تحتفي مدينة باث البريطانية (تقع في جنوب غرب إنجلترا، على بعد 159 كيلومتراً غرب لندن و 21 كيلومتراً جنوب شرق مدينة بريستول)، يوم غد الأربعاء (28 مايو/ أيار 2014)، في متحف هولبورن، بمعرض الفنان جوليان أوبي، الذي عُرف بأنه الأفضل بلوحاته الحديثة جداً فيما يتناوله، وخطوطها السوداء السميكة واهتمامه بالتفاصيل الصغيرة جداً. ولن يفاجئ زوَّار معرضه، بالمقتنيات الفنية التي يجمعها بحرص يمكن معاينته من خلال الاهتمام بأدق تفاصيل تغليف اللوحات الفنية العائدة إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر بشكل كامل ومتقن ولا يخلو من التعقيد.
مراسل الفنون بصحيفة "الغارديان" البريطانية مارك براون، كتب تقريراً يوم الثلثاء (20 مايو/ أيار 2014)، ضمّنه انطباعاته، من جهة، ومقتطفات من حوار سريع استباقاً لافتتاح معرضه الذي يعد الأول له في متحف بالمملكة المتحدة منذ 10 سنوات، من جهة أخرى. وقال أوبي: "لقد أمعنت التفكير طويلاً بشأن إقامته".
سيقف زوّار المعرض على سر كل ذلك التموّج العاطفي، الذي يمكن رصده من خلال نماذج لأعمال أوبي للعشرين سنة الماضية، وكذلك عرض جانب من مجموعته الخاصة التي تشمل لوحات للسير بيتر لِيلي، وجوشوا رينولدز وجورج رومني، ومنحوتات قديمة من مصر وروما.
وأضاف أوبي "كنت قلقاً على الكيفية التي يمكن بها تلقي المعرض وقراءته، وماذا يمكن أن يتمخّض عنه من معاني؟ لقد رأيت شواهد لأعمال معاصرة إلى جانب فيرمير (يوهانِس فيرمير، رسَّام هولندي، من مواليد العام 1932، وتوفي في العام 1675. ولد في بلدة دلفت الهولندية، ويعتبر من أكبر فناني القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا). يحدوني الأمل في أن تتم قراءة أعمال المعرض بأريحية.
من جانبه، قال مدير متحف هولبورن، إكسا ستورجيس، إن موضوع المعرض كان متلائماً مع طبيعة متحف هولبورن، والذي شُيّد محاطاً بمجموعة خاصة متفردة.
وقال ستورجيس: "ما يلفتني هو أنني لم أر أي شيء مثل ذلك. آمل أنه أمر جيد. إنه استفزازي نوعاً ما؛ بل يستفز التفكير والنظر، وفي اعتقادي، ذلك هو دائماً مفتاح المعارض والمدخل إليها".
أوبي قام بتقسيم مساحة المعرض إلى قسمين بحيث تحتل أعماله نصف المساحة، ومجموعته الخاصة النصف الثاني منها.
ثمة شعور مختلف عمّا ألفناه من طرق العرض. رؤية لوحات رئيسية قديمة معلّقة على الجدران البيضاء، المحاطة بضوء طبيعي.
ويأمل أوبي أن "يقوم الزوّار بإجراء رابط بين العرضين. ربما يتحلّقون حول عمل، والعودة إلى أعمال مختلفة لا رابط بينها. الأعمال مختلفة جداً؛ وربما هي متجانسة أيضاً".
وقال: "مع الفنانين القدماء هناك ميْل طفيف تجاههم نجاح باهر. انظر إلى تلك الحرفية المذهلة. يبدو ذلك وكأنه خارج تصوّر أي شخص، تماماً في كتصور الكيفية التي ترسم بها الزهور، ولكنه نظام موحّد في الواقع. هو شبيه إلى حد ما بكيفية صنع القماش، وكيفية تكوّن اللحم وهلم جرا. الناس قد تعلموا ذلك في وُرش العمل".
لن يكون مستغرباً أن نرى أعمالاً من العام 2012 شكّلها أوبي بطباعة ثلاثية الأبعاد. هو على ارتباط باستخدام أحدث التقنيات.
في جانب من المكان ثمة اثنان من التماثيل النصفية ينتصبان على قاعدة حجرية تم إنشاؤها باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، رسمت باليد؛ لأن التكنولوجيا لا تسمح حتى الآن باللون.
وبيّن أوبي، أنه لم يرسم باليد منذ فترة طويلة ولكن ساعده على ذلك قناع جنائزي مصري يعود إلى 2000 سنة من أواخر العصر البطلمي مما تحويه مجموعته (البطالمة هم عائله من أصل مقدوني نزحت إلى مصر بعد وفاة الإسكندر الأكبر سنة 323 ق.م؛ إذ تولى أحد قادة جيش الإسكندر الأكبر وهو "بطليموس" حكم مصر. اهتم بطليموس الأول ببناء مدينة الإسكندرية التي أسسها الإسكندر الأكبر قبل مغادرته مصر في حملة عسكرية إلى بلاد الفرس وأفغانستان والهند. وجعل بطليموس الأول الإسكندرية عاصمة لمصر. وظلت أسرة بطليموس تحكم مصر حتى دخلها الرومان في العام 30 ق.م، وآخر البطالمة كانت الملكة كليوباترا وابنها بطليموس الخامس عشر "قيصرون". وصل نفوذ الدولة البطلمية إلى فلسطين، قبرص وشرق ليبيا، وقد عرفت ازدهاراً خلال عهود بطليموس الأول وبطليموس الثاني وبطليموس الثالث).
عديد من الأعمال في مجموعة أوبي تم عرضها في مرسمه شرق لندن الذي تم تحويله إلى مستودع. يقول: "وأنا أعمل أمنح تلك الأعمال نوعاً من الرفْد. أقوم بتغذيتها. أمنحها حيوية ما. أنت لا تعلم ما الذي تحتاج إليه، أو ما الذي ستجده؛ لذلك أنا أتعلم الكثير".
هنالك عديد من الأعمال الرائعة والملفتة للنظر في مجموعة أوبي، وليس أقلها التمثال النصفي للملحن في القرن الثامن عشر كريستوف غلوك، من استوديو جان انطوان هودين، والذي يمكن أن ترى من خلاله آثار الندوب الرهيبة بعد أن أصيب بالجدري.
وقال أوبي، إن اللوحة التي جعلته يبدأ كجامع للمقتنيات الفنية كانت صورة بيضاوية من الاستوديو التابع إلى غودفري نيلر. "وقفزت الفكرة إلى ذهني وكأنني كنت على صلة باللوحة بما تضمنته من قيمة وروح حتى اشتريتها".
وأوبي جامع حريص أيضاً على أعمال المانغا اليابانية ومطبوعاتها (مانغا لفظ يطلقه اليابانيون على القصص المصورة، ويستخدم خارج اليابان للدلالة على القصص التي أنتجت في اليابان، أو الصور التي رسمت بنمط مشابه للنمط الياباني. وتعتبر المانغا ظاهرة اجتماعية في اليابان تعالج تقريباً كل الموضوعات الرومانسية والمغامرات والخيال العلمي)، لكن أوبي يعترف بأن ثمة بقعاً عمياء في الفن، من حيث تجاهلها وعدم الاكتراث بها، وعلى رأسها أعمال في القرن التاسع عشر. "إن العاطفة، والوعي الذاتي والرومانسية تشبه الجدار الذي يحاصرنا تماماً".