كان كالجسر ذي المفعول السحري الذي ربطنا بكثير من الأصدقاء والزملاء والأقارب الذين أسرفوا في الغياب، فأسرفنا في نسيانهم قبل أن نلتقي بهم صدفةً أو عن قصدٍ في مكان ما ونتبادل أرقام الهواتف للتواصل عبر الواتس أب، الذي لن يكلفنا شيئاً ماديّاً وسيكون بريداً مستعجلاً يوصل أخبارنا لبعضنا، فينتشلنا من الغياب، ويوقظ ذاكرتنا بكثير من المواقف التي قد تكون حدثت في فترات الطفولة الأولى من خلال تذكرها مع من عاشها معنا.
اشتركنا في كثير من المجموعات، كل واحدة لهدف معين أو لمجموعة معينة من الأهل أو الأصدقاء أو الزملاء في المهنة أو الاهتمام، وتفنّنّا كثيراً في اختيار صورة «البروفايل» وشرح الحالة لتكون دليلاً على مزاجنا الذي نعيش، فيعلم الصديق قبل الغريب أننا بخير أو أننا في مكان مَّا على هذه الأرض، فلا يقلق لغيابنا ولا يجزع لعدم ردنا على رسائله، لكننا نسينا أن نختار ما نرسله بعناية تامة كما فعلناعند اختيار صورنا إلا قليلاً!
بعد الواتس أب، صارت الشائعات التي نتداولها كثيرة، يكبر بعضها حتى يثير الجزع والمرض لدى بعضنا، كما يحدث في أوقات الأمراض المنتشرة أو في أوقات الشدة التي تمر بهذي البلاد أو تلك، فتحول جسر الربط بين القلوب، إلى جسر لانتشار الأكاذيب والشائعات وهدم استقرارنا النفسي. تداولنا من خلاله كثيراً من الأخبار قبل التأكد من صحتها وحين أردنا تطوير أدائنا من خلاله، كتبنا قبل الرسالة المرسلة: كما وصلني، وهي إشارة إلى عدم التأكد من صحة الخبر الذي وجدنا من المهم أن نرسله قبل أن يفوتنا السبق ويرسله غيرنا!
بعد الواتس آب، كثرت حماقاتنا وخطايانا؛ فأوغلنا في إهمال بعض أعمالنا وأسرنا وأنفسنا وصار وقت الفراغ الذي كان من المفترض أن يكون مخصصاً لأسرة أو تطوير النفس للمحادثات عبر الواتس أب أو لمشاهدة أفلام الفيديو التي يرسلها فلان وتضحك على محتواها فلانة، فتفككت أسرنا، وقلّت قراءاتنا للكتب أو المجلات المفيدة، ولم نعد نزاول هواياتنا إلا القليل، واقتصرنا على الدردشات غير ذات الجدوى وعلى تبادل النكات والطرائف التي لا أنكر حاجتنا إليها بين فترة وأخرى؛ فالحياة لا يمكن أن تكون مريحة حين تغدو موغلة في الجدي والصارم من غير أن تلتفت للبسيط الفكاهي المسلّي.
ولم يقتصر انشغالنا بهذه الوسيلة على تناقل الأخبار والشائعات والطرائف؛ بل تعداه إلى تبادل الشتائم والسباب حين نتحدث عن المختلف عنا أيديولوجيّاً أو سياسيّاً أو ثقافياً؛ فاشتراك واحد في مجموعة من مجموعات الأخبار السياسية في البلاد كفيل بأن يخبرك عن كم الشتائم التي يتداولها المواطنون ضد بعضهم بمجرد أن تنتشر إحدى الشائعات عن هذه الجهة أو تلك، وكأن الأمر بات عاديّاً وطبيعيّاً.
لأنني أرتكب كثيراً من هذه الحماقات التي ذكرت في مقالي، أفكر بين فترة وأخرى في حذف البرنامج من هاتفي، ثم أتوقف لأسأل نفسي: هل سأبقى في ذاكرة من هم حولي وسيحاول أحدهم الاتصال هاتفياً كي يعرف أخباري عوضاً عن رسائل صباح الخير اليومية التي باتت مجرد رسائل أوتوماتيكية ترسل كل يوم وينسى المرسل أحياناً من هم الموجودون في قائمته؟ وهل سيحاول أحدهم أن يرسل لي خبراً سارّاً يعيشه لأطمئن عليه، كما يفعل حين يرسله في مجموعة ما على الواتس أب؟
للأسف، صرنا اليوم نفضل الرسائل المعلبة على سؤالنا عن بعضنا بعضاً والاهتمام الحقيقي بمعرفة أخبار من نحب، كوننا نريد الاطمئنان عليهم، وليس لأننا نريد أن نرفع عنا عتباً مَّا.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4289 - الأربعاء 04 يونيو 2014م الموافق 06 شعبان 1435هـ
موضوع رائع
شكرا للكاتبة التي ابدعت في تناول مشكلة الواتس اب
تنظيم الوقت
اهم حاجة تنظيم الوقت وقت للقراءة وقت للواتس والانستغرام وقت للأصدقاء وقت للعائلة والأبناء وهكذا
الواتساب في المدارس
لقد أصبح وسيلة
للتواصل بدل اللقاء المباشر والكلام وصار وسيلة لنقل الأخبار والفتن والغيبة في المدارس صار بدل الورقة والقلم حتى المعلم يقضي حصصه في الرد على الواتساب والمدير حامل التيلفون وصاك الحجرة والاجتماعات بالواتساب ولا يفوتكم التسجيل الصوتي بعد ونقل الأخبار وتصوير الأوراق وتوزيع الأسرار بالواتساب يمكن صرنا نحتاج قوانين رقابية أكثر جدية في المدارس ونقول يامدير ويا مديرة قابلوا معلميكم وقعدوا وياهم واسمعوهم بدل التلاسن في الواتساب
تشب تشب
بعد الواتس أب، صارت الشائعات التي نتداولها كثيرة، و الامراض الاجتماعيه
زا يده
نعم للأسف...
كما تفضل الكثير من الزوار، البرنامج ممتاز ومتميز ولكن الناس كثيراً ما تسيء استخدامه.
مضر
الهانا الواتس أب عن قراءة الكتب ... وا أسفاه
انصح
انصح جميع الناس الي تستخدم الوات ساب الى تستخدمونه فى السياقة واجد خطر عليكم ارجوا ان تقبلوا هادى النصيحة من اجل سلامتكم
وداعا للواتساب
افضل ماعملته حذف البرنامج واصبح وقتي ملكي
حقاً مزعج
لا أعلم هل الوتس آب مزعج أم المستخدمين هم المزعجين ، قبل شهور بدأت برنامجاً عملي وأوقفت اشعارات الواتس اب وأصبحت مستقبلاً فقط بعد أن كنت نشطاً فيه، وأقتربت من إنهاء قراءة أحد اهم الكتب الأدبية بفضل إبتعادي عن الوتس المزعج والأصدقاء المزعجين وبقيت مع الصديق العالم الهادئ وهو "الكتاب".
ممكن توضيح
لعلي استفيد ولكم جزيل الشكر
انت أونلاين ليش ما ترد
والناس ضاجه نتصل مايرد وصاحب الهاتف في راحة نومه من التعب والولد يلعب بالهاتف ويفتح الوتساب مرات والناس في ضجيج وسوء الظن وبعدها حرب مشتعلة ومقاطعة وعدم سلام ؟؟؟ عذرا يا وتساب أزلتك من هاتفي ليس لسوئك بل من يستخدمك أساء الينا ؟؟
مجرد تواصل
نعمة تواصل ولكن للأسف البعض لايحسن إستخدامها بالشكل الصحيح
التصرف السلبي اضاع كل ايجابيات هذا البرنامج
المشكله تكمن في بني البشر عندما لايحسنون صنعا ولايجيدون تصرفا فعلا نحن بحاجة شديده للتوعيه في هذا المجال .. شكرا جزيلا لك استاذه سوسن