حقق معرض الكتب المستخدمة الذي نظمه كل من المجلس البلدي الشمالي وصحيفة «الوسط» قبل أيام خلت نجاحاً باهراً منقطع النظير، فاق توقعات ليس المراقبين المتابعين للفعاليات والأنشطة الثقافية الوطنية فحسب والجمهور، بل ومنظمي المعرض ذاته.
والحال، كمراقب متابع للفعالية منذ انطلاقتها حتى انتهائها أستطيع القول إن مؤشرات هذا النجاح بدت منذ الساعة الأولى لافتتاح المعرض، كما تجلى ذلك في الجمهور الغفير الذي احتشد مبكراً في مجمع (كونتري مول) قبل سويعات من موعد الافتتاح، وما أن تم قص شريط الافتتاح وإذا بالمعرض يغص بالجمهور الذي تزاحم متسابقاً على التقاط الكتب الثمينة لشرائها والتي نفدت في أقل من نصف ساعة من افتتاح المعرض.
ولم يختلف الحال عن الأيام اللاحقة للفعالية، إذ كان الإقبال كثيفاً من قبل الجمهور خلال الفترتين الصباحية والمسائية على رغم حرص اللجنة المنظمة على طرح مجموعات جديدة متنوعة تباعاً يوميّاً خلال كلتا الفترتين.
وفي واقع الحال ثمة عوامل عديدة تقف وراء هذا النجاح الكبير الذي حققته هذه الفعالية المهمة التي لا تخلو من دلالات ثقافية مميزة، أبرزها خمسة رئيسية:
العامل الأول: الأسعار الزهيدة للغاية للكتب المعروضة والتي حدد منظمو المعرض أدناها بمئة فلس وأعلاها بدينار واحد فقط، مهما تكن قيمة الكتاب العلمية ومهما تكن ضخامة وعدد صفحاته أو صدوره في مجلد فاخر.
العامل الثاني:التوفيق في اختيار مكان المعرض، فقد تم تنظيم المعرض الأخير في واحد من أشهر المجمعات التجارية (الكونتري مول) من حيث الكثافة السكانية والقرى الواقعة جانبيه.
العامل الثالث: يتمثل في الدور الكبير الذي اضطلعت الجهة المنظمة به، وذلك من خلال استعداداتها وتحضيرها لهذه الفعالية منذ وقت مبكر وحرصها على تنظيمه، ثم متابعة فترات الفعالية عن كثب وعلى نحو دقيق في غاية التنظيم بما يليق بسمعة المعرض ثقافيا ويليق بسمعة كلتا الجهتين المنظمتين، المجلس البلدي الشمالي وصحيفة «الوسط».
العامل الرابع: يتمثل في ما قامت به صحيفة «الوسط»، الجهة الثانية المنظمة في المعرض، من تغطية صحافية موسعة بين الآونة والأخرى للمعرض، سواء خلال الفترة التحضيرية قبل افتتاحه ام خلال أيام الفعالية ذاتها، ناهيك عن الإعلان اليومي عنه، كل ذلك ساهم في إعلام أكبر شريحة ممكنة مبكراً عن المعرض من مثقفين وطلبة وباحثين وخلافهم. بل كان لهذه التغطية أثرها، كما لمست بنفسي شخصيّاً، أن تمتد من خلال الموقع الالكتروني للصحيفة إلى نخبة مثقفة من أبناء البلدان الخليجية المجاورة الذين حرصوا على زيارة المعرض حيث كنت محظوظاً بالتعرف على عدد من الإخوة الصحافيين والمثقفين الخليجيين الذين اخبرني بعضهم بأنه جاء إلى البحرين خصيصاً لزيارة هذا النوع من معارض الكتاب.
العامل الخامس: ويمثل فيما حققته الجهة المنظمة من شفافية وحيادية في موضوعية ديمقراطية تغبط عليها، وذلك بعدم استثنائها أيّاً من الكتب المتبرع بها من مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية والدينية والمذهبية.
ولعل من الأمور التي لفتت نظري في هذا السياق، والتي لا تنسى لما تنطوي عليه من مغزى انساني في التواضع، حرص بعض كبار الصحافيين والمثقفين المشاركين في عملية التنظيم على توفير الكتب المعروضة أولاً بأول، واحضار كميات جديدة فور خلو عدد من الأرفف والطاولات من الكتب المعروضة، وقيامهم بأنفسهم بجر العربات المملوءة بالكتب المراد عرضها وتنضيدها على أرفف الأجنحة المختصة تبعاً لموضوعاتها وعناوينها.
وإذ لا يحضرني الآن أسماء كل الأخوات والإخوة الذين ساهموا في العملية واستسمح منهم لعدم الاشارة إليهم هنا بالذكر لعدم معرفتي بأسمائهم، أذكر منهم هنا على سبيل المثال لا الحصر الزميلين فاضل فولاذ ومحمد المخرق والزميلة ريم خليفة.
وإذا كانت تلك هي أبرز العوامل التي لعبت مجتمعة دوراً في صنع ذلك النجاح الباهر الذي حققه معرض الكتب المستعملة، فإن اقبال الجمهور الغفير والمنقطع النظير، لا يخلو أيضا من دلالات ثقافية حضارية بالغة الأهمية، لعل أهمها وأبرزها ما تعكسه ظاهرة الاقبال الكثيف على المعرض من أن شعبنا هو شعب مثقف متحضر شغوف بنهم للاطلاع على مصادر الثقافة والعلم، هذا على رغم كل ما قيل وكتب من دراسات ومقالات عن ظاهرة عزوف الأجيال الشابة العربية الجديدة عن القراءة للكتب الورقية لعوامل عدة منها ظهور وسائل ترفيه حديثة متعددة تشغله عن القراءة، فضلاً عن بروز وسائل ومصادر المعرفة والثقافة الإلكترونية المتعددة من انترنت يحتوي حقولاً متنوعة من شتى الكتب العلمية والأدبية والثقافية والاجتماعية، والأهم من ذلك أن الاقبال كثيف على المعرض جاء على رغم ما تعيشه البلاد من أوضاع أمنية استثنائية وظروف صعبة مأساوية غنية عن التعريف.
والحق إذا كانت المعارض الدولية المختصة بعرض الكتب الجديدة، سواء في البحرين أو في أية دولة من دول العالم هي الأخرى يمكن عدها تصلح كمؤشر من مؤشرات قياس مستوى تعاطي أي شعب من الشعوب مع الثقافة، فلعمري أن هذا الصنف من معارض الكتاب، ونعني به معارض الكتب المستعملة، أكثر أهمية في دقة ذلك المؤشر من معارض الكتب الجديدة الدولية. ذلك أن هذا الضرب الأول من المعارض (معارض الكتب المستخدمة) تحرص على زيارته والإقبال عليه مختلف الشرائح الاجتماعية، وخاصة الشريحة الأوسع، ألا هي الطبقات الوسطى والفقيرة.
لقد ظلت ومازالت الكتب القديمة النادرة، في كل بلدان العالم محط أنظار وجاذبية ليس الجمهور الواسع من مختلف فئات النخب المثقفة والمتعلمة فحسب، بل ومحط أنظار واهتمام كبار المثقفين والأدباء والمبدعين الذين طالما وجدوا ضالتهم في البحث عن كتب نادرة وثمينة جدا تروي ظمأ شغفهم بأنواع محددة من الثقافة التي تستهويهم ويدمنون على ارتياد هذا النوع من مكتبات الكتب القديمة أو معارض الكتب المستعملة.
وأذكر في هذا السياق، على سبيل المثال لا الحصر، الحملة الاحتجاجية التي خاضها كبار المثقفين والمفكرين والفنانين المصريين ضد ازالة أكشاك سور الأزبكية المختصة ببيع الكتب القديمة بوسط القاهرة خلال منتصف الثمانينات القرن الماضي.
وروى بألم بالغ كل من شارك من كبار المثقفين والمبدعين في تلك الحملة، ومنهم نجيب محفوظ وعدد من المخرجين والشعراء والروائيين، كيف أنهم استمدوا العديد من أعظم أعمالهم الابداعية من كتب ثمينة ونادرة جدا حصلوا عليها بأثمان بخسة في أكشاك مكتبات سور الأزبكية.
وقبل سنوات قليلة عبرت نخبة واسعة من كبار العلماء والمفكرين والأدباء والمثقفين العراقيين عن أساها وألمها البالغ لما لحق بمكتبات وبسطات شارع المتنبي بقلب بغداد من أضرار كبيرة لا تقدر بثمن لآلاف الكتب المستعملة الثمينة التي تفحمت في التفجير الارهابي حينذاك.
وقبل نحو ثلاثة أعوام أعلن في العاصمة الاسبانية مدريد فتح التبرع لأهالي ومؤسسات العاصمة بكتبهم القديمة التي لا يحتاجون إليها وكانت الحصيلة جمع ما يقرب من مليون كتاب تم اهداؤها لعدد من المدارس للمكتبات العامة والمؤسسات الخيرية في بعض بلدان أميركا اللاتينية الناطقة بالإسبانية.
وبذلك يمكن القول أيضاً إن هذا النوع من العمل الخيري الثقافي يحقق منفعة عامة مزدوجة، فهو من جهة يسهم في تخفيف العبء المالي عن كاهل أبناء الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل من مثقفيها ومتعلميها وطلبتها، ومن جهة أخرى يسهم في دعم المؤسسات الخيرية التي ينظم العمل التطوعي من أجلها، وهذا ما ينطبق تماما على فعالية معرض الكتب المستعملة الأخير.
ولئن كان كل عمل منجز مهما تكن عظمة نجاحه لا يخلو من الهفوات والسلبيات، ففي تقديرنا ينبغي على الجهتين القائمتين على تنظيم المعرض، وهما المجلس البلدي الشمالي وصحيفة «الوسط» أن يتخذا من النجاح الذي حققه المعرض الأخير حافزا لتدارس النواقص والسلبيات لتلافيها في المعرض القادم ليكون أكثر تقدما وتطورا.
ولعل مما يبعث على الاطمئنان أن الجهة المنظمة للمعرض غير غافلة عن هذه الجوانب، حتى اني ومن خلال متابعاتي اليومية طوال فترات المعرض علمت من بعض مصادر صحيفة «الوسط»،ان رئيس تحريرها قد وضع سجلا لرواد المعرض ليدونوا ما يشاءون فيه، وأنه سيعكف شخصيا على دراستها دراسة ممعنة، بهدف تعزيز الجوانب الايجابية في التحضير للمعرض القادم والاستفادة من أوجه القصور والسلبيات في المعرض الأخير لتفاديها مستقبلاً، وإذ كان من الاقتراحات التي قدمت في هذا الشأن بتنظيمه دوريا مرة كل عام فإننا نرى من الصعوبة بمكان الانتظام في اقامة معرض سنوي يعتمد على تبرع جمهور المثقفين والجهات المكتبية والثقافية بما يجودون به من كتب مستعملة، ففي تقديرنا إذا ما نجحت الجهة المعنية في تنظيمه مرة كل عامين وباختيار السنة التي يتوقف فيه المعرض الدولي للكتاب الذي هو الآخر ينظم كل عامين، وجعل أيضاً توقيته متزامناً مع أواخر الشهر بعيد تسلم جمهرة الموظفين والمثقفين لرواتبهم كل ذلك من شأنه أن يتيح للجهة المنظمة أكبر فرصة زمنية ممكنة معقولة للتحضير الفعال الناجح لهذا العرس الثقافي الكبير بالصورة المشرفة وعلى النحو الأتم والأكمل.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4293 - الأحد 08 يونيو 2014م الموافق 10 شعبان 1435هـ
مبروك العوده
مبروك العودة مجددا للصحافه استاذ رضي من هذا إلى اكثر انشاء الله
اهم شي
نسيت اهم نقطة،
تاريخ المعرض قبل المعاشات بكم يوم حزة التشقف ههههه، ياريت مرة ثانية يكون وقت نزول المعاشات ،
مرحباً
مرحباً بعودتكم نتمني الاستمرار
نورت الصحافة
نورت الصحافة من جديد يولد الخال