أبدى الحقوقي عبدالنبي العكري الخشية من أن تتحول المحكمة العربية لحقوق الإنسان، والتي تم اختيار المنامة مقرّاً لها، إلى جهاز بيروقراطي، لا صلاحيات ، ولا ضمانات حقيقية له.
وأضاف، في ندوة عقدت في مقر جمعية «وعد» في أم الحصم بعنوان: «المحكمة العربية لحقوق الإنسان والغاية منها»، مساء الأربعاء (4 يونيو/ حزيران 2014) أن «مؤسسات المجتمع المدني رفضت أن تكون بصّامة على النظام الأساسي لهذه المحكمة من دون أن يكون لملاحظاتهم دورٌ حقيقيٌّ في صياغته».
وأردف «عندما انتهت أعمال المؤتمر يومي 25 و 26 بقراءة رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان عبدالعزيز أبل البيان الختامي بعد يومين من المناقشات الصاخبة، تأكد للمنظمات والشخصيات والخبراء العرب والأجانب، على رغم الصياغات الغامضة، أن المحكمة العربية لحقوق الإنسان لن تعدو أن تكون جهازاً بيروقراطيّاً على غرار أجهزة جامعة الدول العربية الأخرى، وأنها متخلفة كثيراً عن مثيلاتها، مثل المحكمة الأميركية والمحكمة الأوروبية وحتى المحكمة الإفريقية».
وتابع «كما تأكد لهم أن مملكة البحرين، التي اقترحت قيام المحكمة واستضافتها، قد استجيب لطلبها، فليس من شيم العرب رفض ضيافة من يدعوهم إلى وليمة».
وأكمل العكري «سبق هذا المؤتمر، مؤتمر انعقد في مقر الجامعة العربية في القاهرة في الفترة بين 20 و 22 مايو/ أيار 2014، ولأول مرة ضم مندوبي الدول الأعضاء في الجامعة، وإن كان اغلبهم غير مكترث بالحضور، وبعد يومين أعيد النقاش الذي جرى في القاهرة في المنامة، لكن هذه المرة مع تركيز على الميثاق وعلى المحكمة، وقد توافرت مسودة غير نهائية للنظام الأساسي للمحكمة، إضافة إلى وجود خبراء أجانب وخصوصاً خبراء من المحكمة الأميركية والمحكمة الأوروبية والمحكمة الإفريقية، وممثلي هيئات أجنبية لحقوق الإنسان».
وواصل «سبق أن عرضتُّ في مقال مطول، نشرته في صحيفة «الوسط» بتاريخ (28 مايو/ أيار الماضي)، عرضتُّ فيه للمناقشات المريرة التي خاضها ممثلو المجتمع المدني مع ممثلي الأطراف الرسمية من حكومات وبرلمان عربي، وما يدعى بمؤسسات وطنية حقوقية، وبالطبع مسئولي الجامعة العربية، بعد أن تم صفعهم من قبل أمين عام الجامعة في خطاب الافتتاح، بأن الصياغة النهائية لنظام المحكمة انتهى، وأن المقر هو مملكة البحرين قد أقر، وبالتالي ما عليهم سوى التصفيق، وهو ما جعل القاعة تضج بالاحتجاج».
وأردف «من الواضح أن هذه المحكمة أقرب إلى محكمة عدل للفصل بين منازعات الدول العربية؛ لأنه لا مكان للأفراد والمنظمات المستقلة للشكوى ضد حكوماتهم، كما أن قضاة المحكمة يرشحون من قبل حكوماتهم، ويتم انتخابهم، تجاوزاً، من قبل الهيئة العمومية المكونة من قبل مندوبي الدول العربية الأعضاء في المحكمة».
وأفاد «لقد أوضح خبراء المحاكم الأميركية والأوروبية والإفريقية طبيعة وصلاحيات هذه المحاكم، وطريقة اختيار قضاتها وعزلهم، ففي جميع هذه المحاكم ليست هناك قيود على قبول الدعاوى المقدمة من الأفراد والمنظمات ضد حكوماتهم أو حكومات غيرهم، كما أن هناك ضمانات حقيقية للمتقاضين والشهود والمحامين وهو مالا يتوافر في المحكمة العربية، بما أن هؤلاء الخبراء أكدوا أن اختيار البلد المقر للمحكمة يجب أن يتوافر على شروط، أهمها: توفيره الضمانات الكاملة للمحكمة لممارسة عملها، وكذلك ضمانات للقضاة والجهاز الإداري وللمتقاضين وحرية وصولهم إليها، وهذا لا يتحقق إلا في نظام ديمقراطي، وفي بلد ذي نظام قضائي راسخ، حيث واشنطن مقر المحكمة الأميركية وستراسبورغ مقر المحكمة الأوروبية، وأشورا مقر المحكمة الإفريقية، وبالنسبة إلى اختيار القضاة، ففي حالات المحاكم الثلاث، فإنهم يختارون بصفتهم الشخصية وليس كممثلين عن بلدانهم، حيث يختار قضاة المحاكم الأميركية والإفرقيية من قبل الهيئات القضائية العليا في الدول الأطراف في اتفاقية المحكمة، في حين ينتخب البرلمان الأوروبي قضاة المحكمة الأوروبية، وليست هناك أي كوتا لأي بلد والأمر ذاته ينطبق على الهيئات التي تعزل القضاة».
