العدد 4284 - الجمعة 30 مايو 2014م الموافق 01 شعبان 1435هـ

بعض التساؤلات حول الخصوصية البحرينية

محمد عباس علي comments [at] alwasatnews.com

عضو سابق في مجلس بلدي المحرق

عُرف الزعيم والمناضل والفيلسوف الهندي المهاتما غاندي (1869 – 1948) بالحكمة، ومن بين حكمه مقولته الشهيرة «لا أريد لمنزلي (أو موطني) أن يكون معزولاً بالجدران من جميع جوانبه وتكون نوافذه مغلفة بإحكام، بل أريد لجميع ثقافات العالم أن تهب على منزلي (موطني) بكل حرية ممكنة. ولكن أرفض أن تزاح أقدامي من أي منها».

غاندي حدّد وبكل دقة الموازنة بين الإنفتاح على ثقافات العالم، وبين الخصوصية المحلية لبلده واعتزازه بثقافتها التي تعني له الكثير، بل الوجود والتميز، بحيث يرفض أن يكون الانفتاح مدعاةً إلى التأثير السلبي أو التصدع في ثقافته الخاصة. وكما يفهم من كلامه وسيرته، وما ناضل من أجله ورسخه بشكل عملي على أرض الواقع، هو انفتاحه على ثقافات العالم، وأخذه بالقيم العالمية العظيمة التي تنضوي تحت مصطلح «الديمقراطية» بالمفهوم الحقيقي للمصطلح، وبتطبيق مفهوم «الشعب مصدر السلطات»، من خلال القبول بما تفرزه نتائج صناديق الاقتراع، وبترسيخ ثقافة التداول السلمي للسلطة بحيث أضحت جمهورية الهند أكبر ديمقراطية في العالم (وتعتبر ثاني أكبر دولة بعد جارتها الصين من ناحية عدد السكان)، والأولى عالمياً في تعدد اللغات والإثنيات والأديان.

وفيما يخص خصوصية بحريننا الحبيبة التي عرفت قبل قرون عديدة من ميلاد المسيح (ع) بأرض الخلود، وتعاقبت عليها حضارات مختلفة، وتميز أهلها بصفات الانفتاح وقبول الآخر المختلف في الدين واللغة والطباع، على أسس التكامل والغنى الثقافي والحضاري. كما تربط شعبها وشائج القربى مع شعوب دول الجوار، ومنظومة دول مجلس التعاون الخليجي. وهذه خصوصية لا يمكن لأحد أن ينكرها، ولكن مما لا يقبله أي منصف هو الحديث من قبل أفراد وفئات معينة، بين الفينة والأخرى، عن خصوصية بحريننا الحبيبة عندما يتعلق الأمر بتطبيق المبادئ الحقيقية للديمقراطية، التي من أهمها العدالة والمساواة الإجتماعية، والتي هي من صلب مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، الدين الرسمي للدولة. وعليه يحق لنا التساؤل عن هذه الخصوصية.

فهل الخصوصية تعني تقسيم المواطنين حسب أصولهم وانتماءاتهم العقائدية والعرقية، في جميع مناحي وأنشطة الحياة وليس على معايير تخدم الوطن كالكفاءة والتخصص؟ فما معنى، على سبيل المثال لا الحصر، أن يتقلد وظائف معينة فئات محددة من المجتمع، بينما تُحرم طائفة من أكبر مكونات المجتمع من أبسط حقوقها فيما يخص تقلد المناصب العامة، بل تكاد تُحرم كلياً من العمل في بعض القطاعات الكبيرة للدولة. فهل «التمييز» في شغل الوظائف وتقلد المناصب، والتضييق في جميع مناحي الحياة كممارسة الحقوق الدينية والسياسية، على أكبر مكون في المجتمع هي الخصوصية التي يتغنى بها؟

