العدد 4283 - الخميس 29 مايو 2014م الموافق 30 رجب 1435هـ

النظم الغذائية في المستقبل وتزايد السمنة في العالم

ما هو أفضل مكان في العالم لتناول الطعام؟ هذا كله يتوقف على ما تعنيه بالطعام «الجيد»، كما تظهر حسابات جديدة أجرتها منظمة «أوكسفام». فالغذاء في الولايات المتحدة رخيص ووفير ومتنوع وشهي، لكنه قد لا يكون مفيداً لك، حيث أدى الإفراط في تناول الدهون والسكر إلى إصابة 36 في المئة من الأميركيين بمرض السكري ومعاناة 46 في المئة من السمنة المفرطة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الغذاء في اليابان صحي أكثر، لكنه مكلف للغاية وليس متنوعاً مثل الطعام الأميركي.

وفي الجزء السفلي من جدول أوكسفام توجد دول مثل تشاد وأنغولا، حيث يمكن أن يكون الغذاء باهظ الثمن وغير مغذٍّ. كما يمكن أن يكون الطعام مملاً، ففي مدغشقر (الرابعة من أسفل)، يأتي 79 في المئة من الطعام الذي يتناوله السكان من الحبوب والجذور النشوية، مع كمية قليلة جدّاً من اللحوم أو الأسماك أو الفواكه أو الخضاوات.

وربما تكون الأرقام الأكثر إثارة للاهتمام غير تلك الخاصة بأغنى أو أفقر البلدان، لكن تلك المتعلقة بما بينهما - وهي الاقتصادات الناشئة التي دخلت مرحلة التحول إلى الدخل المرتفع أو المتوسط. وتوجد بعض الوجبات الغذائية غير الصحية على الإطلاق في أماكن مثل فيجي والمكسيك، حيث يعاني أكثر من 40 في المئة من البالغين من السمنة المفرطة، وليس مجرد زيادة الوزن.

والآلية ليست لغزاً؛ فالناس يزدادون ثراءً ويريدون أن يأكلوا المزيد من اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان والأغذية المقلية والحلويات والكعك، ثم يتبعون ذلك بالمشروبات الغازية.

وتختلف الأطعمة المفضلة من بلد إلى آخر، لكن التحول الغذائي لا يتغير في جميع أنحاء العالم. كما أن الانتقال إلى المدن بالإضافة إلى امتلاك وقت أقل لطهي الطعام واتباع نظام حياة أقل نشاطاً يجعل التحول الغذائي سبباً لتوسع محيط الخصر واعتلال الصحة. وقد تضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة في العالم النامي ثلاث مرات بين العامين 1980 و2008.

ويشعر أستاذ السياسات الغذائية في جامعة سيتي في لندن تيم لانغ أن العالم مقبل على كارثة لا يدرك أبعادها، على رغم وجود الكثير من الأدلة على ما يحدث. وأوضح بالقول: «لقد ظللنا ننتج بيانات ديموغرافية ووبائية مذهلة توثق المشكلة لعدة سنوات. يبدو هذا تقريباً مثل رؤية السكان يمشون على حافة منحدر بالحركة البطيئة، بينما نحن فقط نشاهدهم ونحصيهم أثناء انحدارهم قائلين: أليس هذا شيئاً فظيعاً؟».

أسباب القلق

وفي سياق متصل، نشر معهد التنمية الخارجية (ODI) البريطاني في الآونة الأخيرة ورقة بحثية تحدد أسباب القلق بعنوان: «النظم الغذائية في المستقبل». وإلى جانب قضايا الصحة، تدرس الورقة كيفية تلبية المطالب الغذائية لعالم أكثر ازدهاراً، وما إذا كان المعروض من اللحوم ومنتجات الألبان يمكن أن يتماشى مع الطلب، وما إذا كانت زيادة الطلب على الحبوب لإطعام الماشية ستجعل أسعار المواد الغذائية الأساسية أكثر بعداً عن متناول الناس الأكثر فقراً.

وقد توصل معهد التنمية الخارجية إلى إجابات مطمئنة على هذه الأسئلة التي تتعلق بالاستدامة. ينبغي أن يتمكن العالم من زيادة الإنتاج لتلبية الطلب، بل ومن دواعي الدهشة أنه يمكن تلبية الطلب من دون الحاجة إلى الحبوب والأعلاف التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار الحبوب المخصصة للاستهلاك البشري.

لكن المخاوف الصحية تبقى قائمة. وقد تناول التقرير خمسة اقتصادات ناشئة - هي الصين ومصر والهند والبيرو وتايلند - حيث يحدث انتقال غذائي، ولكنه مختلف في كل بلد.

فقد زاد استهلاك اللحوم في الصين بشكل كبير. أما في الهند، حيث يوجد الكثير من السكان النباتيين، فإن زيادة الرخاء تعني القدرة على تحمل تكاليف المزيد من الحليب ومنتجات الألبان. وينفق سكان تايلند ثروة أكبر لتناول كميات كبيرة من الفاكهة، بينما يستطيع المصريون أن يشبعوا رغبتهم في تناول الأسماك، ويستطيع سكان البيرو تحمل نفقات المزيد من الغذاء بشكل عام، لكنهم لايزالون يأكلون مجموعة الأطعمة نفسها التي كانوا يأكلونها من قبل. لذلك، فإن اتباع النظم الغذائية الغنية باللحوم، على الطريقة الأميركية، ليس حتميّاً بأي حال من الأحوال في كل مكان.

وقال ستيف ويغينز، كاتب التقرير: «ما تراه عندما تنظر في جميع أنحاء العالم هو أن هناك تنوعاً كبيراً للغاية. ففي أميركا اللاتينية، وخاصة المكسيك، وبعض أجزاء من الشرق الأوسط وبعض جزر المحيط الهادئ، نرى معدلات عالية جدّاً من زيادة الوزن والسمنة... لكن هناك أجزاء أخرى من العالم ذي الدخل المتوسط - وخاصة في جنوب وجنوب شرق آسيا، وبعض أجزاء من شرق آسيا - تقل فيها تلك المعدلات إلى النصف تقريباً... لذلك يجب أن تكون هناك دروس يمكن استخلاصها من البلدان الأقل إصابة بالسمنة».

اتخاذ إجراءات

وهناك أدوات سياسية متاحة للحكومات الراغبة في دفع تحول بلادها في اتجاه جيد، إذ يمكنها أن تمنع الأطعمة غير الصحية، أو ترشد استهلاكها، أو تفرض ضريبة عليها، أو توفر الدعم النقدي للأطعمة المغذية أكثر، أو تسن قوانين لتنظيم عمل الشركات المصنعة، أو تحاول تثقيف الشعب.

يشار إلى أن تثقيف الشعب هو الأقل إثارة للجدل، لكنه لم يثبت أنه فعال بالقدر المطلوب. فقد حصل الناس في أوروبا وأميركا الشمالية على الكثير من التثقيف العام، لكنهم لايزالون يأكلون الوجبات السريعة. ويستشهد أستاذ التغذية في جامعة ولاية كارولينا الشمالية باري بوبكين، بكوريا الجنوبية كبلد أدار حملة إعلامية فعالة جداً، حتى اضطر في نهاية المطاف إلى فتح اقتصاده.

ويؤكد بوبكين أن قواعد منظمة التجارة العالمية قيدت أيدي دول مثل ساموا، التي حاولت حظر الواردات غير الصحية. وأضاف قائلاً: «حاولت بلدان غرب المحيط الهادئ منع عدد من المنتجات التي كانت أهم أسباب السمنة، لكنها اصطدمت بمنظمة التجارة العالمية... كانوا يحصلون من الولايات المتحدة على ذيول الديك الرومي وحفنة من المنتجات غير الصحية الأخرى التي لا نقربها قط، والتي كانت مصنوعة من الدهون الصافية، ومنعنا هذه البلدان من حظر تلك الواردات، من خلال منظمة التجارة العالمية».

وعلى رغم أن دعم المواد الغذائية باهظ الثمن وأصبح موضة قديمة، فقد جربته النرويج في سبعينات القرن الماضي، وقامت بدعم إنتاج الحليب قليل الدسم لترويجه على حساب اللبن كامل الدسم، ودعمت إنتاج الدواجن أكثر من اللحوم الحمراء. مع ذلك، فإن عادات المستهلكين لم تتغير، لكن ليس من الواضح حجم التأثير الذي حققه الدعم.

في السياق نفسه، تم استخدام مزيج من القوانين التنظيمية والضرائب الباهظة للحد من التدخين، وحقق ذلك بعض النجاح، وعلى رغم المقاومة الشديدة من جانب صناعة التبغ، فإن الجهود المبذولة في قطاع الأغذية كانت أكثر تذبذباً. فعلى سبيل المثال، فرضت المكسيك، التي انتبهت مؤخراً لفداحة مشاكلها الصحية، ضريبة على المشروبات المحلاة في مطلع العام 2014.

ليس بهذه السهولة

رحبت روكسانا فالديس راموس، من الجامعة المستقلة في المكسيك، بالمبادرة لكنها ليست متأكدة من نجاحها. وقالت: «إننا لا نعرف كيف ستؤثر على المشكلة. إن شعب المكسيك حريص جداً ومعتاد للغاية على شرب المشروبات الغازية التي يفضلها. وأخشى أن الشيء الوحيد الذي سيحدث هو أنهم سينفقون المزيد من المال على الطعام نفسه».

وقال تيم لانغ، من جامعة سيتي في لندن، إن وباء السمنة هو نتيجة للعديد من العوامل: ليس فقط النظم الغذائية السيئة، لكن أيضاً قلة ممارسة التمارين الرياضية، وزيادة تبني أسلوب الحياة الحضرية، والتغيرات في إنتاج الغذاء وتجارة التجزئة.

العدد 4283 - الخميس 29 مايو 2014م الموافق 30 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً