تتسارع خطى المنشآت الصحية من مستشفيات ومراكز تقديم الرعاية الصحية في تنفيذ وتشغيل مرافق للرعاية الصحية المتقدمة، وفق أعلى المعايير الطبية العالمية مع ذهاب جلِّ الاهتمام لإبراز أدق التخصصات العلاجية والتشخيصية في ممارسة تنافسية لاستقطاب المرضى مع عدم الانتباه، بالقدر المطلوب لإحدى أساسيات مهنة الطب، وأهم دعامة يقسم عليها الطبيب في بداية ممارسة المهنة، وهي الحفاظ على سلامة المريض وحياته، بدءاً من مراحل التشخيص، وانتهاءً بالعلاج، وصولًا للشفاء وإعادة التأهيل.

لقد ظل مفهوم سلامة المريض رهن النسيان، وربما التناسي من منطلق عدم استيعاب الغاية الأسمى من مبادىء الممارسة الطبية من جهة، ومن ناحية أخرى برزت معطيات التكنولوجيا الطبية والتنامي المطرد لأساليب وتقنيات التشخيص والعلاج لتلقى بظلالها على جميع الممارسات الطبية محلياً واقليمياً وعالمياً.

إن إدارة المخاطر المحتملة التي قد يتعرض لها المريض في مستشفيات المراكز العلاجية هي بلا شك أولويات صحية وطنية تطرق لها المشرع البحريني وأدخل مفرداتها في الإطار القانوني والأخلاقي والمهني عندما سنَّ القوانين والمبادىء المهنية ذات العلاقة، لكن تبقى بعد ذلك المسئولية المجتمعية المهنية المتخصصة كي تقوم بدورها في ترجمة كل ذلك إلى واقع ملموس يستشعره ويعيشه المريض، ولن يحدث ذلك الا عندما يرى أنه بين أيدٍ أمينة ترعاه وتقوم على الاهتمام بصحته وحياته، ونكرر هنا كلمة يرى، فلا يكفي أن نضع مبدأ أو أن نخط من القوانين جبالاً من المجلدات إنما الأهم والأبقى أن نرى كل ذلك أسلوباً ونمط حياة تمارسه مستشفياتنا ومراكزنا الصحية.

إن الفراغات التي يزخر بها الجسم الطبي وأنظمة الرعاية الصحية العالمية تستوجب منهجية واضحة المعالم في طور الارتقاء بالممارسة الطبية في مجال سلامة المريض، ليس فقط على مستوى مراكز تقديم التشخيص والعلاج، بل الأجدى من ذلك هو رأب الصدع بداية من أولى مراحل تدريب وإعداد الكوادر الطبية في مرحلة ما قبل التخرج، حيث إن سلامة المريض وإدارة المخاطر المتعلقة باستطبابه ورعايته باتت علماً قائماً بذاته وله من المقومات والأكاديميين بل والممارسين الكثير.

لكي نضع اللبنة الأولى في منهجيتنا تلك، لنا أن نستحدث برنامجاً تعليمياً وتدريبياً فاعلًا يأخذ من مفاهيم ونظريات تعليم البالغين أرضية ومنطلقاً في سبيل الوصول إلى صياغة وأداة ترفد المجتمع الصحي بكوادر مهنية طبية وتمريضية وغيرهما، تمارس دورها الريادي في حفظ سلامة المريض، وتلافي قدر الإمكان مسببات الخطر والإعاقة.

إن من شأن برنامج تدريبي مهم كذلك، إعداد الكوادر الواعدة التي يعهد إليها فن إدارة التغيير ومسئولية هندسة وإعادة هندسة جميع عمليات ووسائل رعاية المريض، وتصميم مبادرات ومشاريع الجودة في الرعاية الصحية عموماً.

تبرز هنا بطبيعة الحال العلاقة الأزلية بين مبادىء سلامة المريض، وبرامج وممارسات الجودة فى الرعاية الصحية، حيث إن هناك عاملين على قدر واحد من الأهمية في هذا المجال، هما العامل الفردي وهو كما سبق وأن أشرنا إليه. أما العامل الثاني فهي البيئة وتكييفها لتحقيق أفضل ممارسة آمنة للمريض عن طريق تبني نظرية وفكر صياغة أنظمة رعاية صحية لا تتعامل فقط مع الخطأ، إنما تستشعر أماكن الخلل والخطر وتقوم مسبقاً بمهمة بناء وسائل رعاية تقلل قدر الإمكان من احتمالية وقوع الخطأ وتتجنب مكامن الخطورة.

إن ما نطمح ونتطلع إليه هو الوصول بمؤسساتنا الصحية العامة والخاصة إلى مؤسسات رعاية على أعلى قدر من المصداقية والأمان لمرضانا تتخذ من علم ومبادىء السلامة والجودة المنهج والأداة لتقديم خدمة ورعاية صحية لمجتمعاتنا.