العدد 4279 - الأحد 25 مايو 2014م الموافق 26 رجب 1435هـ

خلفيات النفوذ الإيراني في العراق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام، نَشَرَت إحدى الصحف العراقية، وقائع لقاء بين نائب رئيس الوزراء العراقي للشئون الاقتصادية روز نوري شاويس في طهران مع وزير الشئون الاقتصادية والمالية الإيراني علي طيب نيا، حيث أعلن الأخير أن «حجم التعاون الاقتصادي بين إيران والعراق بلغ أكثر من 12 مليار دولار خلال العام الماضي»، وأن قطاعات «الترانزيت وصادرات الكهرباء (بواقع 400 ميغاواط باتجاه ثلاث خطوط وهي ديالى وخانقين والبصرة) والغاز (25 مليار متر مكعب) من إيران إلى العراق وصادرات الخدمات الفنية والهندسية» هي ركيزته.

بل إن مسئول الدائرة التجارية في السفارة الإيرانية في العراق محمود بهزار قال: «طموح إيران هو أن تصل بالتبادل التجاري مع العراق إلى نحو عشرين مليار دولار نهاية العام 2017».

هنا، ومن خلال تلك الأرقام التجارية، آتي إلى مناقشة العلاقات العراقية الإيرانية من خلال مقولة «الهيمنة الإيرانية على العراق»، التي يتداولها كثيرون. وعند مناقشة هذه المقولة، فإن من الصعب إجادة ذلك دون تفكيك العلاقات الإيرانية العراقية، جغرافياً وتاريخياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. هذه المحددات الخمسة، هي ليست «سجعاً» في سطور المقالة بقدر ما هي «حقيقة قائمة».

أولاً: لو تتبعنا الحدود العراقية الإيرانية جيداً سنرى أنها بطول 1458 كم، تبدأ من الجنوب حيث الفاو، مروراً بمنطقتين إيرانيتين هما آبادان/ خرمشهر، يقابلهما عراقياً أبو الخصيب، ثم صعوداً حيث تتقابل الأحواز في إيران، مع الهارثة والشافي في العراق، ومروراً بهور الحويزة المشطور، ثم العمارة وعلي الغربي، تقابلها دهلران ثم مهران الإيرانيتان، وصولاً إلى مندلي وخانقين، وشمالاً حيث بنجوين وسردشت وبيرانشهر وأونشويه حتى تركيا.

ثانياً: هذه الجغرافيا، فرَضَت على الجانبين تاريخاً مشتركاً من المعتقدات المتداخلة، دون إغفال أن ميزان القوى هو الذي كان يحكم البلدين. فعندما كان الإخمينيون يحكمون فارس (559 ق.م) كانوا قد وصلوا إلى بابل في العراق. وعندما فتح المسلمون فارس (637 – 651م) وانهارت الدولة الساسانية، كان المسلمون العرب، قد وصلوا إلى خراسان، وهكذا دواليك، لكنها جميعاً كانت تكرِّس التاريخ المشترك بينهما منذ ذلك التاريخ ولغاية الآن.

ثالثاً: بفعل ذلك التاريخ، نشأت مشتركات ثقافية مهمة بين البلدين. فـ»الشَّبَك»، التي تتشكل من العراقيين، جاءت «مع الأقوام الآرية، من بلاد أذربيجان التي كانت ضمن الإمبراطورية الفارسية» كما يقول محمد الشبكي، لذا فإن لغتها هي الأقرب للفارسية. كما ارتبط الصابئة المندائيون في العراق بحكم أردشير في إيران. ثم جاء الإسلام فزادت تلك المشتركات، التي تعمَّقت أيضاً بفعل المذاهب المتفرعة عنه (شيعة/سُنَّة)، وهي اليوم في أوج قوتها.

رابعاً: هذه المشتركات الثقافية، عزّزت من التواصل الاجتماعي بين الجانبين، حيث كانت الهجرات تتم بينهما وفق العديد من المحفزات ومن بينها الجانب الاجتماعي، فأصبحت هناك عوائل مختلطة، كما حصل بالنسبة لهجرات ما وراء جبال زاجروس كالكاسيين وغيرهم، رغم اعتبار البعض لهم على أنهم ضمن الشعوب الكردية. ثم توالى التداخل الاجتماعي، عندما تزاوجت زعامات الدولة الإسلامية وقياداتها بالفرس على طول الخط. وهو أمر لازالت مفاعيله قائمة.

خامساً: أنتجت المشتركات الاجتماعية، نظاماً من المصالح الاقتصادية، التي عززتها التجارة بين الجانبين، عبر القوافل ورحلاتها. وقد كان للحاجات الاقتصادية المتبادلة، التي كانت تفرضها طبيعة الثروات والصناعات في كلا البلدين، والتمدد الديموغرافي وما يتطلبه من استهلاك بشري، أثره في تعزيز تلك الحالة، بالإضافة إلى ممرات العبور، التي كان يستخدمها التجار للوصول نحو نقاط حدودية مشتركة مع دول أخرى كآسيا، والتي عرَّفها المسئول العراقي خلال زيارته لطهران بـ «سهولة الاتصال التجاري بين البلدين».

النتيجة الطبيعية أن هذه المصالح الاقتصادية، خَلَقَت نوعاً من التنافس أو لنقل الصَّداقة/ العداوة بين الجانبين، طبقاً للتوجهات السياسية والدينية والأيدلوجية بينهما في مختلف الفترات. فالنزاعات بين الدول، تتم في أغلبها على وقع الخلاف على كيفية تقاسم تلك المصالح والثروات والنفوذ. والحالة العراقية الإيرانية ليست استثناءً من ذلك. لذا، نشأت العلاقة السياسية بين الجانبين، على أثير تلك المصالح، لكنها أيضاً كانت محكومةً بميزان القوى القائم فيهما، وأيهما أكثر قدرة على التأثير في الآخر.

في السنوات الثلاثين الأخيرة، فرضت الحرب العراقية الإيرانية واقعاً سياسياً جديداً بين الجانبين، بعد حرب دامت ثمانية أعوام. فخلال هذه السنوات، آوى العراق جماعة مجاهدي خلق الإيرانية المعارِضة لطهران، وآوت إيران الأحزاب الشيعية والكردية المعارِضة لبغداد. وأصبح الجانبان يستقويان على بعضهما من خلال تلك الجيوب. لكن انتهت التطورات، بأن يحتل العراق الكويت، فتتغيَّر معادلة المنطقة بعد حرب الخليج عندما أخرِجَ الجيش العراقي من الأراضي الكويتية، ليأتي الغرب بعد ثلاثة عشر عاماً ليحتل العراق، وينشأ فراغ سياسي فيه، فتأتي القوى العراقية التي كانت في طهران والمتحالفة معها لتملأه.

في الأوان ذاته، وبعد العام 2003، اتخذ كثيرٌ من العرب موقفاً غير حكيم بابتعادهم عن العراق، الأمر الذي أعطى الإيرانيين فرصة الاندفاع باتجاهه، واستثمار حاجاته من التجارة والأمن والدعم السياسي، وهو ما قوَّى من الحضور الإيراني في العراق، خصوصاً مع كون الأخير بلداً مدمّراً ضعيفاً.

هذه الأمور، يجب أن تكون مفهومةً للجميع، قبل الحديث عن العلاقات الإيرانية العراقية، كونها عوامل أصيلة في تلك العلاقة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4279 - الأحد 25 مايو 2014م الموافق 26 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 23 | 8:23 ص

      العرب والتاريخ

      اتخذ العرب موقف غير حكيم بابتعادهم عن العراق سواء من ناحيه الاقتصاديه او السياسيه ولكن ايران من حيث تعلم او لا تعلم شاركت في تحسين علاقاتها من اجل مصالحها ورفعت من مستوى التجاره والثقافه وحتى السياسه في العراق مما اثار غضب بعض العرب وسموها بعد ذلك بتدخلات ايرانيه في شئون العرب وشكرا للكاتب على معلومات الممتازه

    • زائر 25 زائر 23 | 1:29 م

      الصراحه

      العرب ما عرفو غير ان يضربون في بعضهم بعض ويفتنون بين بعضهم بعض الغرب كلهم مختلفين مع بعضهم بعضٌ ولكن اي مشكله يوقفون مع بعض والتاريخ واضح والعرب مثل ما جفنه في سوريا وغيرها شنو عندهم غير الفتن في بعضهم بعض!
      ايران العقوبات كانت بالنسبه لهه مصدر للقوه حاليا وتكاتف واضح مع روسيا والصين اكبر قوى في العالم والعرب كل يوم يكبر الخلاف وتكبر الفتن

    • زائر 16 | 2:26 ص

      اسمها الأهواز و ليس الأحواز يا استاذ محمد ، ليس صحيحا ان اسمها الأصلي احواز لكن الفرس قاموا بتغيير الحاء الى هاء

    • زائر 18 زائر 16 | 5:40 ص

      بالعكس

      بالعكس الإيرانيون لا يلفظون الحاء وهم يقلبونها إلى هاء فلذلك سموها الأهواز لكن الصحيح هي الأحواز

    • زائر 22 زائر 16 | 8:23 ص

      اهواز وليس احواز

      ووجه التسمية هو ان بريطانيا عندما دخلت ايران انشئت مصنعا لمواسير المياه في هذه المنطقة ومنه شاع اسمها اهواز وهو جمع هوز اي ماسور . فقط للتوضيح ولقطع نزاع المعلقين

    • زائر 14 | 2:21 ص

      متابع

      أتمنى من الكاتب الكريم أن يعود ليواصل الكتابة في موضوع ( التحضر ) ليبحث مسألة تحضر وما وصل اليه الغرب في المجالات الاسرية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها ، ما يمكن أن نأخذه من الغرب وما الذي لا يمكن و ليس مناسبا أن نأخذه منهم ، . . . .
      أعتقد أننا نحتاج مواضيع كهذه بين الحين والآخر . . . هي مهمة جدا للجيل الجديد

    • زائر 13 | 1:56 ص

      يا جماعة

      هناك فرق بين من يتخذ ايران كشماعة لأخفاقاته لسبها وشتمها ، وبين من يحلل المواضيع وتكون مواضيعه لدولة ما ومنها ايران ، من خلال متابعتي للكاتب اراه ( متخصص ) في الشئون الأيرانية ، كما في الأعلاميين الذين يظهرون على شاشات التلفزة ، وهذا لا يضير الكاتب ، اما اتفاقنا مع تحليله او اختلافنا هذا شيء اخر .

    • زائر 10 | 1:30 ص

      وماذا يضير من تعاون بلدين مسلمين جارين لهم تاريخ مشترك ومذهب مشترك

      انا لا اعرف ماذا يضير البعض من التعاون الايراني العراقي ولماذا يذهبون دائما للهيمنة:
      ايران كقوة اقتصادية صاعدة لها ثقلها وتستطيع أي دولة الاستفادة من تقدمها
      الا يوجد تبادل تجاري بين الامارات وايران بمبالغ تصل الى 300 مليار دولار لماذا لا يتم الحديث عن هيمنة ايرانية؟
      ثم لو افترضنا ان ايران تسعى لأن تكون لها ارضية في العراق هذا امر طبيعي فتاريخ البلدين مشترك في كثير من القضايا ولماذا لا يتم الكلام عن التحالف مع بريطانيا وامريكا رغم انهما من آخر الارض

    • زائر 7 | 1:02 ص

      وطن

      الاسطوانة المشروخة ايران ايران ايران ياأخي غير لاتموت من ايران

    • زائر 5 | 12:56 ص

      اه

      خاطري اعرف ويش عندك مع ايران ايران ايران ايران

    • زائر 9 زائر 5 | 1:15 ص

      غريب الغضب والحقد

      السعودية تهتم بإيران . الاتحاد الاوربي يهتم بإيران . امريكا تهتم لإيران افريقيا تهتم لإيران . الهند والصين وروسيا واليابان يهتمون بموضوع إيران . مقاومة حماس وجنوب لبنان تهتم بإيران إلا حضرتك تهتم ب امممم لا اعلم

    • زائر 20 زائر 5 | 6:12 ص

      ههههه

      يا خوك مع احترامي للكاتب العزيز ، كتاباته عن ايران اكثر من بعض الصحف الباقية !!

    • زائر 4 | 12:42 ص

      مراقب ...

      لم تفصح جليا عن ما يجول في خاطرك .. عزيزي
      السرد التاريخي الذي أوردته معلوم للجميع أو على الأقل متوفر للجميع لكن السؤال الاهم هل إيران تريد خيرا من هذا التقارب للعراقيين أم أنه يدخل في ضمن مشروعها الفارسي الكبير والذي بانت ملامحه جلية في الازمة السورية
      واخيرا لقد أغفلت كثيرا من صفحات التاريخ الإيراني في مجاورته للعرب وخاصة في العراق
      أتمنى في المرات القادمة أن تكون أكثر صراحة .. عزيزي ..

    • زائر 6 زائر 4 | 1:02 ص

      العلاقات أعمق

      العلاقات أعمق مما ذكر في المقال. العجيب لما قوي استعمارية تحتل، تنهب، تغتصب، تقتل و تدمر لا يعترض احد! اما اذا اقترب الجيران من بعضهم و ارتفعت مبادلاتهم التجارية و السياحية و الثقافية و العلاجية ترتفع الأصوات و تتهم الجار بحمله أطماع و ... و ... كأن مكتوب علينا ان نكون في حال حرب مع كل من يجاورنا و نصادق الغريب البعيد. عجبي!!!!

    • زائر 11 زائر 4 | 1:36 ص

      يا سلام

      خلك من التاريخ لان اليً يبي يعرف التاريخ يروح يدور في الكتب ، اما بالنسبه اقرب ايران من الدول العربيه وخصوصا الخليجيه لا ننسى ان اوهموكم بخطر إيراني ثلاثين سنه وما جفنه منه ول شي عل العكس الخطر من العرب نفسهم واذا التاريخ واضح عندك ارجع للتاريخ القريب وجوف هالكلام صح لو غلط!!

    • زائر 12 زائر 4 | 1:40 ص

      مشروع فارسي؟!!

      المشروع الفارسي اهو تحدي العقوبات وفعلا نجحو ووصلو اعلى مستوى لدرجة يتفاوضان وينزلوا قرارات مصيريه مع الأمريكان وبدون حضور عربي !! وبعدها الدول العربيه تطلب توضيحات هاي ما يكفي يخليكم تعرفون بالظبط ان الدول العربيه مالهه دور في العالم!! والمشروع الفارسي سوريا دليل؟!!! ما جفت من الارهابيين والمسلحين في سوريا؟!! ما حفت بالصوت والصوره الفيديوات من الي عنده مشروع في سوريا؟!! اعتقد اخوي معلوماتك تحتاج ترجع تجوف تاريخ ثلاث سنوات قبل شنو الي صار بسوريا ومن الي عنده مشاريع فيهه

    • زائر 3 | 12:35 ص

      لماذا الايرانيون دائما متفوقون على العرب؟

      لانهم اصحاب عزيمة ومبدا واصرار على النجاح وهذا يحسب لهم ويبرر لهم نجاحاتهم .

    • زائر 2 | 12:03 ص

      كاننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء

      لا جديد مجرد تجميع لا غير

    • زائر 8 زائر 2 | 1:11 ص

      رد على صاحب التعليق ""مجرد تجميع""

      موضوع الكاتب يقوم على التفكيك والربط والتحليل للحصول على نتائج أما التجميع الذي تذكره تهكماً فهو ربما تجميع كراتين الجح أو الفاكهة

    • زائر 1 | 10:12 م

      صباح الخير

      فعلاً استاذي العزيز ف عندما ابتعد العرب عن دعم العراق استغلت إيران ضعف العراق وهذا ماهو حاصل الآن في سوريا ولبنان والدائرة تدور ..السؤال الذي يطرح نفسه استاذي العزيز هل إيران توسعها مذهبي اما لمصالحها الفارسيه والتي لاتمت لعروبتنا وقوميتنا بصله اشكرك على طرحك الجميل دائماً ومقالاتك التى تزودنا بكل تاريخ مختصر ومفيد تحياتي ليك استاذ محمد عبدالله

    • زائر 24 زائر 1 | 8:34 ص

      الى زائر 1

      ايران ياعزيزي بعد الثوره الاسلاميه لا تفرق بين العرب والفرس او اي قوميات يهمها الصداقه واتحاد المسلمين جميعا والدليل كل فتره تقيم ندوات ومؤتمرات اسلاميه على اراضيها فترى اسرائييل عدوها الاوحد

اقرأ ايضاً