تقدَّم مقالة أنخيل غوريا - كوينتانا، في صحيفة "الغارديان" يوم الخميس الماضي (5 يونيو/حزيران 2014)، مقاربة بين إنجازات لافتة للبرازيل شكّلت مدرسة عالمية في لعبة كرة القدم، وبين الأدب هناك على اختلاف تنوعه وتناولاته. هل يمكن للبرازيل أن تقدم أدباً يحتل صدارة في المشهد الروائي والقصصي والمسرحي والأدب العالمي عموماً، كما هو الحال مع ما قدَّمته وتقدِّمه اليوم في عالم كرة القدم. تلك اللعبة التي تظل مرتبطة في جانبها السحري بـ "السامبا"، أداء في المستطيل الأخضر بالبراعة والحيوية نفسيهما في الرقصة الشهيرة؟ التفاصيل في المقال المقاربة الآتية:
مع إطلاق مهرجان الأدب والثقافة البرازيلية مؤخراً في قرية سوفولك بمنطقة سناب، جأر سفير البرازيل لدى المملكة المتحدة، دون تردّد بشكواه قائلاً، إنه قام بزيارة سفارة الأرجنتين، واطلع على حملة جديدة تكشف النقاب عن حجم الجهد في أعمال الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. وقال: "شعرت ببعض الحسد. أعترف بذلك. لماذا لا توجد أعداد مماثلة اليوم من الكتّاب الشباب البرازيليين، كما هو الحال مع فترة ازدهرت بوجود الكتّاب الكلاسيكيين؟". الجواب: "الخلاصة مع الأسف، بأن الكتّاب البرازيليين الذين تم الاحتفاء بهم مثل جواكيم ماريا ماشادو (روائى وقاص برازيلي ولد في ريو دى جانيرو في 21 يناير/كانون الثاني 1839 عاش وتوفي فيها؛ ويعد الأب الحقيقي للأدب البرازيلي الحديث، ومؤسس الأكاديمية البرازيلية للآداب ورئيسها حتى وفاته في 29 سبتمبر، 1908 عن عمر ناهز الـ 69 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً خالداً وبصمة مضيئة على فن الرواية الغرائبية تربى عليه أكثر من جيل في البرازيل. وهو على رغم شهرته في بلده الأصلي؛ إلا أن أعين المترجمين لم تتنبه لإبداعاته إلا من فترة قريبة؛ ناقلة بذلك نتاجه الفريد إلى أغلب لغات الأرض كواحد من الكتاب العظام الذين لا يستغنى عن الاطلاع على ما تركوه من إرث قصصي وروائي لتفتح الباب على مصراعيه للولوج إلى تيارات الرواية الحديثة، بفضل القدرة الفائقة لماشادو على مزج الواقعية بالخيال المحض، وانتباهه إلى سحر العمق النفسي في الشخصية الإنسانية وتنوع مشاعرها وتناقضاتها)، أو غراسيليانو راموس (1892-1953)، صاحب رواية "حيوانات جافة"، وغيرهما، ليسوا معروفين على نطاق واسع لقراء الإنجليزية.
وعلى رغم الشكوى المتكرّرة والشائعة والتي مفادها أنه لا يكفي أن يصدر الأدب البرازيلي باللغة الإنجليزية كي يأخذ مداه وانتشاره فإن هذه هي اللحظة المليئة بالحبور للكتّاب البرازيليين الجدد كي يأخذوا حظهم من الترجمة؛ إذ شهد الشهران الماضيان نشر أعمال لاثنين من الكتّاب يُعدَّان من بين أفضل الروائيين الشباب البرازيليين من قبل مجلة "غرانتا" (في العام 1889 صدر العدد الأول من مجلة غرانتا في العاصمة البريطانية (لندن). واقتبس اسم المطبوعة من أحد الأنهر المتدفقة في المدينة على مدار السنة. وأقدمت إدارة المجلة على استحداث أولى ثوراتها الصحافية في العام 1979 في أعقاب ضائقة مالية خانقة تعرّضت لها. أصدرت نسخاً بالإسبانية والبرتغالية والإيطالية والبلغارية والسويدية والنرويجية. والأعداد التي تطبع بهذه اللغات ليست مقصورة فقط على ترجمة النسخة الإنكليزية إلى هذه اللغات المختلفة، بل ثمة مواد صحافية متعددة فيها تُكتب في الأساس بلغات هذه البلدان. وغالباً ما تعتمد هذه المجلة قضية واحدة يتناولها العدد الصادر بأي من هذه اللغات، سواء أكانت اجتماعية أم أدبية أم فكرية أم علمية)، و "يوميات السقوط" لميشال لوب (تمت ترجمتها من قبل مارغريت جول كوستا)، وتزخر الرواية باستكشاف عميق وقوي للذاكرة، وتتناول في ثناياها إحاطة بحالة الشعور بالذنب، وتقصٍ يرسم العلاقات بين المرح المفضي إلى الكارثة، الذي ينتاب بعض المدارس الثانوية والهولوكوست (المحرقة)، ومناخية رواية دانييل جاليرا (كاتب ومترجم ومحرر برازيلي من مواليد ساو باولو العام 1979. قضى معظم حياته في بورتو أليغري حتى العام 2005 عندما عاد إلى ساو باولو. هو في نظر النقاد واحد من الكتّاب الشباب الأكثر تأثيراً في الأدب البرازيلي. من مؤسسي دار ليفروس للنشر، كيّفت بعض أعماله في عدد من المسرحيات والأفلام)، و "لحية منقوعة في الدم" (ترجمة أليسون إنتريكين)، حيث يُعرف بطل الرواية بعدم قدرته على التعرّف على الوجوه - بما في ذلك وجهه.
