ساهمت الخطوة التي اتخذتها وزارة العدل بالسماح للمهتمين من المواطنين والأجانب حضور محاكمات بعض الموقوفين في جلسات المحكمة الجزائية المتخصصة، في تحسين صورة المحاكمات وسير إجراءاتها على الصعيد الوطني والدولي أيضاً.
ويبدو أن وزارة العدل مهتمة فعلاً بتطوير هذا القطاع وإعادة هيكلته وتنظيمه، وتأهيل العاملين فيه، وكذلك تقنين الإجراءات والمعاملات فيه بصورة ملموسة.
مبدأ علانية المحاكمة حسب تفسير الهيئة الإسلامية العالمية للمحامين التابعة لرابطة العالم الإسلامي يقصد به «تمكين جمهور الناس بغير تمييز من الاطلاع على إجراءات المحاكمة والعلم بها، ولعل من أبرز مظاهر ذلك تمكين من يرغب الدخول إلى قاعات المحاكمة وسماع الدفوع والمناقشات، وهذا المبدأ من المبادئ المتأصلة للعدالة. بل يمكن القول إنه كلما ضيق هذا المبدأ كلما ضيق على العدالة في المجتمع».
والأصل في المحاكمات أن تكون علنية، فقد نصت المادة الحادية والستون (61) من نظام المرافعات على أن «تكون المرافعة علنية، إلا إذا رأى القاضي من تِلقاء نفسه أو بناءً على طلب أحد الخصوم إجراءها سِراً، مُحافظة على النِظام أو مُراعاة للآداب العامة أو لحُرمة الأُسرة».
كثيرة تلك هي القضايا التي يتم التحفظ عن إعلانها وإبرازها بشفافية وعلنية بسبب محاذير متخيلة، وفي معظم الأحيان يكون الكشف عنها وإبرازها علامة قوة وتعطي ثقة أكبر في المؤسسة التي تمارسها وليس العكس.
فقد ظلت المحاكمات وما يسبقها من إجراءات ولسنوات طويلة، بعيدةً عن العلنية في بلدنا، تحسباً من تسرب أي معلومة أو بسبب محاذير مختلفة كانت تقتضيها ظروف المرحلة السابقة. أما الآن فقد كشفت علانية المحاكمات عن عديد من الإيجابيات التي تجعل من استمراريتها والإصرار عليها مطلباً حقوقياً أساسياً. ففي بعض جلسات المحاكمات الأخيرة، شارك في حضورها أعضاء من هيئات دبلوماسية أجنبية وممثلون عن المؤسسات الحقوقية المحلية، إضافةً إلى محامي المتهمين، ما أعطى تصوراً إيجابياً مختلفاً عمّا كان سائداً في الماضي حول سير مثل هذه المحاكمات.
من إيجابيات علانية المحاكمات أنها تتوافق مع التزامات المملكة في عديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية الموقعة عليها، تلك التي تؤكد على العلنية في مختلف أنواع المحاكمات وتعتبرها حقاً أساسياً لكل متهم أو موقوف. كما أن من الإيجابيات أيضاً أنها تعزّز الشفافية في دور القضاء واستقلاليته، بحيث أن تعامل القاضي وإدارته للمحاكمة تُقاس حسب الأعراف والمعايير الدولية، وبالتالي فإن ذلك يساهم في تطوير أداء مؤسسة القضاء.
وإضافةً إلى ذلك، فإن علانية المحاكمات أيضاً ترد بصورة مباشرة على كثير من الأخبار والتقارير التي توجه للقضاء اتهامات قد لا تكون صحيحة أو دقيقة، وتحد من تسلط بعض القضاة وتجاوزهم للأنظمة والأصول القانونية من خلال الرقابة المجتمعية عليهم.
ولو تمكنت وزارة العدل من السماح لمحامين أو ممثلين من هيئات حقوقية عربية أو دولية لحضور هذه المحاكمات وهيأت لهم مترجمين أيضاً، وأجواء جيدة للاستماع لسير المحاكمات والتعليق عليها، لكان ذلك أجدى وأقوى وأكثر مصداقية. وهذا أمرٌ متعارف عليه في عديد من الدول التي ترى في ذلك إبرازاً لنقاط قوة لديها، وحمايةً للموقوفين وضماناً لحريتهم وحقهم في حصولهم على محاكمة عادلة.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"العدد 4282 - الأربعاء 28 مايو 2014م الموافق 29 رجب 1435هـ