في الوقت الذي يتذكر فيه العالم في مثل هذا اليوم، اكتشاف بنجامين فرانكلين العلمي، بإثباته العام 1752م، أن الصواعق تتكون من الكهرباء، يستفيق العالم على واحدة من أكثر الاكتشافات السَّاديّة في هذا العصر، والتي جَرَت قبل أيام في قرية وادِعة بريف حماة الشرقي، حين أبِيْدَت عائلة بكاملها على أيدي قَتَلَة مجرمين، يدَّعون زوراً وصلاً بالإسلام.
قرية زنوبة، التي تملأ أرضها الحشائش والأزهار والثمار، ويتضمخ هواؤها بالنداوة، وعمارتها بالتريُّف، كانت على موعد أسوَد لم يزد على بضع دقائق، لكنه قضى على مئتين وسبعة وستين عاماً هي مجموع أعمار رجل كَهْل، جاوز القرن وعامين، ومعه ولده وحفيده وزوجة حفيده وابنتهما، بعد أن قام مسلحو تنظيم داعش بالإغارة عليهم لأسباب طائفية، فأحرِقَ بعضهم، والبعض الآخر فُجِّر رأسه وقلبه بالرصاص وهو نائم، كما هو الحال بالنسبة إلى الرجل المُسِن! يارب رحماك!
أليْسَ من المعيب أن ينتسب هؤلاء إلى الآدمية فضلاً عن الإسلام؟! رجلٌ كَهْلٌ وقد وَخَطهُ الشَّيْب وبانَت بَجَالَته، ولا يقدر على قضاء حوائجه، فأين موقعه من هذه المعركة الدَّاحِسِيَّة الغبرائيَّة؟ رجلٌ وابنه وزوجته وابنتهما يفلحون الأرض في ساعة الشروق، ويبيعون محصولها في ساعة الهاجرة، ثم يذهبون إلى مخادعهم في الليل، فأين هم وأين دماؤهم مما يجري؟! هل هناك صورة تعريفية، لمثل هذا الحقد وحبهم لجَرَيَان الدماء؟!
اليوم، الأمة العربية والإسلامية أمام تحدٍّ خطير، يتمثل في تحسُّس موقعها ومسيرها. هذه الأمة لم تكن مجموعة إلاَّ بآحادها وثقافتها. وإذا كان المرء، لا يمشي في طريق إلاَّ وهو مُدركٌ إلى أين سيأخذه، فإن الأمة المتشكلة منه مطالَبةٌ بأن تُدرك إلى أين هي تسير، ومع مَنْ، ولصالح مَنْ، وإلاَّ فهي ذاهبة إلى مجهول، حاملة معها أحمالاً لا تعي أن فيها كعب أخيلها.
الأمة، التي ستبقى تتذكر مثل هذا اليوم، الخامس من يونيو/ حزيران، سبعة وأربعون مرة حين هاجمت إسرائيل مصر وسورية والأردن واحتلت سيناء والجولان والضفة الغربية، ستبقى تتذكره «كرنفاليّاً» ألفَيْ مرة، حين تبقى أسيرة لمثل هذا الفكر، الذي ربما ترفضه، لكنها عاجزة عن مواجهته، وهي تدرك أنه خَرَجَ من تحت أرجلها بطريقة أو أخرى. هذه حقيقة.
ليس من الصحيح ولا المنطقي ولا العدل، أن ترى الأمة هؤلاء الجَهَلَة دون أن تفعل أكثر مما فعلته لقلقة باللسان استنكاراً واستهجاناً.عندما خَرَجت النازية في ألمانيا، والفاشية في إيطاليا، وقَفَ الأوربيون جميعهم ضدهما، وقدموا في سبيل ذلك سبعين مليون قتيل في الحرب الكونية الثانية كي يقضوا عليها؛ لأنهم كانوا مُدركين لخطورة ذلك الفكر، الذي من شأنه أن يقود حتماً إلى حرب إثنيات وطوائف جديدة، قد لا تُبقِي في أوروبا ولا تذر.
وهم اليوم، يتعاملون بالحذر ذاته، مع الأحزاب اليمينية. لقد عاقب الأوروبيون النمسا وهي العضو بالاتحاد الأوروبي، وهددوها بفرض عقوبات اقتصادية، ووقف جميع أشكال التعاون معها، وعدم مصافحة أعضائها، عندما انتخب النمساويون اليميني المتطرف يورغ هايدر، وتشكلت حكومة ائتلافية في العام 2000 بين حزب الحرية اليميني الهايدري، وحزب الشعب بزعامة وولف جانج شوسيل. هم لا يريدون أي مهادنة مع هذا الفكر.
بإمكان العرب والمسلمين، أن يتداولوا مثل هذه الأخبار (مجزرة زنوبة مثالاً) صباح مساء، ويفغروا فاهاً أمامها، ويهزوا كتفاً بشأنها، ويطلقوا زفيرًا وأسفاً عليها، لكن ذلك لن يُنهي المشكلة، بل سيتركها تتدحرج حتى تكبر وتتعاظم. ما نراه اليوم، ليس سكوتاً فقط، بل إن البعض لايزال ينبري مدافعاً بكتمان عن هذا الفكر، ومَنْ أراد أن يبدو مصلحاً يقوم بالتفريق بين داعش والنصرة والقاعدة، كما لو أن الفضل بينهم مختلف، وهم فيه على منازل شتى، فهل في هذا شيء غير الاعتراف المبطن أو الصريح بهذا الفكر البائس؟!
ما يجب أن يُعرَف أن هؤلاء ليسوا على جادَّة دين، ولا على سماط آدمي؛ لأنهم لا يحملون شيئاً لا من الدِّين ولا من الآدميَّة. فالأول يُسر ورحمة، والثانية معاشرة وتعارف وأخوة، أما هؤلاء، فتنطبق عليهم الآية الكريمة: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (البقرة - 74).
مشكلة هذه الحفنة، أن لها استسهالاً بلا حدّ في مسألة الدم. وعندما يصل الأمر إلى هذا المستوى، يغيب أي شيء دال على أن هناك علاقة إنسانية، ولو افتراضية قائمة بين البشر.
عندما أقرأ شيئاً من تاريخ المعارك البعيد عند العرب والمسلمين، وأحصي صور الساديَّة فيه، من قطع الرؤوس وحملها، وقطع الأرجل من خلاف، وسمل الأعين، وجدع الأنوف، وسلب الملابس والمضارب، أقول، إن ما لم تُوثِّقه عدسة كاميرا في ذلك الأوان لتلك المشاهد المروعة، بتنا نراه في هذا العصر بالعين المجردة، حين وجدنا هؤلاء وهم في معركة ردح لاإنسانية ضد الإنسانية، يغيب عنها الضمير والعقل. وقد صدق الشاعر الألماني برتولت بريشت عندما قال: «ليس من رحلة أشق من العودة إلى العقل».
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4289 - الأربعاء 04 يونيو 2014م الموافق 06 شعبان 1435هـ
وعندك مثلهم
ما رأيناه من تفجير الرؤوس والأجساد في 2011 يقول أن داعش والغبراء لا يبعدون كثيرا ولو استطاعوا لأبادونا عن بكرة أبينا وهم فاعلون
انهم وبااااااااااااااااااااااااااااااء
العائلة التي تمت تصفيتها هي عائلة علوية مسالمة لكن هؤلاء سواء في داعش أو النصرة يقتلون من العرب والاكراد السنة ومن المسيحيين دون تفريق. لا تنسوا ماذا فعلوا في عائلة زينو السنية في حلب عندما قاموا باعدام 15 فرد منهم علنا وامام الكاميرات . انهم وبااااااااااااااااء
التاريخ شاهد
التاريخ الاسلامي مليء بمثل هذه الافعال الدموية
بالنسبة لمثال الأحزاب اليمينية الأوروبية
فوز هذه الأحزاب مؤخرا في انتخابات اوروبا خبر أقلقنا ، ماذا يجري هناك يا ترى ؟ أعتقد أن الموضوع يستحق الكتابة عنه . . . فقارة أوروبية كاملة بدأت تأخذ منحى جديدا