العدد 4284 - الجمعة 30 مايو 2014م الموافق 01 شعبان 1435هـ

حقبة القرامطة: الهوية الدينية في البحرين

في الحلقات السابقة ناقشنا بالتفصيل كيف أصبحت البحرين مركزاً لعددٍ من حركات التمرد ضد الدولة الأموية، وكذلك في بداية سيطرة الدولة العباسية، إلا أن العلاقة السياسية بين البحرين والدولة العباسية ما لبثت أن تحسنت؛ حيث حدث نوع من التفاهم السياسي الضمني بين البحرين والدولة العباسية، ودخلت البحرين في حالة من الاستقلال السياسي، وبقت السلطة العباسية، في الفترات اللاحقة، اسمية فقط، ولم يكن للعباسيين هدف سوى تأمين الملاحة البحرية عبر الخليج العربي (حياوي والخزرجي 2011). وكلما حاولت الدولة العباسية الضغط سياسياً على البحرين، تبدأ الأخيرة بالتمرد حتى تمكنت في نهاية المطاف من رفع يد العباسيين عن بلادهم، فمسكت مقاليد السلطة فيها إمارات من عبدالقيس ظلت تتوارث الحكم كابراً عن كابر (الملا 2002، ص 91).

القرامطة واستغلال الفراغ السياسي

لقد تمتعت البحرين باستقرار سياسي واستقلال ذاتي نسبي منذ النصف الثاني للقرن الثامن وحتى بداية القرن العاشر وهي الحقبة التي تأسست فيها القرى الإسلامية في البحرين وأخذت بالتطور والازدهار. ويلاحظ، أيضاً، أن البحرين لم تتأثر بحركات التمرد التي لا تعود عليها بالاستقرار؛ حيث فشلت فيها دعوة صاحب الزنج، ولم يتبعه إلا نفر قليل. وقد انتهى عهد الاستقلال النسبي في البحرين بعد أن سيطرت القرامطة عليها في العقد التاسع من القرن الثالث الهجري (قرابة 900م).

والقرامطة هي حركة سياسية مذهبية يرجح أنها متشعبة من المذهب الإسماعيلي، وإن حدث خلاف على ذلك (زكار 2007، ص 109).

وقد انتشرت هذه الحركة في العراق والشام واليمن والأحساء. وقد حظي تاريخ قرامطة الأحساء والبحرين بعناية كبيرة من قبل الباحثين في عصرنا، حتى أن تاريخ القرامطة بات بالنسبة لبعضهم هو تاريخ قرامطة البحرين، ولهذا أهملوا تاريخ قرامطة الشام واليمن، وجاء البحث في قرامطة العراق بمثابة مقدمة لتاريخ طائفة الأحساء والبحرين (زكار 2007، ص 146 – 147).

وقد استغل القرامطة الفراغ السياسي في البحرين التي تتمتع بشبه حكم ذاتي، حيث إن الدولة العباسية لم تعد تسيطر عليها إلا اسمياً، وبعدها دخل القرامطة في حرب مع الدولة العباسية وكانت الغلبة فيها للقرامطة الذين أحكموا سيطرتهم.

وفي هذا الصدد يقول محمد أبو المكارم (أبو المكارم 1996، الواحة العدد الرابع): «إن أمر خروج السلطة الفعلية في البحرين من يد الحكومة المركزية أمر يكاد يكون واضحاً، ويؤيده ما قاله أبو سعيد الجنابي للمعتضد العباسي في رسالة شفهية حملها له العباس بن عمرو الغنوي قائد جيش العباسيين للقضاء على القرامطة، والذي لم ينج من ذلك الجيش الذي يقدر بالآلاف إلا هو حيث قتل جميع جنده أمامه صبراً، وترك ليحمل هذه الرسالة للمعتضد، ومما ورد فيها:

«هذا بلد كان خارجاً عن يدك، غلبتُ عليه، وأقمتُ به، وكان فيَّ من الفضل ما آخذ غيره، فما عرضتُ لما كان في يدك، ولا هممتُ به، ولا أخفتُ لك سبيلاً، ولا نلتُ أحداً من رعيتك...».

فلما بلغت المعتضد مقالة الجنابي قال: «صدق، ما أخذ شيئاً كان في أيدينا»، وأطرق مفكراً ثم رفع رأسه، فقال: «كذب عدو الله الكافر، رعيتي حيث كانوا من بلاد الله...».

وفي هذا النص ادعاء من الجنابي، يقره المعتضد بشيء من الخجل، ليعود فينفي صحته. وفي ذلك دلالة على أن البحرين كانت تحت مظلة الحكومة العباسية اسمياً، وهذا ما عناه المعتضد بعبارته الأخيرة، بينما كانت السلطة الفعلية بيد الأهالي، أو على الأقل ليست بيد العباسيين؛ وهذا ما عناه الإقرار المعتضدي، والادعاء الجنابي. انتهى.

هوية البحرين الدينية قبل القرامطة

تناولنا في الحلقات السابقة إيحاء بعض الكتاب إلى أن قيام الدولة القرمطية في البحرين يوحي بالتلازم مع سبق المذهب الإسماعيلي في البحرين. وفي سبيل إثبات ذلك، عمد عدد من الكتاب بشطب أدلة إثبات وجود المذهب الإثني عشري في البحرين. إلا أن شدة انتشار وتغلغل المذهب الإثني عشري في البحرين لابد وأن يظهر بين المراجع، حتى وإن كان بصورة شذرات متناثرة. وقد رجحنا في حلقة سابقة وجود دلائل آثارية تدل على وجود التشيع في البحرين قبل السيطرة القرمطية؛ فقد سبق أن ذكرنا تحليل Diez لعمود الساج الخشبي الذي عثر عليه في مسجد الخميس، والذي نقش عليه «لا إله إلا الله محمد سول الله علي ولي الله»، وقد رجح Diez أن هذا العمود يعود لنهاية القرن التاسع الميلادي. ويرجح أنه قبل القرامطة التي لم يعرف عنها أنها بنت أي مسجد في البحرين بل أنها قامت بتعطيل المساجد.

فقهاء الإمامية ومرشدو

القرامطة في البحرين

بالإضافة إلى الدليل الآثاري السابق، توجد دلائل أخرى متناثرة بين المراجع المختلفة وهي تدل على أن هوية البحرين كانت شيعية إثني عشرية قبل القرامطة، من ذلك، أن المتتبع لتاريخ البحرين في حقبة السيطرة القرمطية لا يمكنه أن يعثر على إشارة واحدة تدل على وجود فيلسوف أو داعية انتقل إلى البحرين من مراكز انتشار الدعوة الإسماعيلية (العوامي 1995، الواحة العدد الثاني). بل الأدهى من ذلك أن دعاة القرامطة الذين قدموا إلى البحرين تستروا بستار التشيع الإثني عشري، ويمكن الرجوع لقصص هؤلاء الدعاة وتفاصيل قصصهم في كتاب سهيل زكار «الجامع في أخبار القرامطة» (زكار 2007، ص 192 و 299).

بالمقابل، يمكننا العثور على عدة إشارات لوجود نشطاء من الفقهاء الشيعة الإمامية الذين كانوا في البحرين قبل القرامطة أو متزامنين معهم، «كإبراهيم الكناني (ولعله الكتكاني نسبة إلى كتكان – قرية في البحرين) وهو يروي عن الإمام موسى الكاظم (ع)، وجيفر (ولعله جعفر) بن الحكم البحراني، وهو من مصادر الرواية عند الإمامية ومعاصر للإمام جعفر الصادق (ع)، ويحيى بن بلال، ومعاصره سفيان بن مصعب البحراني، وكلاهما معاصر للإمام جعفر الصادق (ع)، ونصر بن نصير البحراني، وهو متقدم على الشيخ المفيد المتوفي سنة 1022م، أو معاصر له بدليل رواية المفيد عنه، ومحمد بن سهل البحراني وقد عاش في زمن الإمام موسى الكاظم (ع)» (العوامي 1995، الواحة العدد الثاني).

كما أنه من المرجح أن أعداداً من العلماء الإمامية نزحوا من البحرين خلال الفترة التي تسلل فيها القرامطة؛ «فخلال تلك الفترة ظهر عدد من أعلام البحرين يَدرسون ويُدرسون خارج البحرين، منهم إسماعيل بن عبدالله بن مسعود العبيدي، وبكر بن أحمد بن إبراهيم بن زياد، يروي عن الإمام الجواد (ع)، وعبدالله بن أحمد المهزمي، والشيخ علام البحراني، والخالديان سعيد بن هاشم وأخوه محمد، وإبراهيم بن محمد العوامي، وأبو صالح السليلي» (العوامي 1995، الواحة العدد الثاني).

الخلاصة

نستنتج مما سبق أن هوية البحرين قبل سيطرة القرامطة كانت شيعية إمامية، وهذا يدحض الفرضيات التي تناولناها سابقاً والتي توحي إلى سبق المذهب الإسماعيلي إلى البحرين، وبعد زوال السيطرة القرمطية بدأ سكان البحرين بالتحول التدريجي إلى المذهب الإمامي.

العدد 4284 - الجمعة 30 مايو 2014م الموافق 01 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً