في حصتي، دخلت الصف السادس الابتدائي، هو أول يوم دراسي، تمّ توزيع الكتب الدراسية الجديدة على الطلاب، شممت رائحة الكتب، ذكّرتني بأول يوم دراسي قبل نيّف وعشرين سنة وأنا في المرحلة الابتدائية.
من باب الفضول، طلبت من أحد الطلاب إعطائي كتاب اللغة العربية، تصفحت الكتاب فإذا هو هو نفسه الذي درسته، وربما الذي درسه أخوتي الكبار، لن أقول أبي وجدّي لأنهما كانا أمّيين.صدمتني صورة لجبل الرحمة في عرفات، في موضوع (على عرفات)، هي ذاتها الصورة التي أتذكرها!ربّما تمّ تصويرها في الخمسينات أو الستينات!وكأنه لا يوجد حجّ في هذه الأيام لتُأخذ صور حديثة!
الطلاب اليوم كلهم تقريباً لديه حسابات في الانستغرام، وتكوَّن لديهم حسّ فني وذوق فيما يتعلّق بالصور، وأنت تريد مخاطبتهم بصورة تمّ التقاطها قبل أن يولد آباؤهم!
وتبدو الصورة وكأنها مأخوذة -عبر آلة التصوير الضوئي-من إحدى المجلات أو الصحف، لوجود جملة ناقصة في إحدى زوايا الصورة!
لكن وجود هذه الصورة الباهتة كان شيئاً جيداً؛ إذ أن باقي الصفحة والصفحات التالية هي نصوص فقط، تخيل أن طالباً في الحادية عشرة من العمر يجد أمامه صفحةً كاملة من النصوص!وهو المعتاد على التغريدات القصيرة في هاتفه الذكي!
طلبت من الطالب أن يناولني كتاب اللغة الإنجليزية، هو طبعاً غير الذي درستُه، إذ أنّنا كنّا نبدأ تعلّم الحروف الهجائية في الصف الرابع الابتدائي، أي في عمر العاشرة، أما اليوم فهم يدرسونها في سن الروضة.بصراحة، بعض الأمور لم أفهمها في الكتاب، فالمدارس الحكومة لم تُخرّجنا (بلابل)في اللغة الإنجليزية، لكن ما شدّ انتباهي الصور الحديثة عالية الدقّة التي تملأ أغلب الصفحة!في الدرس الأول صورة للاعب كرة قدم يرتدي قميص نادي مانشستر يونايتد، سألت الطلاب عن اسمه فقالوا (غاري نيفيل)، لقد عرفوه!هناك حالة من الجذب موجودة في الكتاب، حتى يُخيّل للطالب كما لو أنه هو اللاعب المشهور المرتدي هذا القميص!وحتى النصوص موضوعة في صناديق ملوّنة، وكثير من الأسئلة لم تكن بدافع قياس مقدرة الطالب على الحفظ فقط، بل تطلب منه التحليل والتأليف والتقييم وغيرها من مهارات التفكير العليا.
لماذا هذا الاختلاف الفظيع بين منهجي اللغتين!
طلاب اليوم يختلفون اختلافاً هائلاً عن ما كنّا عليه، أنا لا أتكلم عن قرن مضى، بل كنتُ في سنّ طلابي قبل عشرين سنة تقريباً، في هذه العشرين سنة تغيّر العلم والتعليم بشكل كبير، أتذكر عندما كنت في عمرهم كنت أقرأ كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع (الأصلي) وأستوعبه لأعيد قصّ حكاياته لوالدي، الذي كنتُ أظن أنه يستمتع بقصص الحيوانات، إلا إنني لاحقاً فهمت أنه كان يفرح لإجادتي القراءة وحسب..لحسن الصُدف، وأنا اليوم معلم، رأيت كتيبات صغيرة في مكتبة المدرسة باسم (كليلة ودمنة)، هي قصص مبسطة وبلغة سهلة جداً ومع الصور والألوان، وكلّ قصة في كتيّب على حدة، ولا أجدُ أحداً من الطلاب يقتربُ منها!الزمن تغيّر كثيراً، لا يمكن لنصوص جامدة كنصوص كتب القراءة أن تشبع نهم طلاب اليوم!
وحتى من حيث المضمون، ونحن في زمن التكنولوجيا والطاقة لا يمكن أن تخاطب طفل في الحادية عشرة من عمره بقصيدة تقول (يا شمس يا أم الشهب أم الضياء واللهب أين تنامين إذا غاب النهار واحتجب؟)! نعم كنّا ونحن صغار نسأل هذا السؤال، لكن اليوم، طرح هذا السؤال فيه استخفاف بعقول الطلاب.
نحن لا نريد كتباً دراسية مؤلفوها كلهم اختصاصيون سابقون، رحمهم الله جميعاً.
لا أقول أنّ المناهج هي كلّ شيء، ولكنها شيء مهم على أقل تقدير.
أستغرب من طلاب لا يعرفون القراءة والكتابة، ولكنهم يتراسلون مع بعضهم البعض باستخدام الواتسب، ويتبادلون الصور ومقاطع الفيديو! ألا يحتاج هؤلاء لتطوير كبير في المناهج.
ابني ذو الثلاث سنوات، اضطررت تحت إلحاحه أن أشتري له جهازاً لوحياً، وهو يجيد البحث عن الألعاب وتنزيلها، والدخول على اليوتيوب، ويكفيه الدخول لأكثر المقاطع شهرة لينتقل من غصن لغصن حتى يدخل أعشاش الآخرين! رغم أنني لم أمتلك جهازاً مثله إلا قبل سنة واحدة من امتلاكه إياه، أي أنّ الفاصلة بيني وبين ابني هي سنة واحدة فقط! وهذه الفاصلة تتصاغر.
لا يمكن أن يقتنع ابني بما اقتنعتُ به أنا، الضجيج والإزعاج الذي يسمعه كلّ يوم في الفضائيات المخصصة للأطفال، والألوان الفاقعة، والإيقاع السريع، يجعله أكثر نفوراً من المناهج الباهتة إذا لم تتغيّر.
طبعاً لن أخبركم عن مشاعري عندما فتحت كتاب التربية الإسلامية.
حسين ابراهيم
مقال يلامس كبد الحقيقة
وما أحوجنا لخطط تطويرية شاملة في النظام التعليمي ككل ... بعيدا عن الإثارات المهمة التي طرحها الكاتب ... لازلنا لانتجاوز مرحلة صب المعلومات في العقول دون تنمية الفكر والابداع والمهارات ..شئ يؤسف له
وكتب التاريخ تعاد كل سنه
وجعنا بالتاريخ الفاشل بدون تركيز على محتوى مهم لمتابعة الحياة السياسيه
شكرا جزيلا
مقال أكثر من رائع أخي الكريم، بعيدا عن رسالة الانتقاد المختبئة بين اسطره، الا اننا سافرنا معه الى تلك الايام الدراسية الجميلة والكتب الملونة ذات الرائحة المميزة.
قمة في الروعة ...
بارك الله فيك أخي الكريم ... أسلوب راقي يجذب القراء و مواضيع تستحق الانتقاد ...
السبب
الكتب العلمية : علوم - رياضيات يتم شرائها من العبيكان و تعديلها لنسخة بحرينية
الكتب الأخرى ما عدى الأنجليزي يتم تأليفها في البحرين ولا يتغير فيها شيء
أما الأنجليزي نسخة من بريطانيا
ربما
ربما هناك اشخاص لا يوافقونك الراي، فالكتب الكلاسيكية لا مشكلة فيها خاصة اللغة العربية، يجب عليهم تغيير كتاب العلوم الى العلوم باللغة الانكليزية منذ الصف الاول ابتدائي ، و كذلك الاجتماعيات و خاصة الرياضيات و التي سوف يتم اسنخدانها طوال حياتهم باللغة الاكليزية اغلب الاحيان... يجب اعطاءهم مجلات و قصص لقراءتها بالانكليزية منذ الصف الاول فعجبا في بلد اللغة الانجليزية تعتبر اللغة الثانية و معظم المواطنين يتلكأون عند تحدثهم بهذه اللغة