يسلّط تقرير جيف غوردينيير، في صحيفة "نيويورك تايمز"، يوم الثلثاء (27 مايو 2014)، الضوء على واحدة من الجماعات والتشكيلات والتوجّهات الثقافية في الولايات المتحدة الأميركية. تلك التوجّهات التي لا تنفك تتجدّد وتتنوع، في موقف وجودي أحياناً، وإبداعي في نظرته على الشعر والحياة والإنسان والثقافة، والموقف المركز من كل ذلك. سؤال الهوية حاضر دائماً في تلك الاشتغالات النوعية: من أنا الأميركي من أصل إفريقي؛ وسط تعدد الهويات بذلك التنوع والموازييك البشري والانصهار الثقافي الذي أوجدته أميركا بعد موجات الهجرة المتلاحقة منذ قرون وإلى اليوم. كل ذلك وسط عالم يضج هو الآخر بالتحوّل والتحرّك.
مثل تلك الجماعات والتشكيلات، تضع الولايات المتحدة في ذروة التجاوز والتجدّد، وخصوصاً في حركة الإبداع الجديد وما بعد/ بعد الحداثة، إذا صح التعبير، وقوفاً على محصّلات ونتاجات تلك الجماعات بالفارق من الأعمال والمدهش فيما تقدّمه اليوم في الحراك الثقافي والإبداعي في الداخل الأميركي، وامتداد أثره ولمّس ما يشبهه في الخارج.
من بين تلك الجماعات والتشكيلات والتوجّهات، ما يعرف بـ الغرفة الجماعية المظلمة، والتي تأسست في بوسطن العام 1988 من قبل مجموعة من الشعراء الأميركيين الأفارقة بقيادة توماس سايرز إلياس وشاران سترينج. كانت مهمة الجماعة تشكيل وإنشاء مجتمع من الأدباء الأميركيين من أصل إفريقي. وكان من بين أعضائها أيضاً، ميجور جاكسون، وناتاشا تريثيوي، وكيفن يونغ.
كان تصوّر الجماعة في الأصل أن تتوجه بكلّيتها إلى أشكال وصور من سلسلة القراءات، لتصبح مع مرور الوقت مجتمعاً مصغراً من الشعراء.
وكتب شاران سترينج "كانت الممارسة مكتفية بالكتابة تناولاً لقضايا المجتمع، وبدرجة التركيز على المحافظة على نشاط نوعي من سلسلة القراءة للكتّاب الملونين.
في أواخر العام 1987، شق اثنان من الشعراء الشباب طريقهما في رحلة مضنية إلى نيويورك لحضور جنازة جيمس بالدوين التي أقيمت في كاتدرائية القدّيس يوحنا.
تأثرا بأجواء وطقوس المراسيم وشعرا بأسى، لأنهما لم يلتقيا قط بأسد الأدب الأفريقي الأميركي، كما عُرف عن بالدوين لمكانة احتلها في أوساط مجتمعه، وقام الشاعران توماس سايرز، إلياس، وشاران سترينج بتدبير خطة هي عبارة عن تصوّر: الإتيان بالكتّاب والفنانين السود الشباب معاً لقراءة وتقديم أعمالهم بصوت عالٍ، تماسكاً مع عدد المرشدين في محاولة لتعزيز هذا النوع من أندية الرفاق التي غذّت ورفدت الكثير من الحركات الثقافية.
تم إطلاق اسم، الغرفة الجماعية المظلمة. وأصبحت الآن تجمعاتهم وبشكل واضح ومتزايد، تأتلف وتدور في منزل على الطراز الفيكتوري مكون من ثلاثة طوابق في شارع 31 إنمان في كامبريدج، ماساشوستس؛ إذ تمثل تلك التجمّعات ومضة لامعة تضيء الأدب اليوم.
يقول الباحثون، إن الجماعة عملت على تحقيق امتداد وقفرة كبيرة في الشعر الإفريقي الأميركي، يتبدّى ذلك في الناحية الجمالية فيما ينجزونه اليوم من أعمال، ويمكن القول، إن الجماعة تلك وأعمالها تتساوق وتُجاري ما حققته جماعات سابقة من أثر وفعل مثل: "غلَبة جيل"، و "مدرسة نيويورك"، و "الطرداء"، و "حركة الفنون السوداء"، وحتى "نهضة هارلم". وتأثراً بروَّاد مثل ريتا دوف (شاعرة وقاصة وروائية ومحررة وأكاديمية وموسيقية (عازفة تشيللو) وراقصة بارعة في الرقص الكلاسيكي، أو ما يُعرف بـ "Ballroom Dance". في العام 1985، صدرت مجموعتها القصصية "الأحد الخامس". صدرت لها سبعة دواوين، أولها "المنزل الأصفر الذي على الزاوية"، وفي العام 1986؛ صدر آخرها "سوناتا مُلاتيكا" في العام 2009. حازت جوائز عدة أبرزها جائزة بوليتزر في 1987 عن ديوانها "توماس وبيولا". في العام 1992، صدرت لها رواية بعنوان "عبر البوابة العاجيّة"، (Through the Ivory Gate)، وفي العام 1994، صدرت مسرحيتها الشعرية "الوجه الأدكن للأرض")، عملت هذه المجموعة – أسلوبياً - على النأي عن الكثير من نماذج الشِعر الأسود التي سبقتها، كونها أقل افتتاناً بالهوية العرقية، مقارنة بتوجّهها نحو تعميق الخيال بما يشبه الأجنحة التي تتيح لها التحرك بحرية؛ ما يدفع بعض الشعراء إلى الاستعارة من توجهها ذاك تأثراً، وحفراً في التاريخ، وثقافة البوب (الثقافة الشعبية)، وحتى فيزياء الكمّ، بتلمس طرق جديدة ومثيرة للدهشة.
استخدم عديد من الشعراء في الأجيال السابقة أعمالهم "لمقارعة الظلم بأنواعه وصوره المختلفة"، وبحسب قول رئيس تحرير مختارات العام 2013 "مختارات نورتون من الشعر الأميركي المعاصر من أصل إفريقي"، تشارلز هنري: "هناك امتياز للتوحيد، وهذا الامتياز هو أن أكتب الذي أراه مناسباً ليُكتب".
وعلى رغم ذلك فإن الغرفة الجماعية المظلمة دعت إلى البراءة من توجهاتها تلك بعد عقود، أو على الأقل مجموعة من أعضائها، ومعظمهم في العقد الرابع من العمر، ليصبحوا شخصيات أدبية معروفة وليحصدوا عديداً من الجوائز الكبرى، وربما تكون الأكثر شهرة بينهم هي ناتاشا تريثيوي، التي فازت بجائزة بوليتزر لكتابها الذي أصدرته العام 2006 تحت عنوان "الحارس الأصلي"، كما حازت جائزة شاعر الأمة.
ووصفت تريثيوي سنوات تكوّنها بأنه نوع من "التنشيط"، لطاقة مُعدّة لذلك. وتشمل قائمة المخضرمين في جماعة الغرفة المظلمة كى سميث، الذي نال جائزة بوليتزر لعمله "الحياة على المريخ" في العام 2012، وكتّاب مثل: كيفن يونغ، كارل فيليبس وميجور جاكسون، والذين يعتبرون جميعاً، أصواتاً فاعلة وغزيرة الإنتاج وذات تأثير في الشعر الأميركي.
كان للجماعة تأثير متحرّك أيضاً، مستلهمة من العام 1996 الذي برز فيه: كورنيليوس إيدي، وتوي ديريكوت، اللذين أسسا كهف الكلب (Canem تعني "حذارِ من الكلب" باللاتينية)، وهي المنظمة التي كانت بمثابة نظام دعم ونقطة انطلاق لعشرات من الشعراء مثل أدريان ماتيجكا، الذي وضع كتابه في العام 2013 "الدخان الكبير"، والذي فازا بكل من جائزة بوليتزر وجائزة الكتاب الوطني، هو وتيرانس هايز، الذي وضع "ضوء رئيس" وحصل على جائزة الكتاب الوطني في العام 2010. ونيكي فيني، والذي وضع كتابه "تجنّب الانشقاق" وفاز بجائزة الكتاب الوطني في العام 2011.
وأضافت تريثيوي "ما كان ذلك ليحدث أبداً". "لم يكن الشِعر الأسود ليهيمن الآن، وقالت، لم يكن الشعر الإفريقي الأميركي "لمجموعة تفرَّعت من الشعر الأميركي، ولكنه متخلّق من الشعر الأميركي نفسه".
في هذا الشعر، لم ترَ كثيراً من مقاومة الاحتواء أو التهجين الثقافي كما تم مصادفة، مثلاً، في أوج حركة الفنون السوداء؛ ما ساعد الكاتب المتشدّد أميري بركة على البدء بإنشاء ما يعرف بمزْج الألحان، أو الطِباق في العام 1960.
قصائد أولئك الشعراء تُشعرك بامتلائها بالقلق على الهوية نفسها. ووصفت ماتيجكا ذلك بأنه "تحوّل مِن" إلى "أنا رجل أسود في أميركا وهو نسق صعب باتجاه "فكرة أنت كما أنت، بحيث يجب أن تكون دائماً جزءاً من القصيدة، والهدف من ذلك كله أن تكون أبعد بكثير و "مع" تجربة الغرفة تلك سعياً وراء سمو اللغة". الأعمال تلك يمكن أن تكون تقليدية أو تجريبية ومنفتحة سياسياً أو تجربة خاصة مليئة بالحماس، مع مجموعة من التلميحات تأثّراً بمجموعة من الأسماء قد تشمل: ملفين فان بيبلز، خورخي لويس بورخيس، ديفيد باوي، الدكتور سوس والسيد تي.