وهل الخصوصية التي يُتغنّى بها، تعني خلق مؤسسات تشريعية عقيمة لا تعبر من قريب ولا بعيد، عن تطلعات وهموم المواطنين، ولا تحمل رؤى ومشاريع تضمن حاضر ومستقبل البلد من خلال القيام بمهامها الحقيقية من رقابية وتشريعية، بل أضحى جل همها التقرب للسلطة التنفيذية وتنفيذ رغباتها مهما كلفت الوطن من أثمان باهظة، حتى قبل أن تفصح عنها؟

وهل الخصوصية التي يتغنى بها هي العمل ليل نهار بتغيير التركيبة السكانية من خلال التجنيس السياسي المدمر للوطن؟ فهل يدرك القائمون على هذا المشروع المدمر الذي يعتبر بحق من الخصوصيات التي تميزت بها بحريننا، مدى خطورته على المستوى القريب والمتوسط، فضلاً عن البعيد، على حاضر ومستقبل هذا البلد، من جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟

وهل الخصوصية التي يتغنى بها هي العمل على خلق عالم افتراضي وهوة كبيرة وعميقة بين ما يجرى على أرض الواقع ويعايشه المواطن، وبين ما يروّج له في وسائل الإعلام وشركات العلاقات العامة لإيهام العالم الخارجي بأن مواطني بحريننا الحبيبة يتمتعون بقدر كبير من الحرية ورغد العيش؟

وهل الخصوصية التي تميّز بلدنا هي تثبيت ثقافة غض الطرف عن المشاكل والفساد المستشري في مفاصل الدولة وعلى مختلف المستويات، وإنكار الواقع والتعامل بمنطق «إذا بليتم فاستتروا!»؟

وهل الخصوصية العمل بشكل مباشر وغير مباشر على طمس تاريخ هذا البلد بشتى الطرق، من هدم أو إهمال لمساجد ومقامات تاريخية؟

فالخصوصية الحقيقية التي تميز بحريننا الحبيبة هي قوة شكيمة إنسان هذه الأرض، وإيمانه بأنه ورغم كل الصعاب، قادر بطبيعته المحبة للحياة وللآخر، من خلق واقع أكثر إشراقاً، فمن رحم المعاناة تخلق وتتجدد الحياة. فهذه دعوة صادقة لتأصيل الخصوصية الحقيقية لبحريننا الحبيبة من خلال الاهتمام بتراثها العريق، الذي طالته أيدي الهدم والتخريب والإهمال، وذلك من خلال تبني أسس ديمقراطية حقيقية، تطبق فيها مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات، والعمل على الاستثمار في إنسان هذا البلد، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ عظيمة، فهذا من شأنه أن يضمن لبحريننا العزة والكرامة، فحينها يحق لنا التفاخر بهذه الخصوصية!

إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"

العدد 4284 - الجمعة 30 مايو 2014م الموافق 01 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:52 ص

      شكرا لكم

      مقال يصف الواقع المعاش، من واقع العياشة اليومية للمواطن العادي. جزيتم خيراً

    • زائر 3 | 7:46 ص

      مقال وطني بامتياز

      المقال يعكس مرارة الواقع المعاش، ورغم ذلك فالكاتب يطالب بالاهتمام بالفرد البحريني، وليس الذي ينتمي لطائفة معينة. فشكراً لكم وما قصرت.

    • زائر 2 | 12:53 ص

      لقد اصبت كبد الحقيقة

      نعم اتفق معك يا اخي بان خصوصيتنا تكمن بالتنكيل بالبحرينيين وبالانانية وقتل الكفاءات والتخبط، وذلك من اجل الوقوف ضد اي تطلع. هذه ليست دكتاتورية ففط، بل انها تنم عن امراض خطيرة لبعض المتنفذين. فشكراً لكم على الوطنية والحس الانساني الرفيع

    • زائر 1 | 10:19 م

      الخصوصية البحرينية في شيء واحد وهو ايقاع الظلم بالمواطن الاصلي

      ما تتميز به البحرين هو امر واحد لم يكن له شبيه الا في جنوب افريقيا وهو اضطهاد المواطن الاصيل وسلبه كل حقوقه وتحت مسّمى الخصوصية

اقرأ ايضاً