تعقد في بكين الدورة السادسة لمنتدى التعاون الصيني العربي في 5 يونيو/ حزيران 2014 وأعتقد أنه ينبغي أن يكون في مقدمة جدول الأعمال، الطرح الصيني الجديد، بشأن مبادرة الحزام مع الطريق، كآلية جديدة لتعزيز التعاون العربي الصيني، ليس فقط في المجال الاقتصادي والتجاري، بل وأيضاً في المجال الثقافي والحضاري. ونتناول في هذا المقال طرح عدد من التساؤلات التي تدور في أذهان الباحثين والمتخصصين في الشئون الصينية، وتقديم إجابات عليها من وجهة نظري كباحث متخصص في هذا المجال، وجهة نظر الصين حول مبادرتي الحزام مع الطريق، وهي المبادرة التي أطلقها الزعيم الصيني شى جينبينج وفي تقديري إن هناك خمسة أنواع من التساؤلات هي:
الأول: هل ستستمر الصين في صعودها السلمي؟ والإجابة نعم، استناداً على خطة الصين في بناء مناطق اقتصادية، وفي مجالات للتعاون مع مختلف الدول في مختلف القارات، وذلك على أساس المصلحة والمنفعة المتبادلة. وهنا نستذكر أن الظاهرة الاستعمارية الأوروبية والأميركية ارتبطت تاريخياً بالثورة الصناعية والبحث عن أسواق، وعن مصادر الموارد الخام والطبيعية اللازمة للصناعة، وهذه هي المعضلة التي تحلها الصين بأسلوب مبتكر، وهو أسلوب الشراكة والتعاون والمصلحة المتبادلة، أو إن شئنا القول أسلوب القوة الناعمة أي التجارة والاستثمار والثقافة والتواصل والحوار مع مختلف الدول ومختلف الشعوب ومختلف الحضارات، فهي لا تسعى لنشر ثقافتها وحضارتها باعتبارها متميزة ومتقدمة، وتنظر للشعوب الأخرى بأنها متخلفة وفي حاجة لاستيراد الحضارة، كما حدث بالنسبة للتطور الغربي عامة والأوروبي خاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بل تنظر للدول والشعوب الأخرى بأنهم شركاء في العمل المشترك للمصلحة المشتركة.
الثاني: هل ستستمر الصين كقوة كبرى تدافع عن مصالح الدول النامية؟ والإجابة أيضاً بنعم، وإن مبادراتها تجاه إنشاء منتدى التعاون الصيني الإفريقي والتعاون الصيني العربي وكذلك مبادراتها تجاه دول أميركا اللاتينية خير دليل على ذلك، ومبادرتا الحزام مع الطريق يستهدفان البناء على ما سبق، وليس التنافس معه أو تخطيه، وهذا العمل التراكمي الصيني لبناء الحضارة الجديدة المشتركة وليس سيطرة حضارة على أخرى.
الثالث: هل ستتصادم الصين مع القوى الكبرى في سعيها لإنشاء مبادرتي الحزام مع الطريق؟ والإجابة لا، فالصين حريصة على العمل والإنجاز والتعاون مع مختلف الدول وفي مقدمتها الدول الكبرى والترابط الاقتصادي والمالي بين الصين والولايات المتحدة، وبين الصين والاتحاد الأوروبي، وبين الصين واليابان خير دليل على ذلك، وهذا لا يعني وجود تنافس أو اختلاف فهذه الأمور هي من طبيعة السياسة وطبيعة الاقتصاد الذي يوصف بأنه علم الندرة، كما توصف السياسة بأنها علم صراع القوى، ولكن منهج التعامل مع الندرة هو الشراكة وليس الاستحواذ، ومنهج التعامل مع الصراع هو التعاون السلمي، وليس الدخول في حروب دولية أو إقليمية أو حروب بالوكالة.
الرابع: هل ستتحول الصين إلى المصنع الوحيد للعالم ويتحول العالم إلى سوق كبيرة للصين؟ الإجابة لا. فالصين حريصة على ثلاثة أمور أولها تصنيع الدول الأخرى، وثانيها تدريب الكوادر من الدول النامية وثالثها الاستثمار لدى الدول النامية أو المتقدمة، وكذلك اجتذاب استثمارات من تلك الدول للصين. بعبارة أخرى تداخل المصالح وتشابك الصناعات في ظل عصر العولمة القائم وآفاقه الجديدة في المستقبل.
الخامس: ما هو مستقبل العلاقات الصينية العربية في ضوء مبادرتي الحزام مع الطريق؟ والإجابة إنه مستقبل واعد. فأطروحات وسياسات الصين في الماضي خير مؤشر على احتمالات المستقبل. فالصين تقدم بيانات عن حجم استثماراتها في الخمس سنوات القادمة، وحجم وارداتها، وتدعو الدول العربية للمشاركة في ذلك والحصول على نصيبها من هذه الإمكانيات الصينية الهائلة المتوقعة.
إن السؤال المحوري كيف يمكن تحقيق الأفكار السابقة؟ وفي تقديري أن هذا يستلزم توافر الشروط الخمسة التالية:
1. الاستقرار السياسي والأمني.
2. تطوير البنية القانونية.
3. تطوير البنية الأساسية في الاتصالات والمواصلات والتغلب على البيروقراطية.
4. تطوير الموارد البشرية لكي تكون قادرة على التعامل الجاد والكفء مع الموارد البشرية الصينية.
5. وجود رؤية استراتيجية واضحة لدى الدول العربية ككل، ولدى كل دولة عربية بمفردها لما تريده في المستقبل وما تريده من الصين.
وإذا لم تتوافر تلك الشروط فلا تثريب على الصين، ولا يمكن أن توجه لها اللوم بالتقصير كما لا يمكن أن يلومها الغرب على تواجدها في الدول العربية والإفريقية، إذا كان هدف الصين، الاستثمار والتجارة والتواصل البشري عبر القوة الناعمة، بينما الغرب يفكر في التوسع ونشر حضارته ونشر نظمه السياسية وديمقراطيته، والتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، أي استخدامه القوة الخشنة، والقوة الناعمة أيضاً لأهداف واستراتيجيات التغيير، وليس لبناء العلاقات والتواصل مع الدول والشعوب، كما أن الدول الغربية تفرض الحصار والمقاطعة على الدول التي لا تسير على نهجها ووفقاً لتوجهات سياساتها واستراتيجياتها ومنهجها الديمقراطي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعلاقاتها مع دول الربيع العربي، أو مع دول مجلس التعاون الخليجي خير دليل على هذه المعضلة في تعامل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع الآخر، ولذا فإن النظم الملكية المحافظة غير سعيدة بالمواقف الأميركية رغم العلاقات الوثيقة بين الطرفين، وأيضاً النظم الثورية الجديدة في الدول ذات النظم الجمهورية غير راضية عن السياسة الأميركية ونتساءل أين الخطأ؟
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 4285 - السبت 31 مايو 2014م الموافق 02 شعبان 1435هـ
شكرا شكرا
شكرا يا اخي ع المقال
شكرا
شكرا ع موضوع