تعتبر قصة الصحافية السودانية نجلاء سيد أحمد الشيخ من القصص الملهمة، فالتزامها تجاه حرية الصحافة وحقوق الإنسان وإصرارها الدائم على نشر حقيقة الأوضاع التي يعانيها السكان في بلادها كل ذلك سبب لها متاعب كثيرة وتهديدات اضطرت على إثرها إلى مغادرة البلاد بحثا عن ملاذ آمن، وذلك وفق ما نقل موقع "مركز الدوحة لحرية الأعلام".
ورغم أنها تقيم في المنفى حاليا، إلا أنها مازالت متمسكة بموقفها وتكرس وقتها وجهدها لكشف انتهاكات حقوق الإنسان في السودان.
بيتر تاونسون من مركز الدوحة لحرية الإعلام التقى نجلاء في منفاها بالعاصمة الأوغندية كمبالا وتحدث معها عن معاناتها في الماضي، ونظرتها للمستقبل.
وخلال الحديث بدت نجلاء متضايقة بشكل كبير وهي تصف ظروف حياتها الجديدة في أوغندا، والأسباب التي أوصلتها إلى هذه الحال، لكن التأثر يبدو أوضح عندما تتذكر زملاءها، والظروف التي أجبرتها على مغادرة وطنها..معبرة عن تعاطفها وقلقها على زملائها من الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان الذين بقوا في السودان، مع إحساس بالذنب لأنها هربت وتركتهم هناك..لكن عزاءها في ذلك، كما تقول، هو أن الحياة في السودان مستحيلة بالنسبة للصحافيين الذين يواجهون ضغوطا متواصلة لمنعهم من تأدية مهامهم.
نجلاء، المحاسبة السابقة، وثقت انتهاكات مختلفة تعرضت لها مجموعات عرقية في السودان، وأنتجت أكثر من 3 آلاف فيديو ترصد معاناة مختلف العشائر، كما تطرقت لقضايا اجتماعية أخرى..ونتيجة لجهودها تلك فقد رشحها مركز الدوحة لحرية الإعلام لجائزة غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة، وجائزة "صحافيون كنديون من أجل حرية التعبير" 2012، وذلك عن أعمالها التي وثقت فيها معاناة سكان دارفور وقبائل جبال النوبة، والتي ألقي القبض عليها بسببها وتم اتهامها بأنها تحرض على العنف وتحاول رفع قضية جديدة أمام محكمة العدل الدولية.
وعن ذلك الاعتقال قالت نجلاء : "تمت مداهمة بيتي في الخرطوم ومصادرة المعدات التي كانت بحوزتي، كاميرا التصوير وجهاز الكمبيوتر المحمول، وتم اعتقالي والسيدة التي أجريت معها مقابلة خلال إعدادي للفيلم".
ولم يكن هذا الاعتقال عرضيا، فقد واجهت نجلاء الكثير من التهديدات خلال العقد الماضي، حيث قالت إن جهاز الامن والاستخبارات الوطنية بدأ متابعتها ومضايقتها منذ العام 1993، مضيفة أن المحكمة عاقبتها بالجلد والغرامة في 1997 بعد أن قامت، مع 36 امرأة أخرى، بإرسال خطاب للأمم المتحدة تسلط فيه الضوء وتحتج على تجنيد طلاب الثانوية في الحرب مع الجنوب..كما واجهت عددا من المصاعب في 2012 ، وخصوصا خلال تصويرها تشييع جنازة طالب دارفوري اتهم جهاز الأمن والاستخبارات الوطنية بقتله، حيث ألقى رجال الأمن القبض عليها وأخذوها إلى أحد الشوارع وأشبعوها ضربا هناك.
تعرضت نجلاء بشكل مستمر للإهانات والشتائم القاسية، وتلقت هي زوجها للترويع وسوء المعاملة أكثر من مرة.
ورغم الصعوبات التي واجهتها بسبب عملها في الصحافة والتهديدات التي تلقتها أكثر من مرة، تؤكد نجلاء أنها لم تضطر للهرب من السودان إلا بعد أن تأكدت أن حياتها في خطر حقيقي، وخصوصا عندما هددت السلطات أختها ذات الأربعة عشر ربيعا، فكان ذلك التهديد بالنسبة لنجلاء وزوجها، بخاري عثمان الأمين، القشة التي قصمت ظهر البعير.
واختارت نجلاء العيش في العاصمة الأوغندية كمبالا حيث تقيم الآن وتتابع دراستها ، وتطور مهاراتها في العمل الصحافي.
ورغم أن كمبالا أكثر أمنا بالنسبة لها من الخرطوم، إلا أن نجلاء مازالت تخشى أن يصل إليها عملاء جهاز الأمن والاستخبارات الوطنية هناك، وذلك بعد أن لاحظت مؤخرا، أثناء تأديتها أحد الامتحانات بالجامعة، وجود أحد ضباط المخابرات السودانية معها في نفس القاعة متنكرا في هيئة طالب.
وقد وضعت نجلاء احتمالين، الأول أن يكون الضابط كان في زيارة للجامعة لمتابعتها هي وبقية الطلاب الذين يعملون معها في نفس المهنة، والثاني أن يكون جاء إلى كمبالا لمتابعة القضايا المرفوعة ضدها أمام المحكمة في السودان.
ومهما يكن الأمر، فقد كان ظهور ذلك الضابط كافيا لترويع نجلاء، وتسبب في تحولها من تلك الجامعة والتسجيل في جامعة أخرى.
وتقيم نجلاء الآن في مكان بعيد من الجامعة التي تدرس فيها (بسبب الانتقال بين الجامعات) وتقطع مسافة طويلة سيرا على الأقدام للوصول إليها، وهذا الوضع يجعلها عرضة للهجوم في أي وقت، مما خلق لديها شعورا بالخوف من قيام الحكومة السودانية بتأجير شخص لاغتيالها ووضع حد لحياتها في أي وقت أثناء عبورها ذلك الطريق الطويل.
ورغم كل ذلك مازالت تصر على متابعة الدراسة وتطوير مهاراتها المهنية، خصوصا بعد أن أصبح لديها فائض من الوقت منذ مغادرتها للسودان.
وقالت : "لدي فائض من الوقت هنا يجب استغلاله في شيئ مفيد..عندما كنت في السودان كنت مشغولة دائما بالتصوير الفيديوهات وتوزيعها للنشر ، ولم يكن لدي وقت للتعليم ، وعندما جئت إلى هنا وجدت لدي فائضا من الوقت فأردت استغلاله في الدراسة لذلك قمت بالتسجيل في الجامعة".
وأضافت : "بالنسبة لنا، التعليم مهم جدا ويجب أن يعلم الشخص نفسه طوال الوقت".
ورغم أنها تحلت بالشجاعة والجرأة والقناعة طوال عملها في المجال الصحافي، إلا أن نجلاء تشعر بالذنب لمغادرتها السودان، وتذرف الدموع عندما تصف الصعوبات التي تواجه زملاءها الصحافيين هناك.
مع ذلك، ومثل غيرها من الصحافيين في المنطقة، فإن نجلاء لا تملك خيارا آخر بعد أن أصبح العيش في السودان خطرا عليها وعلى أسرتها.
وتحاول نجلاء مواصلة عملها من أوغندا، رغم صعوبة الكتابة وإنتاج أفلام عن السودان من الخارج ، حيث تحتفظ بشبكة قوية من الزملاء، وأرشيفا متكاملا الفيديوهات واللقطات المتنوعة.
نجلاء أكدت أنها لم تندم على عمل قامت به، بل تشعر بالفخر حيال ما حققته حتى الآن، معربة عن إيمانها بقدرة الصحافة على تحقيق التغيير المنشود.
وردا على سؤال عما إذا كانت تلقت دعما من أي نوع خلال محنتها، قالت نجلاء : "لحسن الحظ فإنني أنتمي لعائلة سياسية، كما أن زوجي رجل سياسي وهو يدعمني ويوفر لي المعدات اللازمة".
وأضافت : "لقد تلقيت دعما ماديا ومعنويا من زوجي، أصدقائي وكثير من المعارف وغيرهم..أغلب الأشخاص والمنظمات التي تدعمني لا أعرفها، وهذا يمنحني القوة لأستمر في العمل".
وعبرت نجلاء عن إيمانها بأن وسائل الإعلام يجب أن تستخدم في تعليم أفراد المجتمع وجعلهم على اطلاع دائم على ممارسات الحكومات القمعية..وقالت : "يمكن أن نجعل المواطنين أكثر وعيا بحقوقهم، ونساعدهم في الدفاع عنها".
وتابعت : "في السودان تنتهك حرية التعبير بشكل كبير، والحكومة تحرم المواطنين من حقهم في معرفة حقيقة ما يجري في البلاد".
"لقد جئت إلى هنا بعد تعرضي للتهديد"..بتلك الكلمات تختصر نجلاء معاناتها في المنفى، موضحة أن إحدى التهم التي وجهت لها ، وهي التحريض على العنف ضد الدولة، تبلغ عقوبتها الإعدام شنقا.
وأضافت : "القضية هناك، وأنا هنا"..ورغم التهديدات التي تواجهها هي وأسرتها هناك، إلا أن نجلاء تتملكها رغبة عارمة في العودة إلى السودان ومتابعة عملها هناك، ويظهر ذلك بوضوح خلال حديثها.
كما أكدت نجلاء أنه لا توجد حرية إعلام في السودان..وقالت : "لست أنا الوحيدة التي تعرضت للهجوم، ثمة أربع سيدات أخريات تمت مهاجمتهن أثناء إعدادنا التقارير من جبال النوبة ومصادرة المعدات والأجهزة التي كانت بحوزتهن".
وأضافت ، معربة عن أملها في العودة إلى السودان : "لو حصل تغيير هذه الليلة ، سنكون هناك غداً".