تقدم ستيفاني ميريت مراجعة وعرضاً سريعاً في صحيفة "الغارديان" البريطانية، في عددها ليوم الأحد الماضي (8 يونيو/حزيران 2014)، لملك روايات الرعب ستيفن كنغ، التي صدرت مؤخراً بعنوان "السيد مرسيدس". الرواية لا تبتعد عمّا عرف به كينغ على امتداد أكثر من خمسين رواية تم تحويل أكثر من نصفها إلى السينما:
قد يُعرف ستيفن كينغ بالمعلّم الكبير في روايات الرعب، لكنه لم يُعرف دائماً بأنه وراء الجن اليومي الذي يختبئ وراء الأبواب وشاشات العرض وفي شوارع بلدة صغيرة، يمكن لها أن تنسجم وتتناغم مع الأهوال الكبرى والعميقة لدينا بفعالية كمخلوقات الشر في مجاري الصرف الصحي، ضمن تصوّر يكاد يكون مستقراً لدى كثيرين.
الأمراض النفسية، والإدمان، والفقر، والصدمات النفسية في مرحلة الطفولة، والاغتراب – تلك هي وحوش حقيقية تجثم على حياتنا، نعاين ذلك بتصفح لمعظم روايات ستيفن كينغ التي نجدها مليئة ومتضمّنة كل ذلك في شكل أو آخر، حتى في القصص التي تبدو قلقة بفعل أكثر قوى الطبيعة خرقاً للعادة، ستجد الشر واضحاً هناك.
ثمة إثارة في الرواية يتيحها السباق ضد الزمن؛ حيث تلعب الاستعارة دوراً من خلال لغة أدبية عالية مسطّرة بعمق وثبات.
"السيد مرسيدس" رواية تتوغّل في عالم الشرطة، التي تتطلّب طبيعتها ملاحقة الجرائم التي يتولى مسئوليتها رجل المباحث هودغز، وهو يقترب من مرحلة التقاعد، لحل لغز قضية متشابكة أمضى ردحاً من الزمن في محاولة وضع نهاية لها. نحن إزاء قاتل متسلسل يعمد إلى إرسال رسائل غامضة.
رجل المباحث المستقل الذي يجب أن يعمل خارج حدود القانون؛ والقاتل الذي يبدو أنه يقوم بجرائمه بدوافع ثأر شخصي، بعلاقته غير السوية مع والدته؛ إضافة إلى عصابة من المنحرفين الذين يتعاونون للحيلولة دون تنفيذ خطته القاتلة.
يمكنك القول، إن اللبنات الأساسية لهذا النوع من الأسلوب الذي يكتب به ستيفن كنغ هو مألوف، إلا أن الأكثر إثارة للاهتمام هو الدور الذي تلعبه الواقعية الاجتماعية في آلية الرواية.
يبدأ زمن الرواية في العام 2009؛ حيث فترة الركود الاقتصادي الذي يشدّد قبضته على مدينة غير مسمّاة في الغرب الأوسط.
في معرض للوظائف من المقرر إقامته في ملعب رياضي؛ يحكم اليأس قبضته على طوابير من العاطلين عن العمل، الذين يظلّون في طوابير الانتظار، ويحرصون على التواجد في وقت مبكّر، لأن الطابور يمتد إلى مئات الأمتار بتلك الآلاف المتدفقة. مع طلوع الفجر، تخرج سيارة مرسيدس بسعة 12 أسطوانة (SL500) من الضباب في سرعة كبيرة مندفعة نحو الزحام البشري من أولئك؛ ما يسفر عن مقتل ثمانية وإصابة 15 آخرين. كانت (السيارة) عبارة عن مطرقة عملاقة تبدو الصخور أمامها لاشيء: سيارة فاخرة تسحق بلا رويّة أولئك الذين هم فعلاً ضحايا عدم المساواة. على الفور يقوم ستيفن كنغ بنصب فخ للقارئ كي يحظى باهتمامه؛ هل ذلك القاتل له دوافع سياسية؟ وإلى أي جانب يقف هو؟
حين لا يكون ذلك ضرباً من الإثارة من أجل إثارة ومتعة الجمهور، نحن على وشك أن نتعلّم بشكل فوري تقريباً. القاتل "مرسيدس"، برادي هارتفيلد البالغ من العمر 28 عاماً، لايزال طليقاً بعد سنة من نزهته القاتلة. يعمل رجل المباحث بيل هودغز، متحركاً في جميع أنحاء المدينة، على هذه القضية قبل تقاعده، ويفكر مراراً في الانتحار، في الوقت الذي يتلقى رسالة قيل إنها من القاتل مرسيدس. من هذه النقطة تصبح الرواية معركة دهاء بين هودغز وبرادي؛ حيث إن كلاً منهما يحاول استدراج الآخر إلى فخ يتم نصبه.
التراجع الاقتصادي للمدن الصناعية في أميركا ينال من أجواء الرواية... هو حاضر هناك؛ ولكنه في واقع الأمر، لم يكن المحور الذي يتم توظيفه بطريقة رمزية أوليّة وضمنية في العمل الروائي. يتحرّك برادي من لاشيء يمكن أن يكون كبيراً (ضمن الدوافع) كسبب لكل ما يقوم به من أعمال قتل - هو مجرد رجل عادي يحمل عقلاً غير متوازن وهشّ، مدفوعاً للقيام بسلسلة من الحوادث التي تتكرّر في دنيانا، بالظروف القاتمة التي تُوجِد هذا النوع والدرجة من كراهية العالم وإجباره على أن ينتبه له.
يمثّل برادي الشر المعقول والسائد في حياتنا، وفي مجتمعاتنا اليوم والطبيعة التي هي عليها؛ ومن المستحيل عدم سماع أصداء في قصته من شبّان مضطربين آخرين في أميركا، ومن بينهم أولئك الذين فتحوا النار في المدارس المكتظة بالطلبة أو دور السينما. وبما أن الروائي هنا ستيفن كينغ، فإنه يقوم بإظهار مثل تلك الطبقات والشواهد في السرد الروائي ومعالجتها لفهم كيفية يتشكّل قاتل مثل برادي: "الحقيقة هي الظلام"، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون مهماً هو الإتيان بإفادة قاطعة قبل أن يلج أحد إلى مثل تلك الحقيقة. تقطيع جلْد العالم وترك ندْبة لا تمّحي. ذلك هو التاريخ كله، بعد كل شيء: نسيج الندبة".
هذا الفحص النفسي إلى حدّ ما يأتي على حساب التوتر، ووتيرة السرد، والذي يمكن التقاطه حتى قرب نهاية الرواية.
ربما كان الجانب المؤثر والذي تقشعر له الأبدان، هو: كم من الإمكانات المرضية والعنفية لدى برادي، قد تكون كامنة هناك مثل آفة في الركود بأميركا، محمّلاً المجتمع الوضع الذي أصبح فيه وعليه. الخوف الحقيقي هو أن ستيفن كينغ يزرع ذلك في أذهان قرّائه، حينها لن تشعر أبداً بالراحة التامّة في التجمّعات العامة مرة أخرى. ستخاف الرجل المجاور لك أكثر من الأشباح والغول.
تشير السيرة الذاتية لستيفن كينغ إلى أنه ولد في مدينة مين في 21 سبتمبر/أيلول 1947. كاتب ومؤلف أميركي، ويعد معياراً من معايير أدب الرعب، من خلاله رواياته العديدة التي عرف بها. حائز على ميدالية مؤسسة الكتاب القومية لإسهاماته البارزة في الأدب الأميركي، تم بيع أكثر من 350 مليون نسخه من كتبه حول العالم، ويعد واحداً من الكتّاب النادرين في العالم الذين تقترب ثروتهم من مليار دولار أميركي.
أول قصة قصيرة باعها كانت "الأرض الزجاجية" وباعها لمجلة (Startling Mystery Stories) وكان ذلك في العام 1967، لكن أول رواية كتبها كانت "كاري" والتي تتحدث عن فتاة غريبة الأطوار تمتلك قدرة تحريك الأجسام عن بعد.
وذكر ستيفن كينغ نفسه أن رصيده يزداد بمقدار عشرة ملايين دولار أسبوعياً، من أرباح إعادة طبع رواياته، وتترجم رواياته بأكثر من خمس وثلاثين لغة، أي أنه لم يتحوّل إلى كاتب، بل إلى ظاهرة تستحق الدراسة. ارتقى بأدب الرعب ليقف به إلى جوار كبار الكتاب، بروايات تتجاوز الخمسين رواية، وعدد لا ينتهي من القصص القصيرة والمجموعات القصصية، والسيناريوهات التلفزيونية.
شكرا
قراءة تنم عن ذائقه ادبية رائعه