ويُتوقع في وقت لاحق من هذا العام (2014)، أن يتم تسليط مزيد من الأضواء على عدد من المذكرات، من بينها تلك التي وضعها كاتب العمود ديوغو ميناردي، الذي اشتُهر بآرائه السياسية الصارمة. وكذلك "في الانهيار" (ترجمت أيضاً من قبل جول كوستا) التي تروي قصة مؤثرة عن الابن تيتو الذي يعاني من تلف في الدماغ بعد عملية فاشلة عند الولادة في إحدى عيادات مدينة البندقية. نسيج الرواية محكم باستناده إلى ثروة من المراجع من كاناليتو ولو كوربوزييه إلى هيتشكوك و U2 (فرقة روك إيرلندية، تتكون من 4 أعضاء رئيسيين هم: بونو المغني، ذا إدج في الغيثار، آدم كلايتون على الباص ولاري مولن الابن على الدرامز. بدأت الفرقة نشاطها في العام 1976 ومازالت مستمرة إلى الآن: مند الثمانينيات).
وتضم القائمة أسماء مهمّة هي على سبيل المثال لا الحصر: باولو سكوت، إضافة إلى رواية "البيت في سْمِيرنا"ستصدر مطلع العام 2015، عن "غرانتا"، تاتيانا سالم ليفي، ورواية "الغراب الأزرق" التي ستصدر عن "دينفر" لأدريانا ليسبوا (روائية برازيلية من مواليد 25 أبريل/نيسان 1970 في ريو دي جانيرو. لها ست روايات، ونشرت أيضاً الشعر والقصص القصيرة وكتب الأطفال. كتبت أصلاً باللغة البرتغالية البرازيلية. نشرت كتب لها في أربعة عشرة بلداً وترجمت إلى الإنكليزية والإسبانية والفرنسية والألمانية والإيطالية والعربية، السويدية، الصربية والرومانية، مع ترجمتين متوقعتين إلى البولندية والتركية)، وسيرة ذاتية مصغّرة، التي فازت بعدد من الجوائز، والأكثر مبيعاً "الابن الأبدي" لكريستوفوا تيزا، وغيرهم.
إلى جانب هذه الأعمال هنالك روايات المتمرّسين في الكتابة والنشر باللغة الانجليزية بما في ذلك الكاتب الساخر لويس فرناندو فريسيمو، مؤلف كتاب "الجواسيس" (ولد في بورتو اليغري بالبرازيل في 26 سبتمبر/أيلول 1936، له أكثر من 16 سيناريو فيلم، أولها في العام 1970، وآخرها في العام 2011)، والمغني الذي تحول إلى مؤلف تشيكو بواركي (ولد في ريو دي جانيرو بالبرازيل في 19 يونيو/حزيران 1944. نال جائزة برافو لأفضل كتاب في العام 2009. مغن وكاتب أغاني، شاعر وكاتب مسرحي. تتضمن أغانيه تهكّماً يتناول الموضوعات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في البرازيل خصوصاً)، ومؤلف "من الذي قسّم السلْب" وفيها تداعٍ يستحضر الذاكرة بشكل مؤثر لريو دي جانيرو من خلال عيون بطل الرواية المئوي.
ولكن هذه القائمة المحيّرة من الكتب متوافرة باللغة الإنجليزية فقط وبدأت تطفو على السطح. عديد من الأخبار السارة تنتظر قراء الإنجليزية لأعمال يتم العمل على ترجمتها بما في ذلك، عمل روائي للممثلة التلفزيونية والسينمائية فيرناندا توريس، والتي أثبتت أنها موهوبة في الكتابة كما هي على الشاشة، من دون أن ننسى التشيلية المولد كارولا سافيدرا التي ترسم جغرافية حميمة في روايات جريئة ويمكن معاينة ذلك في روايتها "الزهور الزرقاء".
في العام 2014؛ حيث تستقبل البرازيل فعاليات كأس العالم يجدر بنا تذكّر أن لكرة القدم مكانها في الأدب البرازيلي. حتى عندما لا تكون هي الموضوع الرئيسي، تظل الرياضة الوطنية الأولى في كثير من الأحيان هناك كامنة في الضجيج الخلفي لعدد كبير من الأعمال.
وقد اعترف شيكو بواركي أنه عندما تخيّل العاصمة الهنغارية لروايته (بودابست)، سمّاها الشوارع المُخترِعة بعد اللاعبين الأسطوريين الهنغار في نهائيات كأس العالم 1954.
الكاتب المسرحي والصحافي نيلسون رودريغز (1912-1980) كان من بين أول من وثّق وعبّر بطريقة مسرحية عن الانتصارات المؤقتة والعذابات الأبدية لكرة القدم البرازيلية، وكانت جزءاً لا يتجزأ من الأعمال الإيقاع الدرامي للحياة اليومية.
في رواية "سال لعابه"، لسيرجيو رودريغيز التي نشرت مؤخراً، يتم استعراض الجهد المضني لمعلّق في كرة القدم، وربما تكون المرة الأولى التي تساوي مآثر لاعبين مثل ديدي وفالكاو وزيدان بالنثر المتوهّج لفلاديمير نابوكوف.
تلك المجموعة المتنوعة من الأساليب الأدبية والموضوعات التي تتناولها تلك الإصدارات والكتب، تتحدّى الافتراضات السهلة بشأن ما الذي يمكن أن يقدِّمه الأدب البرازيلي المعاصر، ومعنى أن تكون برازيلياً في وقتنا هذا.