العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ

التجربة المغربية: تعزيز المجتمع للمحافظة على الديمقراطية

تقييم التجربة الديمقراطية المغربية واستخلاص الدروس يهمنا كثيراً وذلك لكي يستفيد منها الناشطون في البلدان العربية والإسلامية. فالمراقبون السياسيون يعتبرون أن نجاح التجربة المغربية أو فشلها سيكون له الأثر الأكبر على تجارب البلدان العربية والإسلامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.


إن المراقب للشأن المغربي منذ مطلع التسعينات يلاحظ قدراً مهماً من الانفتاح السياسي المتدرج الذي بدأ ينهجه النظام المغربي وسط محيط مجاور يتسم في صورته العامة بتوجهات تسلطية وممانعة صلبة لأي تطور ديمقراطي حقيقي. ويقف المتتبعون للتجربة المغربية على مجموعة من المؤشرات التي تدل على ديناميكية الحقل السياسي المغربي، ونزوعه نحو تحقيق انتقال ديمقراطي هادئ. وكأمثلة على ذلك، التطور الحاصل في مجال حقوق الإنسان، حرية الصحافة، حيوية المنظمات الأهلية وحرية العمل الجماعي مما يعزز الثقة في انبعاث مجتمع مدني قادر على الاضطلاع بمهام التحول الديمقراطي.


ومن العلامات التي تستوقف اهتمام الجميع، تولي المعارضة السابقة لمقاليد الحكم بعد سنوات من الصراع والشد والجذب، لم تخل من مظاهر العنف والتوترات الاجتماعية التي كادت أن تعصف بالاستقرار السياسي في المغرب.
إلا أن التوجه السياسي المنفتح بشكل عام، تعاكسه بعض المظاهر المعينة للتحول الديمقراطي، والتي تظهر من حين لآخر، خصوصاً في الآونة الأخير، من قبيل التضييق على بعض الصحف، وفرض القيود على حرية النشر والإعلام، واستخدام العنف لتفريق المتظاهرين الذين يخرجون بصورة سلمية للتعبير عن مواقفهم. هذا بالإضافة لعدم القدرة على الالتزام بضمان نزاهة الانتخابات (الانتخابات الجزئية، وانتخابات ثلث أعضاء مجلس المستشارين)، إلى غير ذلك من مظاهر الارتباك التي طبعت الحياة السياسية المغربية.


إن هذا التعثر أو الارتباك يطرح العديد من الأسئلة حول مآلات التجربة الديمقراطية بالمغرب ومدى قدرتها على الانتصار على معوقات الانتقال الديمقراطي الحقيقي، وتوفير الشروط الضرورية لبناء نموذج سياسي ناضج يستجيب لمواصفات الدولة الحديثة والمجتمع الديمقراطي. وهذا يطرح نقاشاً مزدوجاً يتقاطع فيه الجانب الفكري والنظري مع ما يمليه واجب تقييم التجربة، بارتباط مع عناصر الجانب الواقعي والسياسي.


وفي دراسة صدرت مؤخراً يناقش حسن قرنفل المجتمع المدني المغربي وآليات إنتاج نخبه السياسية، مشيراً إلى أن ظهور مؤسسات المجتمع المدني اصطدم في البداية بمقاومة السلطة. إلا أن عجز النظام عن القيام بدور الرعاية الاجتماعية وتوفير الموارد الاقتصادية لذلك الأمر وفر الفرصة للناشطين السياسيين لكي يستفيدوا بصورة حسنة من تخلي الدولة عن أداء دور يكلفها كثيراً. ويرى قرنفل بأن النظام الغربي سعى لضبط المجتمع المدني لكي لا يكون مضاداً وإنما مكملاً. إلا أن هذه النظرة، وكما أشار إلى ذلك الباحث محمد جمال باروت في جريدة الحياة (12 مارس 2001) تؤدي لتراجع دور المواطن إلى مستوى دافع الضرائب فقط، مما يمكن المجتمع المدني من إعادة إنتاج نفسه ذاتياً بمعزل عن تحكم الدولة. وعلى هذا الأساس فإن المجتمع المدني ينظر إليه كوسيلة لتنظيم "العلاقات ما بين السلطة السياسية والمواطنين، والسهر على حسن سيرها، من أجل الحد من طغيان السلطة على المواطنين". ويطرح الكاتب (كما يطرح غيره من الكتاب) أن هناك مجتمعاً سياسياً يتكون من الأحزاب السياسية التي تتنافس للوصول غلى السلطة.


إلا أن المشكلة التي يلزم الانتباه إليها هي أن من ينقل فكرة المجتمع المدني الغربية بحذافيرها إلى البلاد الإسلامية سيصطدم بأن كثيراً من هذه التعريفات بحاجة إلى إعادة صياغة. فبينما يمكن أن يصنف الباحث وجود "مجتمع مدني" في مقابل "مجتمع ديني" يختص بالقساوسة والرهبان المبتعدين عن شؤون عامة الناس اليومية، فإن ذلك لا يمكن وجوده بهذه الصورة في البلاد الإسلامية. فالدين متداخل في جميع جوانب الحياة ولا يمكن فصله عنها بأي حال من الأحوال. والدول العربية والإسلامية التي تمنع الإسلاميين من دخول الساحة السياسية بحجة أنهم يستخدمون الدين (الذي يلزم ألا يتدخل في السياسة حسب تفسيرهم) لم يستطيعوا حل المشاكل المتفاقمة ولم يستطيعوا إصلاح الأوضاع. إننا مع من يطرح بأن الإسلاميين، شأنهم شأن غيرهم من الناشطين السياسيين، ينبغي أن يفسح لهم المجال على أساس التعددية واحترام الرأي الآخر وعدم احتكار السلطة عند الوصول إليها. بمعنى أن الإسلامي يمكنه الوصول إلى السلطة ثم الخروج منها عبر صناديق الاقتراع عندما يخفق في الدفاع عن مصالح الناس الذين أوصلوه إلى الموقع السياسي المتقدم. ولكي تتطور تجاربنا الإسلامية فإننا بحاجة لدراسة التجارب التعددية المطروحة على الساحة، ولذلك فإن دراسة وتقييم التجربة المغربية من شأنها أن تنير الطريق للناشطين في المجتمع المدني في البلاد العربية والإسلامية.

العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً