قالت هيومن رايتس ووتش اليوم الخميس (22 مايو / أيار 2014) إن على السلطات التونسية أن تضمن استقلالية الدوائر المتخصصة التي أنشأها قانون العدالة الانتقالية، واستجابتها للمعاييرالدنيا الدولية للمحاكمة العادلة.
وسوف تنظر الدوائر المتخصصة في قضايا تتعلق بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما فيها تلك التي حصلت أثناء فترة رئاسة زين العابدين بن علي.
بعد مرور ثلاث سنوات على الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بـ بن علي، لم تفعل تونس شيئا يُذكر لمحاسبة المتورطين في ارتكاب انتهاكات خطيرة إبان حكم الرئيس السابق. وشملت هذه الانتهاكات الاعتقالات التعسفية، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، والتعذيب، والمحاكمات غير العادلة، والمعاملة اللاإنسانية للسجناء.
ومنذ الإطاحة بـ بن علي، لم تتم محاكمة سوى عدد قليل من انتهاكات حقوق الإنسان، ومعظمها تتعلق بعمليات قتل أو إصابات بجروح تسببت فيها قوات الأمن أثناء محاولتها إخماد الانتفاضة.
ومن بين آلاف القضايا المتعلقة بالتعذيب قبل 2011، تمت محاكمة عدد ضئيل من الجلادين ، منها قضية حُكم فيها على وزير الداخلية السابق وبعض المسؤولين الأمنيين السابقين بالسجن لمدة سنتين من أجل استعمال العنف.
وقال إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "قد تكون للدوائر المتخصصة مساهمة فعالة في محاسبة الأشخاص المتورطين في انتهاكات خطيرة أثناء فترة حكم بن علي وتحقيق العدالة للضحايا. ولكن لن تكون هذه الدوائر ذات جدوى إلا إذا توفرت لها شروط الفاعلية والاستقلالية والعدالة".
وكان المجلس الوطني التأسيسي قد خطا خطوة هامة إلى الأمام عندما تبنى قانون العدالة الانتقالية في ديسمبر/كانون الأول 2013. ومن بين العديد من النقاط الواردة فيه، ينص القانون على إحداث دوائر متخصصة في منظومة المحاكم لمحاكمة الجرائم الخطيرة المُرتكبة بين يوليو/تموز 1955 وديسمبر/كانون الأول 2013. وفي مارس/آذار 2014، أنشأت وزارة العدل لجنة تقنية لصياغة مرسوم متعلق بكيفية عمل هذه الدوائر. لكن قانون العدالة الانتقالية فيه بعض بواعث القلق المتعلقة بحق المتهمين في الحصول على محاكمة عادلة في الدوائر المتخصصة، بحسب هيومن رايتس ووتش.
ويجب أن يؤسس مشروع المرسوم، الذي سيُعرض على الحكومة في الأسابيع القادمة، لعملية اختيار قضاة تضمن لهم الاستقلالية عن السلطة التنفيذية. ويجب أن يُحدث المرسوم وحدات تحقيق ونيابة عمومية قادرة علي تحديد سياسة تتبعات وتحقيق أقصى قدر من المساءلة على الانتهاكات الخطيرة مع احترام معايير المحاكمة العادلة. كما يجب أن يُنشئ المرسوم إطارا لحماية الضحايا والشهود وموظفي القضاء من أي تخويف أو انتقام محتملين.
يقوم القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها في تونس على مقاربة شاملة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي. وإضافة إلى كونه ينص على المحاسبة الجنائية التي هي من نظر المحاكم المتخصصة، يُنشئ القانون هيئة الحقيقة والكرامة للكشف عن الانتهاكات التي شهدتها تونس من يوليو/تموز 1955 إلى 2013.
كما ينص القانون على آليات لجبر ضرر الضحايا، والإصلاح المؤسساتي، وتفقد الموظفين المدنيين، وتحقيق المصالحة الوطنية.
وينصّ الفصل 8 على إحداث الدوائر المتخصصة صلب المحاكم الابتدائية المنتصبة بمقار محاكم الاستئناف. كما ينص على أن لا يكون القضاة المعينون في هذه الدوائر قد "شاركوا في محاكمات ذات صبغة سياسية"، وأن يخضعوا إلى تأهيل في مجال العدالة الانتقالية.
كما ينصّ القانون على أن تنظر الدوائر المتخصصة "في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان...، ومن هذه الانتهاكات القتل العمد، والاغتصاب وأي شكل من أشكال العنف الجنسي، والتعذيب، والاختفاء القسري، والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة". كما يُعطي القانون للدوائر المتخصصة صلاحية النظر في بعض أنواع القضايا التي ستحيلها لها هيئة الحقيقة والكرامة، ومنها تزوير الانتخابات، والفساد المالي، وسوء التصرف في المال العام، ودفع الأشخاص إلى الهجرة الاضطرارية لأسباب سياسية.
ومازال أمام اللجنة التي أنشأتها وزارة العدل في أبريل/نيسان 2014، والمتكونة من سبعة أعضاء، بضعة اسابيع لصياغة التوصيات المتعلقة بالقانون الذي سينظم عمل الدوائر المتخصصة. وبعد ذلك ستنظر الحكومة في مشروع القانون، ثم يُتوقع أن يُصدر رئيس الحكومة أمرا تتأسس بموجبه المحاكم المتخصصة.
ومن بين بواعث القلق النقطة المتمثلة في إعطاء الدوائر المتخصصة صلاحية النظر في "الانتهاكات" المتعلقة بتزوير الانتخابات والدفع إلى الهجرة الاضطرارية، وهي أعمال غير مجرمة لا في المجلة الجزائية التونسية ولا في القانون الدولي. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على المجلس الوطني التأسيسي تعديل الفصل 8 من قانون العدالة الانتقالية لإلغاء جرائم تزوير الانتخابات والهجرة الاضطرارية، ولحماية الأشخاص من التعرض إلى المحاكمة بسبب أعمال لم تكن مجرّمة في القانون الوطني والدولي أثناء ارتكابها.
إضافة إلى ذلك، يقترح القانون إمكانية إعادة محاكمة شخص ما بتهم جنائية تتعلق بنفس الجُرم، وهو انتهاك لأحد أهم مبادئ سلامة الإجراءات التي يكفلها القانون الدولي.
تبدأ مصداقية المحاكم المتخصصة بعملية اختيار القضاة. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على الامر تبني الطريقة التي ينص عليها الدستور الجديد. يُذكر أن الدستور الجديد ينص على تسمية القضاة بأمر رئاسي بناء علي رأي مطابق من المجلس الأعلى للقضاء.
ويجب أن يشمل الامر المتعلق بالدوائر المتخصصة إجراءات لتعيين القضاة و النيابة تتماشى مع مبادئ الاستقلالية و الحياد. كما يجب أن ينصّ على جميع مراحل العملية القضائية، بما في ذلك التحقيق، والادعاء، والمحاكمة، وأن يشتمل على أحكام تتعلق بحماية الضحايا والشهود وموظفي القضاء.
كما يجب أن يحدد المرسوم ما إذا كانت الدوائر المتخصصة ستعمل وفق مجلة الإجراءات الجزائية التونسية وأي تأثير سيكون لها على صلاحيات منظومة المحاكم العادية في النظر في قضايا تتعلق بانتهاكات سابقة لحقوق الإنسان.
يُذكر أن قانون العدالة الانتقالية لا يقدم أجوبة على هذه الأسئلة، ولا يوضح ما إذا كانت الولاية القضائية للدوائر المتخصصة أعلى من المنظومة القضائية العسكرية التي تتمتع الآن بصلاحية النظر في الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن. ويتعين على المجلس الوطني التأسيسي إصلاح التشريعات التونسية بما يجعل اختصاص القضاء العسكري مقتصرًا على الجرائم التي يرتكبها موظفون عسكريون.
حتى تتمكن الدوائر المتخصصة من محاكمة انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، التي تورط فيها الجناة وأجهزة الدولة، يتعين على المشرعين ملء الفراغ الحاصل في المجلة الجزائية التونسية والمتعلق بمسؤولية القيادة.
يضمن هذا المبدأ الذي ينص عليه القانون الدولي محاسبة المسؤولين السامين على جرائم ارتكبها مرؤوسوهم والتي وافقوا عليها علنًا أو ضمنيًا.
لقد ساهم غياب الأحكام القانونية التي تُجرّم مسؤولية القيادة عن القانون التونسي في صدور أحكام تبدو أنها مخففة في حق بن علي وبعض القيادات العليا بسبب إشرافها على القوات التي قامت بقتل عشرات المتظاهرين أثناء الانتفاضة التونسية.
وحاولت السلطات التونسية بشكل متواصل، منذ الاستقلال سنة 1956 وحتى سقوط بن علي، إخماد أصوات المعارضة. وتعرض آلاف التونسيين ـ نشطاء نقابيون، وأعضاء وقياديون في أحزاب يسارية وإسلامية، وغيرهم من الأشخاص الذين لهم توجهات إيديولوجية لم تكن تروق للسلطات ـ تعرضوا إلى التعذيب، واعتدت عليهم قوات الأمن بالضرب، وتمت إدانتهم وسجنهم في محاكمات غير عادلة.
كما فشلت السلطة القضائية بشكل مستمر، أثناء رئاسة بن علي و سلفه الحبيب بورقيبة، في محاكمة الانتهاكات التي ارتكبها المسؤولون التونسيون، وهو ما نتج عنه تفشي ثقافة الإفلات من العقاب.
ومنذ 2011، اتخذت السلطات التونسية بعض الخطوات لمحاكمة انتهاكات حقوق الإنسان، وخاصة التي ارتكبت أثناء الانتفاضة التي أدت إلى إسقاط بن علي في الفترة الممتدة من 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 إلى فبراير/شباط 2011. وكانت الشرطة قد تعاملت بعنف شديد مع المتظاهرين ضدّ الحكم الاستبدادي للرئيس، فتسببت في مقتل 132 متظاهرًا في تلك الفترة وأصابت المئات بجروح.
بدأت المحاكمات المتعلقة بعمليات القتل في محاكم عسكرية أواخر 2011، وتتمتع هذه المحاكم بصلاحية النظر في الجرائم التي يرتكبها العسكريون وعناصر قوات الأمن. وفي يوليو/تموز 2011، شرعت ثلاث محاكم ابتدائية عسكرية في التحقيقات، وقامت بتجميع القضايا جغرافيا. وفي نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2011، بدأت المحاكمات الجماعية في محكمة تونس ومحكمة الكاف. ومن بين المتهمين الرئيس السابق, و وزيرا الداخلية السابقان، وخمسة مديرين عامين في الوزارة، وعدة قادة أمنيين من ذوي الرتب العليا والمتوسطة. وأصدرت محكمة الكاف أحكامها في 13 يونيو/حزيران 2012 ومحكمة تونس في 19 يوليو/تموز 2012.
وفي 12 أبريل 2014، ثبتت محكمة الاستئناف العسكرية الحكم الصادر عن المحاكم الابتدائية في الكاف وتونس والقاضي غيابيًا بسجن بن علي مدى الحياة بتهمة المشاركة في القتل. ولكنها خففت الأحكام الصادرة في حق المسؤولين السامين الآخرين.
بصفة عامة، جرت هذه المحاكمات في إطار احترام حقوق المتهمين. ولكن توجد العديد من العوامل التي قوضت إمكانية محاسبة الأشخاص الذين يُعتقد أنهم مسؤولون عن عمليات القتل، ومنها فشل الادعاء في جمع الأدلة التي تحدد الأشخاص الذين يتحملون مسؤولية مباشرة في هذه الجرائم، وغياب أحكام قانونية واضحة في المجلة الجزائية تسمح بمحاكمة كبار المسؤولين على الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم. كما تسبب فشل الحكومة في الضغط على السعودية بشكل فعال من اجل تسليم بن علي في تقويض المحاسبة.
ورغم أن قوات الأمن أثناء حكم بن علي كانت تستخدم التعذيب على نطاق واسع، إلا أن السلطات الجديدة، خلال ثلاث سنوات منذ الإطاحة بـ بن علي، أجرت القليل من المحاكمات التي لها علاقة بالتعذيب.
وقامت المحكمة العسكرية في القضية المعروفة بـ براكة الساحل بإدانة وزير الداخلية السابق عبد الله القلال وثلاثة مسؤولين أمنيين بـ "استخدام العنف ضدّ الآخرين بشكل مباشر أو عبر الأوامر"، وقضت بسجنهم لمدة سنتين. وتعود جذور القضية إلى اعتقال واحتجاز 17 ضابطًا في الجيش في 1991 على علاقة بمخطط للحركة الإسلامية ضدّ بن علي.
وتبنى المجلس الوطني التأسيسي في 24 ديسمبر/كانون الأول 2013 القانون الأساسي المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها. ويُعتبر القانون في أغلبه نتيجة لعمل لجنة تقنية أنشأتها وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية.
وكان معظم أعضاء هذه اللجنة ممثلين لمنظمات حقوقية تونسية. وقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في تونس، والمركز الدولي للعدالة الانتقالية بتقديم الاستشارة للجنة.
وفي يناير/كانون الثاني 2013، أقرت الحكومة مشروع القانون وعرضته على المجلس الوطني التأسيسي.
وتم بموجب هذا القانون إنشاء هيئة الحقيقة والكرامة التي تتكون من 15 عضوًا سيعملون لمدة أربع سنوات، مع إمكانية التمديد بسنة واحدة.
وأوكلت للهيئة مهمة "تحديد مسؤوليات أجهزة الدولة أو أي أطراف أخرى" في الانتهاكات الحاصلة بين 1 يوليو/تموز 1995 وديسمبر/كانون الأول 2014، تاريخ المصادقة على القانون.
وينص القانون على أن الانتهاكات تشمل "كل اعتداء جسيم أو ممنهج على حق من حقوق الإنسان صادر عن أجهزة الدولة أو مجموعات أو أفراد تصرفوا باسمها أو تحت حمايتها وإن لم تكن لهم الصفة أو الصلاحية التي تخول لهم ذلك. كما يشمل كل اعتداء جسيم وممنهج على حق من حقوق الإنسان تقوم به مجموعات منظمة".
سوف تلعب الهيئة دورًا محوريًا في وضع برنامج لجبر أضرار الضحايا، وتحديد معايير التعويض، وتقديم المساعدة للضحايا الذين يحتاجون إلى تدخل عاجل مثل الرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية. كما ينصّ القانون على إنشاء صندوق الكرامة وإعادة تأهيل ضحايا الاستبداد.
تتمتع الهيئة بسلطات واسعة، ويحق لها الإطلاع على أرشيف الدولة، والملفات القضائية ذات الصلة بتوثيق انتهاكات الماضي، واستدعاء الأشخاص للإدلاء بشهادات، وتنظيم جلسات سرية وعلنية.
كما يحق لها تفقد الأماكن الخاصة والعامة، والمطالبة بإجراء فحوص الطب الشرعي، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الشهود والضحايا.
ويتعرض كلّ شخص يرفض تلبية استدعاء الهيئة أو يُعطل عملها إلى عقوبة قد تصل إلى السجن لمدة ستة اشهر. كما تستطيع الهيئة إحالة قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان للسلطة القضائية، بما في ذلك الدوائر المتخصصة، للقيام بالملاحقة القضائية المحتملة.
وتستطيع الهيئة القيام بدور هيئة التحكيم في القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إذا طلب منها أحد الضحايا ذلك، أو إذا جاء الطلب من أحد مرتكبي الانتهاك بعد موافقة الضحية.
ويتعين على كل من ارتكب انتهاكًا الاعتراف بذنبه وتقديم اعتذار واضح. وفي حالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لا ينتج عن الوساطة وقف التقاضي في المحاكم، بما في ذلك الدوائر المتخصصة. ولكن القانون ينصّ على أن تأخذ السلطة القضائية وساطة الهيئة بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالعقوبات.
ولا ينص قانون العدالة الانتقالية عن كيفية تعيين قضاة الدوائر المتخصصة، ويكتفي بالإشارة إلى أنهم لا يجب أن يكونوا قد "شاركوا في محاكمات سياسية".
وسوف تكون طريقة تعيين القضاة مسألة أساسية لضمان استقلالية هذه المحاكم وحيادها.
ويجب أن تتبع هذه المحاكم الإجراء الذي ينصّ عليه الدستور، أي أن تتم تسمية القضاة بأمر رئاسي بناء علي رأي مطابق من المجلس الأعلى للقضاء.
كما يتعين على السلطات التونسية، عند إنشاء الدوائر المتخصصة، التقيد بالمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي ينص على أنه يحق لكل شخص يواجه تهم جنائية أن تكون قضيته "محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون".
وأكدت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي الهيئة المكلفة بتأويل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على أن تلتزم الدول، عند إنشاء محاكم متخصصة، ببعض الشروط التي ينص عليها القانون الدولي لتجنب انتهاك الحق في "المساواة أمام المحاكم والهيئات القضائية وفي محاكمة عادلة".
كما تؤكد لجنة حقوق الإنسان في التعليق العام رقم 32 على أن:
شرط اختصاص الهيئة القضائية واستقلالها وحيادها... هو حق مطلق لا يخضع لأي استثناء. ويُشير شرط استقلالية الهيئة القضائية، على وجه الخصوص، إلى إجراءات تعيين القضاة ومؤهلاتهم وضمانات كفالة أمنهم... واستقلال الهيئة القضائية استقلالا فعليًا عن التدخل السياسي من جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ويجب أن يتطرق المرسوم المتعلق بالدوائر المتخصصة إلى جميع مراحل التقاضي، بما في ذلك التحقيق والادعاء والمحاكمة. كما يجب أن يوفر عددًا كافيًا من الموظفين للتحقيق بفاعلية في الانتهاكات التي تتنزل في اختصاص هذه الدوائر، وضمان التمثيل القانوني للمتهمين، ومشاركة الضحايا، وحمايتهم والشهود من المضايقة والانتقام.
كما يتعين على الامر أن يحدد ما إذا كان لكل دائرة متخصصة نيابة عمومية لأن دور مكتب الادعاء سيكون محوريًا للشروع في المحاكمة الجنائية. كما يجب أن يحدد كيفية تجميع كل القضايا والملفات لدي مكتب نيابة عمومية موحد. ستساعد هذه التركيبة المركزية على ضمان مقاربة موحدة في إستراتيجية النيابة العمومية والتنسيق بين القضايا.
ولا يحدد الفصل 8 من قانون العدالة الانتقالية ما إذا كان سيوجد تفاعل بين الدوائر العادية في منظومة المحاكم والمحاكم المتخصصة. وتوجد عديد شكاوى التعذيب التي مازالت معلقة في عديد المحاكم، ومعظمها في طور التحقيق. ويجب أن يحدد القانون قواعد توزيع القضايا على الدوائر العادية والدوائر المتخصصة.
ويجب أن تحترم النصوص المتعلقة بالدوائر المتخصصة الحقوق المكفولة في المواد 9 و14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه تونس في 1969. وتحظر الفقرة 7 من المادة 14 "تعرض الأشخاص للمحاكمة مجددًا".
توجد في الدستور التونسي وفي قانون العدالة الانتقالية أحكام قانونية قد تنتهك حظر المحاكمة المتكررة.
وتؤكد لجنة حقوق الإنسان على أن الفقرة 7 من المادة 14 تمنع "تقديم شخص ما مجددًا، بعد إدانته بجريمة معينة أو تبرئته منها، إلى المحكمة نفسها أو إلى هيئة قضائية أخرى لمحاكمته على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي". وبالتالي لا يمكن على سبيل المثال تقديم شخص إلى هيئة قضائية عسكرية أو خاصة لمحاكمته على الجريمة ذاتها التي برأته منها محكمة مدنية.
ولكن الفصل 42 من قانون العدالة الانتقالية ينصّ على أن تحيل الهيئة إلى النيابة العمومية الملفات التي يثبت لها فيها ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفي هذه الحالة لا تعارض الملفات الواقع إحالتها بمبدأ اتصال القضا.. إضافة إلى ذلك، يبدو أن الفقرة 9 من الفصل 148 من الدستور الجديد فيها إشارة إلى إمكانية محاكمة الشخص مرتين بسبب نفس الجريمة. وتنص هذه الفقرة على أن: "تلتزم الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها والمدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها. ولا يقبل في هذا السياق الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بوجود حجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن".
عند الإطلاع على هذه الأحكام القانونية الواردة في قانون العدالة الانتقالية والدستور معًا يُمكن أن نخلص إلى إمكانية إعادة محاكمة شخص ما في محاكم متخصصة على نفس الجرائم التي حوكم من اجلها في محاكم عادية.
يوجد استثناءان اثنان لقبول إعادة المحاكمة بموجب القانون الدولي: عندما تتوفر ظروف استثنائية جديدة، مثل اكتشاف أدلة جديدة، أو عندما تكون المحاكمة الأولى غير مستقلة وغير محايدة ولم تلتزم بسلامة الإجراءات. ولكن هذه الاستثناءات غير محددة بشكل دقيق في قانون العدالة الانتقالية.
وربما تستطيع لجنة الحقيقة والكرامة، من خلال الحق الذي يتمتع به أعضاؤها في الإطلاع على الأرشيف والشهادات، من اكتشاف حقائق جديدة لها من الأهمية ما يُبرر إعادة محاكمة شخص معين.
ويعطي الفصل 8 من قانون العدالة الانتقالية للدوائر المتخصصة حق النظر في "القضايا المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على معنى الاتفاقيات الدولية المصادق عليها وعلى معنى أحكام هذا القانون".
كما ينص هذا الفصل على قائمة غير نهائية من الجرائم، مثل القتل العمد، والاغتصاب، وأي شكل من أشكال العنف الجنسي، والتعذيب، والاختفاء القسري، والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة. ويؤكد نفس الفصل على أن للدوائر المتخصصة صلاحية النظر في القضايا التي تحيلها إليها هيئة الحقيقة والكرامة والمتعلقة بتزوير الانتخابات، والفساد المالي، وسوء التصرف في المال العام، ودفع الناس إلى الهجرة لأسباب سياسية.
يُذكر أن القانون التونسي الحالي لا يُجرّم تزوير الانتخابات والهجرة لأسباب سياسية. ولم تكن النسخة الأصلية لمشروع القانون تتضمن هاتين النقطتين، ولذلك يعتقد ملاحظون أن المجلس الوطني التأسيسي قام بإضافتهما لاستهداف شخصيات سياسية في الحكومة السابقة.
وتبدو أن هذه الإضافة تنتهك مبدأ عدم إدانة شخص ما بعمل لم يكن مجرّمًا عند ارتكابه.
تنصّ المادة 15.2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على مبدأ حظر المفعول الرجعي، وتؤكد على أنه:
ليس في هذه المادة من شيء يُخل بمحاكمة ومعاقبة أي شخص على أي فعل أو امتناع عن فعل كان حين ارتكابه يُشكل جرمًا وفقا لمبادئ القانون العامة التي تعترف بها جماعة الأمم.
يُذكر أن تزوير الانتخابات والهجرة القسرية لأسباب سياسية لا يستجيبان لهذا الشرط.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على المشرعين التونسيين تعديل قانون العدالة الانتقالية لضمان تناسبه مع المبادئ المتعلقة بمنع المفعول الرجعي.
ويمنح قانون العدالة الانتقالية للدوائر المتخصصة صلاحية النظر في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، لكنه لا يرسم بوضوح كيفية تحديد مسؤولية القيادة. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على المشرعين مراجعة المجلة الجزائية وسنّ تشريع جديد يتضمن مبدأ مسؤولية القيادة في الجرائم الدولية بما يتناسب مع القانون الدولي.
ينصّ القانون التونسي الحالي على أنه لا يمكن محاسبة شخص ما جنائيًا إلا إذا كان ضالعًا بشكل مباشر في ارتكاب الجريمة أو شارك فيها. ويقدم الفصل 32 من المجلة الجزائية تعريفًا للمشاركة في الجريمة يتمثل في تسهيل ارتكابها عبر تقديم المساعدة أو إعطاء الأوامر بذلك، أو عبر التآمر مع الآخرين لغايات إجرامية.