وذكر أن «اللجنتين الوطنيتين لحقوق الإنسان في كل من قطر التي استضافت المؤتمر العربي لتكامل آليات حقوق الإنسان العربية، والبحرين البلد المضيف للمؤتمر، وبعد ردة الفعل العنيفة من قبل ممثلي المنظمات والخبراء العرب، حاولوا استيعاب ذلك بطمأنتهم إلى أنهم يستطيعون مناقشة كل شيء بما في ذلك نظام المحكمة والميثاق العربي وآلياتها وأجهزتها، وتقديم مقترحات وتوصيات وهو ما كان، لكن تبين كما هو حال المؤتمرات العربية أنها لا تتعدى أن تكون تصريحات يمكن أن يؤخذ ببعضها، والأقرب ألا يؤخذ بما هو جوهري منها، حيث من المقرر أن يقر الاجتماع الوزاري العربي في سبتمبر/ أيلول المقبل نظام المحكمة ومقرها لإقراره من قبل القمة العربية المقبلة، وكفى الله المؤمنين شر القتال».
وختم العكري «إذا كان التفاخر بالمحكمة العربية لحقوق الإنسان ومقرها والإطناب في المدائح ليس له أساس، فذلك؛ لأن المحكمة العربية لحقوق الإنسان مثلها مثل المفوضية العربية لحقوق الإنسان، ولجنة حقوق الإنسان في الجامعة العربية، التي لم تنصف مظلوماً ولم تسعف مكلوماً».
من جانبه، ذكر المحامي عبدالله الشملاوي أن «هذه المحكمة لو أنشئت بالشكل الذي يتماشى مع مثيلاتها الأميركية والأوروبية والإفريقية فستكون نعمة لصيانة حقوق الإنسان، وسترسخ حماية حقوق الإنسان ليس على سبيل الترف بل على السبيل القانون».
وأفاد الشملاوي أن «المادتين 50 و 51 تنصان على أن القرارات في الجامعة العربية يجب أن تصدر بالإجماع، والميثاق يعطي للقرارات التي تصدر بأغلبية، قوة خاصة، حيث تكون ملزمة للدول الموافقة عليها».
وأردف «في الاحتفالية التي جرت في البحرين، والخطاب الذي ألقاه الأمين العام للجامعة العربية بأن المسودة النهائية للمحكمة باتت جاهزة، وأدى ذلك إلى إحداث ارتباك لدى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وحاول المعنيون فيها ترقيع هذا التصريح، بعد اعتراض الحضور، وأنهم لم يأتوا بصامين أو شهود زور على إنشاء المحكمة، بل جئنا لمناقشة ووضع النظام الأساسي، من غير الواضح عدد القضاة الذين تتكون منهم المحكمة، كما لم يتح للشعوب اختيار القضاة، بل بات الاختيار من قبل مندوبي الدول».
وأكمل الشملاوي «قد تكون المحكمة العربية لحقوق الإنسان أنشئت من أجل فقط عدم وصول التقاضي أمام المحاكم الدولية، وهي ليست سوى مصدة بين الضحية والوصول إلى حقه؛ لأنه من الممكن للضحية بعد استنفاد التقاضي المحلي اللجوء إلى القضاء الدولي، وهو ما يعني أنه قد يوضع عقبة جديدة لتحقيق ذلك، بإيجاد هذه المحكمة».
وتساءل: «كيف سيتم دفع موازنة المحكمة العربية؟ وأصلاً هناك بعض الدول لا تدفع اشتراكاتها في الجامعة العربية».
وتابع «من دون وجود الشفافية في طريقة إنشاء المحكمة وعدم وجود الشفافية في طريقة عملها، ستكون هذه المحكمة مجرد ديكور، ونحن شعوب نحب الديكورات، ولم تتم استشارة مؤسسات المجتمع المدني بشكل واضح».
وختم الشملاوي «هذه المتطلبات إذا لم تتحقق في إنشاء المحكمة العربية، فإنها لن تكون أكثر من ديكور ووجاهة فقط».
العدد 4290 - الخميس 05 يونيو 2014م الموافق 07 شعبان 1435هـ