العدد 4279 - الأحد 25 مايو 2014م الموافق 26 رجب 1435هـ

ثروة الأغنياء تنمو أكثر من كل شيء، وكذلك عدم المساواة

قال مؤسس والرئيس الفخري لوكالة أنباء إنتر برس سيرفس (آي بي إس) روبرتو سافيو في مقال له إن تحليل إحصائي شامل أجراه العالم الاقتصادي الفرنسي توماس بيكتي (مؤلف كتاب: رأس المال في القرن الحادي والعشرين) أثبتت الوقائع المبنية على أساس بيانات من القرنين الماضيين، أن مردودية رأس المال هي أكبر وأعلى من حصيلة العمل. لذلك، يوزع النمو الاقتصادي بصورة غير متكافئة بين الرواتب وبين ما يذهب إلى أيدي الأغنياء، في مختلف بلدان العالم.

وما يلي نص المقال:
تتوارد الأخبار، يوما بعد يوم، عن اتساع رقعة عدم المساواة، وهي التي تعد مؤشرا على النموذج الاقتصادي السائد والمفروض على الجميع عقب حملة الليبرالية الجديدة التي أطلقها المسمى "إجماع واشنطن".

الحجج التي يستعان بها لتبرير هذا "الإجماع" هي أن "النمو الاقتصادي هو مد متصاعد يرفع كل القوارب" وأن "رأس المال سوف ينساب إلى الجميع"، حسبما قالت رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة، مارغريت تاتشر، عندما أعلنت الحرب على دولة الرفاه. هذه الحجج فقدت مصداقيتها تماما. فبكل بساطة، الحقائق عنيدة.

ففي تحليل إحصائي شامل أجراه العالم الاقتصادي الفرنسي توماس بيكتي (مؤلف كتاب: رأس المال في القرن الحادي والعشرين)، أثبتت الوقائع المبنية على أساس بيانات من القرنين الماضيين، أن مردودية رأس المال هي أكبر وأعلى من حصيلة العمل. لذلك، يوزع النمو الاقتصادي بصورة غير متكافئة بين الرواتب وبين ما يذهب إلى أيدي الأغنياء، في مختلف بلدان العالم.

وبمرور الوقت، سوف ينمو رأس مال الأغنياء أكثر من كل شيء آخر، وسوف يري كبار الأغنياء رأسمالهم يزيد بإستمرار وبمعدل أعلي بكثير من الثروة العامة؛ وسيحصل ورثة رأس المال علي الجزء الأكبر من النمو. وبعبارة أخرى، الأغنياء سيمتصون من عامة المواطنين زيادة ثرواتهم.

هذا يعني أننا نعود إلي الوراء إلي زمن الملكة فيكتوريا.

وهذا يرجع، في حقيقة الأمر، إلى واقع جديد: أداء الرأسمالية المالية أفضل بكثير من الرأسمالية الإنتاجية.

يتناول العدد الأخير من المجلة الأميركية "ألفا" بالذكر أجور أكبر 25 مدير صندوق تحوط -وكلهم من الذكور، مفيدا بأنهم قد حصلوا في العام الماضي على مبلغ رهيب يتجاوز 21 مليار دولار.

هذا المبلغ يزيد عن الدخل القومي لنفس العام، لعشر دول أفريقية، وهي بوروندي، جمهورية أفريقيا الوسطى، إريتريا، غامبيا، غينيا، ساو تومي، سيشيل، سيراليون، النيجر، وزيمبابوي.

هناك المزيد: فوفقا لـ "مؤشر المليارديرات بلومبرغ" -وهو عبارة عن ترتيب يومي لأغني 300 فردا في العالم- ازدادت ثرواتهم في العام الماضي بقدر 524 دولار - أي أكثر من الإيرادات المجتمعة من للدنمارك وفنلندا واليونان والبرتغال.

ثم لماذا لا تذهب إلى "ويكيبيديا"، وتطلب بيانات الميزانيات الوطنية في جميع أنحاء العالم؟ ... ستري عدد البلدان الفقيرة، بملايين أهاليها، التي يتوجب عليك أن تجمعه لبلوغ نفس هذا الرقم: 524 مليار دولار.

الشيء نفسه ينطبق على أوروبا. فهناك إحصاءات مماثلة من إسبانيا، حيث تلقي 23 رئيس ومدير بنوك في العام الماضي، استحقاقات تقاعد قدرها 22.7 مليون يورو، مع زيادات في المرتبات بنسبة 27 في المئة، وذلك على خلفية الانكماش الاقتصادي.

هذا هو الاتجاه الذي يحدث في كل مكان في أوروبا بما في ذلك دول الشمال الأوروبي.

لكنه يحدث أيضا في البرازيل والصين وجنوب أفريقيا وأي جزء آخر من العالم.

بطبيعة الحال، أصبح ذلك هو الاتجاه العادي في "الاقتصاد الجديد"، حيث يعتبر العمل الآن مجرد متغير في عملية الإنتاج، وتعتبر البطالة الدائمة لا مفر منه بل وظاهرة هيكلية.

في الوقت نفسه، تدعي الأمم المتحدة أن الفقر المدقع في العالم انخفض إلى النصف. لقد انخفض عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم من 47 في المئة في عام 1990 إلى 22 في المئة في عام 2010.

ومع ذلك، لا يزال هناك 1.2 مليار شخصا يعيشون في فقر مدقع.

صحيح أيضا أن هناك طبقة متوسطة ناشئة وصاعدة في جميع أنحاء العالم، وإن كان الفضل في ذلك يرجع أساسا للبرازيل والصين والهند.

لذلك، يتحجج المدافعون عن النموذج الاقتصادي الحالي، بقولهم: "لماذا تتحدثون عن عدد قليل من أغني الأغنياء، فيما تتجاهلون التقدم الهائل الذي أدى إلى خلق مليار مواطن جدد من الطبقة المتوسطة؟".

لكن هذه الحجة تنوطي علي ثلاث مشاكل واضحة. الأولي هي أن هذا النوع من النمو الاقتصادي قد قلص بالفعل الطبقة المتوسطة في البلدان الغنية، ومن المحتم أن هذا الانكماش ستكون له آثارا خطيرة على المدى الطويل.

فاستهلاك الثراء الفاحش لا يمكن أن يكون بديلا عن استهلاك عدد كبير من المواطنين من الطبقة المتوسطة. إنتاج السيارات أصبح بالفعل أكبر من الطلب، وهذا يحدث لكثير من المنتجات. والفقر في العالم آخذ في الانخفاض، لكن عدم المساواة في ازدياد، في بلد تلو الآخر.

المشكلة الثانية هي أن الأغنياء لا يدفعون الضرائب كما كان من قبل، وذلك بسبب وجود عدد كبير من الفوائد المالية التي أتاحتها إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وملخصها أن "الثروة تنتج ثروة، والفقر ينتج فقر".

والآن، اكتشف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أنه لا يمكن فرض ضرائب على رأس المال لأنه "مقدس".

ثم هناك 300 مليار دولار على الأقل من عائدات الضرائب التي تضيع من خلال مزيج من الحوافز الضريبية للشركات والتهرب الضريبي للشركات.

وثمة واقع آخر، ألا وهو حجم الأموال المودعة فيما تعرف باسم "الجنات المالية" والذي يقدر بحوالي 4 تريليون دولار، في حين يكاد يخلو التاريخ من أمثلة علي إعادة توزيع الدخل طوعا من جانب الأغنياء وأصحاب الثروات الفاحشة.

أما المشكلة الثالثة فهي خطيرة جدا. فلا لزوم للتذكير مرة أخرى بكيف أصبحت السياسة خاضعة للمصالح الاقتصادية، فهناك أمثلة لا تعد ولا تحصى علي ذلك. ولا لزوم أيضا للتذكير بأن المواطن العادي ليس له نفس سلطة المواطن الثري ثراء فاحشا.

وهنا حالة مثيرة للسخرية: فقد ألغت المحكمة العليا في الولايات المتحدة أي حدود للتبرعات للأحزاب، بحجة أن كل الناس سواسية كأسنان المشط!.

حاليا تبلغ تكلفة انتخابات اختيار رئيس الولايات المتحدة حوالي 2 مليار دولار، فهل يمكن القول بأن مواطن عادي يتساوي في الفرص حقا مع شيلدون اديلسون، قطب الأعمال الأميركي الذي تبرع بمبلغ 100 مليون دولار رسميا للحزب الجمهوري.. دون عناء.. فقد ازدادت ثروته في العام الماضي بأكثر من 14 مليار دولار!.

هل هذا الاتجاه جيدة للديمقراطية؟ هل الثراء الفاحش ليس مصدرا للقلق؟ ... هذا هو ما يقال لنا، وهذا هو ما يطلب منا أن نصدقه.

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:56 ص

      تناقض

      كم هائل من المغالطات والخلط بين النظم الاشتراكية والرأسمالية؛ فلا يجب أن تضع أهدافا اشتراكية لتكون نتائجا لأنظمة رأسمالية. ولو تأملنا لوجدنا حلولها جميعا في النظام الاسلامي الذي لن يحاسب التاجر على نمو ثروته ولكن سيفرض الزكاة والخمس على نمو الثروة (الأرباح) دون الأصل (رأس المال) وتطبيقه ينقل من هم دون خط مستوى الفقر إلى الطبقات المتوسطة المختلفة.

    • زائر 3 | 1:23 ص

      لو من عمل الشيطان

      (من ذا اللذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ) الاية. اين فر العاشقون ؟ المقترضون يربون ويذبحون من البنوك فاين فر المحسنون ؟ اولم يسمعوا الاية التي تقول من ذا اللذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له ..اين الباحثون عن عمل الخيرات لوجه الله .

    • زائر 2 | 1:04 ص

      قرأت الموضوع لكن لا يوجد ذكر لدول العربية والخليجية

      الموضوع باكمله لا يوجد ذكر للدول العربية والخليجية ، هل الموضوع ذاته لا ينطبق عليهم
      الغناء الفاحش والفقر المدقع .

اقرأ ايضاً