العدد 4281 - الثلثاء 27 مايو 2014م الموافق 28 رجب 1435هـ

المتحف البريطاني يعرض مومياوات مصرية... وجدل بين العلم وتدنيس المقدَّسات

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

نظم المتحف البريطاني يوم الخميس الماضي (22 مايو/ أيار 2014)، معرض "حياة القدماء واكتشافات جديدة"، اكتظ بالزائرين لفك أسرار المومياوات المصرية التي يصل تاريخها إلى 5 آلاف عام. الناقدة الفنية زوي بيلجر، أعلنت في تقرير يوم الثلثاء (20 مايو/ أيار 2014)، بصحيفة "الإندبندنت" افتتانها بالمعرض قبل تدشينه، إلا أنها رأت بأنه ما كان يجب أن يتم عرض المومياوات، بتلك الصورة المباشرة.

هنالك صور صادمة لمومياء مصرية تحت الأربطة في استقبال زائري المعرض، الذي يطرح اكتشافات جديدة تتعلق بالسلالة الفرعونية القديمة: ثماني مومياءات، ثماني قصص. الصور التقطت في العام 1908، عندما كان النهب للتحف المقدّسة في أوْجه من جميع أنحاء العالم، وكانت مصر وقتها تحت الحكم البريطاني.

الصورة الرمزية تبعث على الألم؛ تظهر هيكلاً عظمياً لذكَر من السلالة الثانية عشرة لخنوم - نخت مسجّى على طاولة. الأربطة من القماش التي كانت تغطيه يصل عمرها إلى آلاف السنين موضوعة إلى جانب ما تبقى منه.

فريق من العلماء يقفون أمامه، بمن فيهم الرائدة في مجالها مارغريت موراي، التي كانت أول امرأة يتم تعيينها محاضراً لعلم الآثار في المملكة المتحدة.

موراي، كانت ترتدي مريلة بيضاء وشعرها معقود. قامت بإزالة الأربطة، وتم ذلك في متحف مانشستر أمام حشد من 500 عالم ومختص، كانوا يتوقون إلى رؤية لغز بكل ما للكلمة من معنى.

بدا في العام 1908، خوف من الغضب أو ما يشبه اللعنة التي تأتي سبباً ونتاج إقلاق راحة الموتى، ولكن في العام 1922 خرج هوارد كارتر على العالم باكتشافه الشهير لقبر الملك توت عنخ آمون. ولدت مومياء الهوس (هوارد كارتر عالم أثار إنجليزي وخبير بعلوم المصريات. ولد بمدينة لندن مقاطعة كينسينجتون في 9 مايو/ أيار 1874 وتوفي في 2 مارس/ آذار 1939، وقضى طفولته بشكل أساسي في سوافهام، نورفولك حيث عاش مع عماته، أشتهر بسبب اكتشافه لمقبرة توت عنخ آمون بوادي الملوك، الأقصر، مصر. كما أشتهر كارتر أيضاً باكتشاف آثار تعود إلى الملكة حتشبسوت في مقبرة بالدير البحري في العام 1899).

عزّز من الاعتقاد بالغضب واللعنة موت عدد كانوا على ارتباط بالبعثة التي اكتشفت المقبرة، في ظروف غامضة! ما حمل على إنتاج فيلم يرصد تلك الاعتقادات حمل اسم "اللعنة".

"الموت والعقاب الأبدي"

تشير لعنة الفراعنة إلى الاعتقاد بأن أي شخص يزعج مومياء لشخص مصري قديم، وخصوصاً إذا كان فرعوناً ستحل عليه اللعنة. وقد تسبّبت هذه اللعنة التي لا تفرّق بين اللصوص وعلماء الآثار ذوي النية الحسنة، بالحظ السيئ أو المرض أو الوفاة. منذ منتصف القرن العشرين، ناقش عديد من الكتاب والأفلام الوثائقية تلك اللعنة الناجمة عن أسباب علمية تفسيرية مثل البكتيريا أو الإشعاع.

أحدث اكتشاف المقبرة طفرات في التغطيات والتعليقات الصوتية، ما دفع هوليوود في العام 1932، إلى إنتاج فيلم "المومياء".

بفك شفرة الكتابة، كانت اللعنة تنتظر "من يفتح هذا النعش"، المؤرخ الثقافي روجر لوكهرست من جانبه، جادل بأن "اللعنة" كانت في الواقع تعبيراً عن القلق والخوف الاستعماري البريطاني الذي بدأ يتبلور في العام 1922 من استقلال المصريين. ووصف لوكهرست أهمية المتحف البريطاني، الذي تأسس في العام 1753، بتحصّله على عديد من المومياوات في القرنين التاسع عشر والعشرين، يتم عرض ثمانٍ منها في المتحف البريطاني.

وضع معرض "حياة القدماء واكتشافات جديدة"، في الاعتبار مسألة كيف يمكننا أن نفهم المومياء بمعزل عن المفهوم الاستعماري، اكتشافاً وتأريخاً، وظروفاً، وذلك باستخدام أحدث التقنيات (الأشعة المقطعية). وبدلاً من فتح الأربطة وتقطيع المومياوات، فإن المعاهد والمؤسسات في الوقت الحاضر مثل المتحف البريطاني، ملزمة قانوناً بأن تكون على درجة من الحرص، وأن تكون حسّاسة بدرجة ما. كما أن على المؤسسات تلك أن تضع في الاعتبار أنها لا تتعامل فقط مع بقايا بشر حقيقيين - ماتوا منذ زمن بعيد - ولكن أيضاً مع غيرهم من بلدان أخرى، ماتوا في زمن الإمبراطورية. السؤال الكبير هنا يدور حول: كيف ولماذا صاروا في حوزتنا في المقام الأول؟

بدلاً من أن يكون هدف القيّمين على تلك المومياوات هو إلقاء الضوء فقط على أسباب وفاتها، عليهم أن يسلطوا الضوء نفسه على حيواتهم، وخصوصاً حيوات ثمانية أشخاص مختلفين جداً من العالم القديم، وهم بذلك حققوا نجاحاً رائعاً.

هنالك صورة مؤثّرة وسوريالية، تم أخذها في الآونة الأخيرة، لمومياء جرى إدخالها في ماسح للتصوير المقطعي بمستشفى رويال برومبتون. وتبدو الألوان المرقّشة، صفراء وبنية، على ظاهر الجسم، بتحوله إلى اللون الأبيض، في تلك البيئة السريرية.

الطريقة التي بها يتم التحقق مما في جوف المومياوات تحت الأربطة، تتم الآن عبر التصوير الرقمي المتطور الذي يسمح لنا أن نرى صوراً ثلاثية الأبعاد لكل شيء من تحت تلك الملابس - بدءاً من خرّاجات الأسنان، والغذاء غير المهضوم في الأمعاء إلى العمر التقريبي، والجنس، والحالة.

أتاحت مثل تلك التقنيات رؤية ما تحت الأربطة وداخل توابيت مومياوات لم تفتح قط والتقاط الصور للتمائم والتماثيل المخزنة إلى جانب المتوفى.

واحدة من نقاط القوّة في المعرض في أنه تمكّن من تلبية اهتمامات كل من الأطفال والبالغين. هنالك شاشات تفاعلية تعمل باللمس؛ إذ يمكنك معاينة كل طبقات المومياء، كما تتيح تلك الشاشات التفاصيل التاريخية الدقيقة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً