحق في إرسال هذا الشخص أو تلك الفئة إلى النار أو الجنة نيابة عن الله عز وجل.


وكما يذكر رضوان زيادة في دراسته التي نشرت في مجلة المستقبل العربي (أكتوبر 1998) إذ أشار إلى أفكار نوعية لشخصيات إسلامية. والمجلة استعرضت آراء هامة نوردها لأهميتها. يعتبر محمد الغزالي "أن حقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، أو قراراً صادراً عن سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل ولا يسمح بالاعتداء عليها ولا يجوز التنازل عنها".


أما علي عبدالواحد وافي فيؤكد "أن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع نطاق، وأن الأمم الإسلامية في عهد الرسول عليه السلام والخلفاء الراشدين من بعده كانت أسبق الأمم في السير عليها، وأن الديمقراطيات الحديثة لاتزال متخلفة في هذا السبيل تخلفاً كبيراً عن النظام الإسلامي".


ويعتبر محمد عمارة حقوق الإنسان في الإسلام ضرورات لا حقوقاً، فيقول: "إننا نجد الإسلام قد بلغ في الإيمان بالإنسان وتقديس حقوقه حداً تجاوز به مرتبة (حقوق) عندما اعتبرها ضرورات ومن ثم أدخلها في إطار الواجبات".


ويرى راشد الغنوشي "أن حقوق الإنسان في الإسلام تنطلق من مبدأ اعتقادي أساسي أن الإنسان يحمل في ذاته تكريماً إلهياً، وأنه مستخلف عن الله عما في الكون، الأمر الذي يخوله حقوقاً لا سلطان لأحد عليها".


أما يوسف القرضاوي فيرى "أن الإسلام عني بحقوق الإنسان قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، كل إنسان من أي جنس كان، ومن أي دين كان، ومن أي إقليم كان، وذلك بناء على فلسفته في تكريم الإنسان من حيث هو إنسان".


ومع تزايد الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان كتب أحمد كمال أبو المجد "إعلان مبادئ" سماه "رؤية إسلامية معاصرة، ليجعل منها وثيقة تعلن تشكيل تيار إسلامي جديد متفق على عدد من الأسس جعل منها "مبدأ احترام حقوق الأفراد وحرياتهم إلا حيث تجور ممارسة تلك الحقوق على مصالح الكافة أو تعرضها للخطر". ويرى أن "من المؤسف له أن قضية الشورى وحقوق الإنسان لا تحتل في أكثر نماذج الفكر الإسلامي المنتشر بين الشباب الغاضب مكانها الصحيح".
أما محمد أبو القاسم حاج حمد، فيرى أن "حقوق الإنسان في الإسلام تتمحور كلها حول النظام العائلي وحول صيانته بالتشريع، وحين تقوم العائلة في إطار الإسلام فإنها تحصن نفسها من الداخل، فحقوق الإنسان في القرآن تحصين ضد الذات بتحجيم نوازعها عبر العديد من القيم العقلية والأخلاقية، بحيث يصبح الإنسان نافعاً لنفسه ولغيره بالوقت ذاته".


وبشكل عام يتفق الإسلاميون على أن العقيدة هي أساس حقوق الإنسان، وأن حقوق الإنسان تقع ضمن الاستخلاف الإلهي للإنسان. وكما يعبر أحدهم، "إن الإنسان في الإسلام مستخلف عن الله وضمن عهد الاستخلاف تنزل جملة حقوقه وواجباته ويتم التوفيق والتلازم بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة، إذ قد تضمن كل حق للفرد حقاً لله، أي حقاً للجماعة، مع أولوية كلما حدث التصادم". وتدخل ضمن تلك الحقوق الضروريات الشرعية الخمس: حفظ الدين والعقل والنفس والنسل والمال. وتوسع العلماء المسلمون فجعلوا حقوق الإنسان تشمل التوسعة في الحياة، وتوسعوا فيما يضمن لحياته أن تكون آمنة مطمئنة سعيدة لحق التعليم وحق المساواة وحق التنقل والتصرف وغيرها".


وقد بدأ التأسيس الإسلامي لحقوق الإنسان في أواخر الأربعينات مع العودة إلى استخدام المقولة القرآنية حول الاستخلاف الإلهي للإنسان على الأرض في مواجهة مقولة "القانون الطبيعي" التي تأسس عليها الإعلان العالمي. وكان أول من استخدمها عبدالقادر عودة، ثم طور محمد عبدالله دراز فكرة التكريم الإلهي هذه استناداً إلى القرآن، فقال: إن الإنسان كرم من الله بأربع كرامات هي: كرامة الإنسانية والاستخلاف والإيمان والعمل.


ولاتزال دعوة الرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي التي ألقاها أمام القمة الإسلامية في 9 ديسمبر 1997 تطرح نفسها كمبادرة فريدة من نوعها. إذ يعتبر ذلك الخطاب محاولة جريئة لتأصيل الطرح الإسلامي بخصوص المجتمع المدني وحكم القانون والحريات السياسية والمواطنة. لقد استطاع خاتمي أن يقدم تصوره و"حلمه" الذي يسعى لتحقيقه في المجتمع. ولهذا فإن دعوته لاعتبار "مدينة الرسول" المدينة المعنوية، هي دعوة لبناء النموذج النظري في الذهنية الإسلامية. هذا النموذج النظري الذي ينبغي له أن يتعاطى مع الخبرات الإنسانية المتطورة وتقديم "مدينة النبي"، مرة أخرى للمسلمين كمدينة تسمح بالحريات السياسية والدينية وتنافس "المدينة الغربية" في تقديم الحلول لإسعاد بني الإنسان في هذا الدنيا قبل الآخرة.

العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً