يستحث مهرجان الريف المسرحي الثامن جهوده الإبداعية بسبعة عروض مسرحية، من 21 حتى 28 مايو/ أيار 2014 على مسرح الصالة الثقافية. فمنذ البداية ومع العرض الأول يلقي بمتفرجيه «في عرض البحر» وليس لهم مجاديف سوى الأفكار والكلمات، ثم يستعيد معهم في العرض الثاني «لحظات منسية» لا قدرة على تجاوزها وخصوصاً في نهاية الطريق، فيترجل في العرض الثالث ويقول مباشرة هذه «هي البحرين» بطيبة أهلها وتفانيهم في محبة بعضهم وخصوصاً في الشدائد التي ليست سوى «نصف ساعة حلم» عابرة كما في العرض الرابع، ثم يحمل «رسالة إلى» من يهمه الأمر، كما في العرض الخامس ملتفتاً إلى أن «الدنيا دوارة»، كما في العرض السادس، مؤكداً أن الصخور التي تعوق مسيرتهم ليست سوى «صخور من ورق» كما هو العرض الختامي.
أن تجد نفسك في عرض البحر
مع العرض الأول لمهرجان الريف يجد المتفرج نفسه فجأة «في عرض البحر» لمؤلفها سلافو مير مروجيك ومع ثلاثة من الممثلين الذين ليس لهم من مجاديف سوى الأفكار والكلمات، فهل استطاع المخرج هاشم العلوي الانتقال بنا وسط لجج الأفكار وهدير الأمواج من محطة إلى أخرى، أم بقينا معه نراوح مكاننا في عرض البحر الذي ألقانا فيه.
لقد نفد الأكل على السفينة، وكان على الممثلين الثلاثة أن يأكلوا أحدهم ليعيشوا، وهكذا دارت حوارات المسرحية ذهنيّاً، وعلى سفينة متخيلة، حول فعل الأكل ورمزيته كآلية من آليات التسلط التي تفرضها القوة وتحتاج إلى وقفة خاصة لقراءتها وتفكيكها، فبينما مثل مهدي سلمان شخصية الدكتاتور، مثل علي يحيى شخصية الانتهازي، أما مخرج المسرحية هاشم العلوي نفسه فاختار شخصية الضعيف فيا ترى من سيكون الضحية في هذه المسرحية سواه.
بحر... يستعيد لحظاته المنسية
وفي العرض الثاني ومع مسرح أوال انتقلنا إلى «لحظات منسية» التي حبكها المؤلف إبراهيم بحر، وأخرجتها غادة الفيحاني وأدار إنتاجها حمد عتيق، ومثل فيها كل من أحمد الحداد وراشد العازمي وسارة البلوشي، والأخيران اجتهدا في تقديم شخصيتين مأزومتين، إذ مثلا حكاية زوجين حاول كل منهما تجنب النقاش في لحظاتهما المنسية طويلاً، ولكنها عادت لتظهر من جديد لتصفي حسابات قديمة لم يكن الوعي قادراً على إخفائها، فما كان منه إلا أن أظهرها فأظهرت أثرها في سياق الحكاية وتصعيد وتيرة الحياة الرتيبة حتى أتت على حياة الزوجين وأنهتها.
«الديه الثقافي» يقدِّم «هي البحرين»
وفي العرض الثالث نجد أنفسنا مع حكاية صديقين يرويان لنا قصة من قصص الإخلاص والوفاء لنعرف أن هذه «هي البحرين» بأهلها الطيبين، بما يجعلنا نتساءل هل مازال المسرح قادراً على محو ما خلقته السياسة، هل الأمر بهذه البساطة، وهل تكفي النية الطيبة في تخليصنا من آفات السياسة، قدّم مسرحية «هي البحرين» مجموعة من شباب مركز الديه الثقافي، من تأليف جعفر جاسم، وإخراج إبراهيم المنسي.
المكفوفون في نصف ساعة حلم
وفي العرض الرابع وجدنا أنفسنا في مسرحية «نصف ساعة حلم» التي قدمها فريق الصداقة للمكفوفين، وأخرجها جاسم طلاق الذي تركنا مشدوهين مع ممثليه وهم ينطلقون في حلمهم المسرحي متجاوزين الإعاقة، ليقدموا لنا فرجة مسرحية تجسّد مجموعة من المشاعر المتناقضة في ساعة الحلم الذي هو انعكاس لليقظة وصورة أخرى عنها، فنفرح مع المحب وهو يوزع الورد على غرمائه، وتتبعه العيون وهو يرسم على الجدران حلمه القادم في شكل قلوب من المحبة مجسداً لحظات الفرح الموؤود.
مسرح الكويت يقدم «رسالة إلى...»
أما العرض الخامس فقد حمل لنا مسرح جامعة الكويت «رسالة إلى...» ولم يكمل الجملة في عنوان المسرحية، ولكن نصار النصار مؤلف المسرحية ومخرجها حاول قدر الإمكان مع ممثليه فك رموز هذه الرسالة جيداً أثناء العرض لنعرف لمن نوصل هذه الرسالة، فثمة رسالة للمجتمع ليعيد النظر في رؤيته للمسرح ويمنحه التقدير المناسب، وثمة رسالة لولي الأمر ليمنح طفله الاختيار ويعلمه على الديمقراطية منذ نعومة أظفاره فلا يتفاجأ في نهاية الطريق بتردده وحيرته وعدم قدرته على الاختيار.
الشاخورة... الدنيا دوارة
أما العرض السادس «الدنيا دوارة»، من تأليف إبراهيم بحر، وإخراج علي بدر، وعقيل الماجد، وهاني يعقوب، وتمثيل شباب مركز الشاخورة الثقافي، الذين أمعنوا في تشتيت عيون المتفرجين، وبإيقاع سريع في تمثيل حالة الدنيا الدوارة حدثاً بعد حدث وحالة بعد حالة منذ الزواج والتهنئة والكلمات التي تتنبأ بمآل هذه الحياة المتعبة والمنهكة في هذا الزمن الصعب، مع عدم تفهم الزوجة، في مقابل زوج ضعيف الشخصية أمام زوجته وأمام ولده ثم دورانه وراء الثراء السريع وتوكيل كل شيء للولد حتى الذي تنكر للأبوين في نهاية الطريق، شاهدنا كل ذلك في صور مستقطعة من الحياة ومشاهد سريعة، كان لإيقاعها تجسيد حالة من الكاركتيرية المضحكة والمبكية في آن واحد.
مرهون في «صخور من ورق»
أما العرض السابع «صخور من ورق» تأليف وإخراج عبدالحسين مرهون وتقديم مسرح الريف فقد لعب الممثلون فيها جيداً لعبة الصورة أكثر من لعبة الحوار، حين قدموا لنا وجهين لكاتبين مختلفين، ولحظة تحول أحدهما إلى ضد ما كان يفعله الآخر من توثيق المأساة، فبينما يعذب الأول وتمزّق أوراقه، يرفّه الثاني وتغدق عليه العطايا، ولكن دوام الحال من المحال فقد اتقن المخرج تقديم حالة التصاعد الدرامي عبر تكدس أوراقه الفارغة والتي يكتبها ضد الناس الطيبين والمطالبين بحقوقهم، هذه الأوراق التي لا قيمة لها والتي شيئاً فشيئاً تتكدس فوقه، وتمثل سجناً يحيطه من كل جهة، لن يخلصه منها سوى صاحبه الذي تنكَّر له، ولكنه مازال يحب الخير للجميع، إذ يخلصه من بين تلك الأوارق التي تسجنه وتكاد تخنقه ويأخذ بيده، مؤكداً أن كل العوائق التي تواجهنا في النهاية ما هي إلا صخور من ورق.
العدد 4284 - الجمعة 30 مايو 2014م الموافق 01 شعبان 1435هـ