العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ

استراتيجية أميركية تجاه مصر في عهد السيسي

مركز كارنيغي للشرق الأوسط 

تحديث: 12 مايو 2017

الآن وقد أصبح المشير عبدالفتاح السيسي الرئيس الرابع لمصر في غضون سنوات قليلة تواجه الولايات المتحدة خيارات سياسية مؤلمة. إذ تنزلق مصر، حليفها القديم، إلى الحكم السلطوي في أعقاب محاولة فاشلة في التحوّل الديمقراطي. ومع ذلك من المستبعد أن يجلب تجدّد هيمنة الجيش الاستقرار نظراً إلى المشاكل الاقتصادية الحادّة التي تواجهها البلاد، وانتهاكات حقوق الإنسان، والاستقطاب الاجتماعي والتعبئة الشعبية. والواقع أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية تدهورت بشكل ملحوظ منذ أن أطاح الجيش الرئيس المدعوم من الإخوان المسلمين، محمد مرسي، في تموز/يوليو 2013. وبالتالي، تتفاقم مشاعر الاستياء العام والاضطرابات السياسية ربما يكون وشيكاً.

يجب على الولايات المتحدة ألا تمنح السيسي وحكومته دعماً غير مشروط، لأن العمل بشكل وثيق مع الحكومات المصرية القمعية في الماضي أدّى إلى نتائج سيئة وولّد موجة عداء واسعة للولايات المتحدة. بدلاً من ذلك، يتعيّن على واشنطن إعادة تركيز جهودها الدبلوماسية على دعم الشعب المصري، على أن تقتصر علاقاتها مع السيسي وحكومته على المصالح الأمنية الأساسية.

توصيات إلى الولايات المتحدة

- الإبقاء على التعاون الضروري فقط مع الحكومة المصرية في مجالي الأمن ومكافحة الإرهاب.

- التعبير عن دعم تطلّعات الشعب المصري لتحقيق الازدهار والحرية والعدالة، وتقييم التقدم الذي تم إحرازه على أساس تمتّع المواطنين بمثل هذه الفوائد، بدلاً من التركيز على تنفيذ خريطة الطريق السياسية الحالية.

- تحويل الجزء الأكبر من المساعدات - مليار دولار على الأقل من مبلغ 1.5 مليار دولار الذي يقدم سنوياً - إلى واحد أو اثنين من البرامج الكبيرة التي تستهدف المواطنين بصورة مباشرة.

- بدء برنامج كبير رفيع المستوى يوفّر التعليم العالي والمنح الدراسية والتدريب المهني للمصريين، بالحدّ الأدنى من التدخّل الحكومي.

- دعم إعادة فتح الفضاء السياسي والمجتمع المدني، الذي سيكون ضرورياً لبناء توافق في الآراء بين المصريين حول مستقبل بلدهم، من خلال تعزيز المساعدة المقدمة إلى المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية المطوّقة.

- وضع استراتيجية سياسية مشتركة مع أوروبا، والعمل معها لإقناع الحلفاء في الخليج واسرائيل لدعم - أو على الأقلّ عدم تقويض – التنمية البشرية والنمو الاقتصادي الشامل (بدلاً من الهيمنة العسكرية) باعتبارها مفتاح للاستقرار الدائم في مصر.

ستبقى مصر، على الرغم من أنها تعاني من مشاكل جمّة، لاعباً مهماً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إذ لاتزال الدولة العربية الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وهي جارة لإسرائيل، وتتحكم بقناة السويس. ومن الواضح أن الولايات المتحدة غير مستعدّة للابتعاد عن البلاد بعد أن استثمرت عشرات المليارات من الدولارات في بناء علاقة مع الجيش المصري منذ مايقرب من أربعة عقود.

غير أن تدخّل الجيش المتكرّر في السياسة زعزع استقرار مصر منذ إطاحة حسني مبارك، رئيس البلاد الذي أمضى ثلاثين عاماً في الحكم، في أوائل العام 2011. وقد ساعد الجيش في الوقت نفسه في إزاحة القوى السياسية العلمانية والإسلاميين المتطرفين، الذين انتقل بعضهم إلى التمرّد. وبالتالي لم يعد ممكناً اعتبار الثقة بالجيش كشريك أمني يساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي، بدل تقويضه، أمراً مفروغاً منه.

ماتحتاجه مصر لتحقيق الاستقرار الجديد هو التوافق المشترك بوجه عام بشأن المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد. وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على إطاحة مبارك، لم تجرِ أي محاولة جادّة لبناء مثل هذا التوافق. فقد تجاهل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولّى السلطة بعد مبارك مباشرة، دعوات العلمانيين لعقد مائدة حوار مستديرة يتم فيها التخطيط لعملية انتقال ديمقراطي (مشابهة لما حدث في تونس)، وأذعن بدل ذلك إلى رغبات جماعة الإخوان المسلمين بالذهاب مباشرة إلى الانتخابات لاختيار برلمان لولاية تشريعية كاملة ورئيس. وبعد أن فازت في تلك الانتخابات، كما كان متوقّعاً، ادعّت جماعة الإخوان بأنها تملك تفويضاً شعبياً وحاولت فرض رؤيتها للمستقبل على المجتمع المصري.

في أعقاب تزايد الاحتجاجات ضد تجاوزات جماعة الإخوان، عزل المشير عبدالفتاح السيسي الرئيس آنذاك محمد مرسي، وأطلق حملة ضخمة ضد الإخوان، كما وضع خريطة طريق استبعدت الجماعة بشكل فعلي من العمليات الدستورية والانتخابية الجديدة. لم يتم حظر جماعة الإخوان وحسب، بل أُعلِنت أيضاً منظمة إرهابية (على الرغم من أن المسؤولين المصريين لم يثبتوا إلى الآن أن جماعة الإخوان المسلمين متورطة في عمليات إرهابية، مقارنة بالجماعات الإسلامية الأكثر تطرفاً)، وقد تم اعتقال عشرات الآلاف من مؤيديها (بالإضافة إلى آخرين). وأوضح السيسي خلال حملته الانتخابية أنه لاينوي السماح بإعادة تأهيل جماعة الإخوان.

يمتلك السيسي الذي انتخب للرئاسة في أيار/مايو 2014، قدراً من السلطة القسرية تحت تصرّفه أكبر مما كان يمتلك مرسي. غير أن استطلاعات الرأي الأخيرة والإقبال المتواضع على الانتخابات يظهر أنه ليس أكثر شعبية بكثير من مرسي، وأن من المرجّح أن يواجه مقاومة شديدة ومستمرة.

إذا ماكانت الولايات المتحدة ترغب في تعزيز استقرار مصر، التي يمكن أن تكون حليفاً يُعوَّل عليه، فعليها تجنّب الوقوع في شرك هذه الألعاب التي لاغالب فيها ولامغلوب. وسيشكّل هذا تحدّياً لأن التركيز الأمني كان يهيمن دائماً على العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، وخصوصاً البعد المتعلّق بجيشي البلدين. في عهد مبارك، كانت معظم المساعدات الأميركية تُستنفَد في العلاقة الأمنية، ولم تكن مشاريع الإصلاح المختلفة المتفق عليها مع الحكومة (الاقتصادية والقضائية واللامركزية) تحظى إلا بقدر ضئيل من الاهتمام. وستحرص الحكومة المصرية الجديدة، وبخاصة الجيش الذي جاء منه السيسي، على العودة إلى ذلك النموذج.

غير أن التركيز على التعاون مع الدولة فقط، لم يعد منطقياً في زمن أصبح فيه عمر الحكومات المصرية، على الأقل الحكومات الثلاث الأخيرة، يقاس بالأشهر لا بالعقود. فضلاً عن ذلك، لم تسفر عقود من الاستثمار في التحديث العسكري والإصلاح القضائي ومشاريع الإصلاح الحكومي الأخرى من أعلى إلى أسفل سوى عن نتائج مخيّبة للآمال. ولذا قد تكون العلاقات الصحيحة مع الحكومة والتعاون الأمني المحدود ضروريان، غير أنه يتعيّن على الولايات المتحدة أن تحوّل تركيز دبلوماسيتها والجزء الأكبر من مساعداتها للاستثمار في الشعب المصري.

ما الذي ستقدّمه رئاسة السيسي

بما أن السيسي أصبح رئيساً، فإنه يواجه مهام شاقة. فلا يمكن للرئيس الجديد تحمّل تفادي معالجة القضايا الصعبة، مثل دعم الوقود، التي تتسبّب في حدوث أزمة طاقة وعجز مزمن في الميزانية، فضلاً عن البطالة المنتشرة في أوساط الشباب. ومع ذلك فإن معالجة هذه القضايا ستتطلّب القيام بإصلاحات مؤلمة، في الوقت الذي تقمع فيه الحكومة جزءاً كبيراً من الشعب الذي يدعم جماعة الإخوان أو يعتبر الحملة عليها وعلى حركات المعارضة الأخرى ظالمة. وسيتعيّن على السيسي أن يحاول جذب المستثمرين والسياح إلى مصر في خضمّ الهجمات المستمرة من جانب الجماعات الإرهابية الموجودة في سيناء، وكذلك الاحتجاجات المتكرّرة من جانب الطلاب والعمال وأنصار جماعة الإخوان. كما سيتعيّن عليه في الوقت نفسه إرضاء الجيش من خلال الإبقاء على امتيازاته الاقتصادية وتعزيزها كي يحمي نفسه من الانقلابات في المستقبل.

تعاونت الحكومات المصرية منذ انتفاضة العام 2011 (بل وقبل ذلك) مع الولايات المتحدة بشأن القضايا الأمنية عندما كان ذلك يخدم مصالح الأمن القومي المصري، غير أنها قاومت بدأب نداءات الولايات المتحدة في مايتعلق بالشؤون الداخلية والشؤون السياسية وحقوق الإنسان بشكل خاص. وسيستمر هذا الحال مع السيسي على الأرجح، الذي أعرب عن رغبته في إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، لكنه أصمّ أذنيه ولم يلتفت لنداءات المسؤولين الأميركيين بالحفاظ على الأصول والإجراءات الديمقراطية وتجنّب انتهاكات حقوق الإنسان.

الاحتمال الأكثر إشراقاً بالنسبة إلى رئاسة السيسي سيتحقق إذا مانجح في تقليص هجمات الجماعات الإرهابية إلى حدّ كبير، وطبّق سياسات اقتصادية مستنيرة تنطوي على توفير مجال لأنشطة السوق الحقيقية، ووفّر منافذ سلمية للمعارضة بإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين، وأعاد فتح الأبواب والنوافذ أمام الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام.استراتيجية أميركية تجاه مصر في عهد السيسي





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً