التشخص اسماً وصفات وجنسية متسم بتاريخ الميلاد، ذلك ما يوصف بالهوية، ويمكن التعبير عنها بالقول إن الفرد لا يمكن أن يبادر بعمل شيء ما لم تنتصب الأنا صانعةً هويته ومبررات وجوده. لكل مفهوم بما في ذلك الهوية بعدان فردي واجتماعي، إلا أن استبداد الفكر التسويقي للمكانة بين المجتمع أو ما نعبر عنه بحب الظهور ونظرة المجتمع للفرد التي باتت مهمة جداً بالنسبة إلينا، فكلنا يريد أن يكتسح مجالاً ما فقط بغرض أن يعلو اسمه وينهال عليه الناس بالسلام، حينما يدخل لأحد المجمعات وغيرها من الغايات الدونية، أدى إلى طمس البعد الفردي وانبجاس البعد الاجتماعي على أنه الهوية حتى بات غالبية الناس يعمل على مكانتِه في المجتمع أشبه ما تكون أنها هويته الحقيقية.
وأستثني من ذلك الإبداع الذي يعد طاقة مدهشة لفهم واقعين منفصلين، والعمل على افتعال شرارة مبتكرة في حال وضعهما متقابلين. وحديثي هنا يمس الإبداع الكتابي الذي يتجه إلى إبراز الفرد ما يضمر بذاته والمشاعر التي تخالجه حقيقةً وواقعاً، إلا أن كل ذلك مطمور خلف قناع لا صلة له بهويته الحقيقية.
فالفكر التسويقي - الذي تحدثنا عنه سلفاً - استحدث في ذواتنا خوفاً من أن يرانا الناس باستصغار أو بتمرد وكل ما بات يتملكنا هو - ماذا سيقول المجتمع عن هذا وذاك - حتى صرنا لا نقدم إلا على ما يتآلف مع المجتمع وحدوده، فصُولُ الكتابة الإبداعية شُعبةٌ لا يُمكنُ تطويقها، فهي تعد أحد مصادر الرقي الحضاري والشخصي، وهي مصدر تتفاعلُ مشاعرنا معه، كأنما يجتازنا ويتدفق وصولاً إليها فتشرئبه ليحركها، الكتابة هي أحَد فرُوعِ التعبير التي اتخذها الكَثيرُ كمتحدثٍ باسمِه غير واضعٍ على منكبهِ عناء التقيد بحدودِ المُجتمع.
فالكتابةُ من خَلف قناع باتت أداةً للتمرد على الحدود، فخلف القناع لا يوجد حدٌّ فاصل إلا السماء، وبعض الأحيان حتى السَّماء لا يعدها البعض الحد الفاصل، كما أنها تُعدُّ المنفى الوَحيد إلى جميع الكتاب هرباً من شيءٍ ما، ها نجدُ مواقع التواصُل الاجتماعي تعج بالكتاب المتفاوتين في المستوى وتحتل المرتبة الأولى من حيث إقبال أصحاب الأقلام عليها؛ لأنها تمنح الراغبين في التعبير بقعة خَاصة بهم كما أنها لا تُقاضيهم على أقنعتهم.
ما أريده هو لمَ على روَّادِ القَلم أن يختبئوا خلف أقنعة لا تمت لهم بصلة، علماً بأن الكتابة تعد أحد أكبر فصول الرقي الحضاري، ولمَ باتت وزارة الثقافة في البحرين تمجِّد المهرجانات التي تصدح بالأغاني لتوهم نفسها وتوهمنا أنها تدعم الثقافة، ولتُنجح ذلك كل ما كان عليها هو فقط إضافة شيء بسيط - وصمة من أمر قديم - لتربطهما كأنما هي تحيي الثقافة وكل ما تحييه هو التمجيدُ للمال، هنا نشردُ الناس الذين لا يَملكُون كمّاً هائلاً من المعلومات ولا يَملكون شية إبداعية تثبت وجودهم في الوَقتِ الذي باتت فيهِ الثقافة والفنون الأدبية تجارةً تساوي بضعة دنانِير!، كأنما نقطع ريش دجاجة ثُمَّ نعرُضُ عليها وضع عينِ الاعتبار على ريشها المقطع مقابل بضعة دنانير.
اقتباس: ونحنُ لا نتحدث هنا عن أية ثقافة، فثقافة التطرف تُباعُ بلا مقابل والثقافة التي يجب أن نبني بها هذا المُجتمع ليغدو مُستقبلاً مجتمعاً مُثقفاً لهُ المكانَةُ المَشهودة التي لا يمكن مجاراتها والتي تتخلق لتخلق على أرض الوطن وتعمل للوطن، لا للمال والاسم، لا يمكنُ للجميع الوُصول لها أو لا تكونُ متوافرةً إطلاقاً، فحينما تعودُ للأدب في البحرين، بَعد غوصٍ عميق يمكننا استخراجُ أسماء كتاب عدة ظهروا على السطح في الوقت المعاصر وتركوا بصمتهم الخاصة، وهذا دليل قاطع على وجُود من هُم يملكون هذه الهبة، ما نحتاجُهُ في البحرين هو جهاز متخصص لصقل مواهب هؤلاء، نحنُ نحتاجُ إلى بقعة واسعة في الصحافة، نحتاجُ إلى تواضع من الذين بنوا مكانتهم على هذا الصعيد ليمدُّوا من خبرتهم الساعين لبناء أنفسهم ونحتاجُ إلى تكاتف أيدينا من أجل أن نرتقي بثقافتنا ومبدعينا على صعيد الخليج العربي.
حسين منصور الأسود
زائر
هرارك الزايد
مقال ممتاز
رسالة في الصميم لظاهرة انتشرت بين الناس شكرا للكاتب
مقال ممتاز
رسالة في الصميم لظاهرة انتشرت بين الناس شكرا للكاتب