لا تشمل هذه الأشكال من المسؤولية الجنائية المفهوم الوارد في القانون الدولي والمعروف بمسؤولية القيادة والذي ينص على مسؤولية كل شخص في منصب أعلى، لم يأمر بارتكاب الجريمة ولم يساعد على ارتكابها، ولكنه كان يعلم بحدوثها أو باحتمال حدوثها دون أن يمنعها أو دون أن يدعو إلى التحقيق فيها ومحاكمتها.
لقد أبرزت المحاكم العسكرية التي قامت بمحاكمة عمليات القتل التي ارتكبت أثناء انتفاضة 2011 العراقيل القانونية الواردة في القانون التونسي الحالي الذي لا ينص على مسؤولية القادة في الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوهم. واعتمد محامو الدفاع عن المديرين العامين لقوات الأمن بشكل كبير في مرافعاتهم على فشل النيابة العمومية في إثبات وجود أوامر باستخدام القوة المميتة للمطالبة بتبرئة المسؤولين. وقال المحامون إن جريمة المشاركة في القتل التي واجهها المسؤولون، حسب القانون التونسي، تتطلب تقديم أدلة عن قيام المتهم بعمل مباشر ساعد على ارتكاب عملية القتل.
ولذلك يُستحسن إدراج مسؤولية القيادة وأشكال مسؤولية من يتحملون مراتب عليا في ظلّ الصلاحية الزمنية والمكانية الواسعة التي تتمتع بها الدوائر المتخصصة. فمحاسبة المرتكبين المباشرين للانتهاكات قد يغرق هذه الدوائر دون ان يمكن من محاسبة المسؤولين غير المباشرين ولكن الذين لهم مقاليد السلطة.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على المشرعين مراجعة المجلة الجزائية بإدراج تعريف لمسؤولية القيادة يتماشى مع معنى المفهوم في القانون الدولي. وسوف لن ينتهك هذا الحكم القانوني مبدأ منع الأثر الرجعي إذا التزم بالمادة 15.2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وتنص هذه المادة على أن هذا المبدأ لا يتعرض إلى الانتهاك إذا كان العمل المرتكب، بغض النظر عما إذا صار مجرّما في القانون الداخلي، "كان حين ارتكابه يُشكل جرمًا وفقا لمبادئ القانون العامة التي تعترف بها جماعة الأمم".
يُعتبر مبدأ مسؤولية القيادة جزءً من القانون العرفي الدولي، وتوجد إشارات كثيرة إليه في فقه القانون الدولي. وعلى سبيل المثال، تسميه المحكمة الجنائية الدولية لـ يوغسلافيا سابقًا "مبدأ راسخ في القانون التقليدي والعرفي".
قالت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في تعليقها العام حول اتفاقية مناهضة التعذيب إنه: " لا يمكن للموظفين الذين يمارسون سلطة عليا - بمن فيهم الموظفون العامون - التملص من المساءلة أو الهرب من المسؤولية الجنائية عن التعذيب أو إساءة المعاملة التي يرتكبها المرؤوسون، في حال كانوا يعرفون أو كان عليهم أن يعرفوا بحصول هذا السلوك غير المسموح به في الواقع، أو بأنه كان من المرجح أن يحصل، ولم يتخذوا التدابير الوقائية المعقولة واللازمة ".
إضافة إلى ذلك، يتعين على تونس بصفتها عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية تبني مبدأ تجريم مسؤولية القيادة في جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية. ويشمل ذلك أيضًا التعذيب في الحالات التي يكون فيها متفشيًا وممنهجًا، وتتوفر فيه معايير الجريمة ضدّ الإنسانية. ويُحدّد نظام روما الأساسي، المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، مسؤولية القيادة لدى القادة العسكريين والرؤساء المدنيين في الجرائم التي يرتكبها أفراد تابعون للقوات المسلحة أو غيرها من القوات الخاضعة لأمرهم.
تنصّ الفقرة 24 من المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون لسنة 1990 على أن:
تضمن الحكومات وهيئات إنفاذ القوانين إلقاء المسؤولية على كبار الموظفين إذا كانوا على علم، أو كان يتوجب عليهم أن يعلموا، بأن الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين العاملين تحت إمرتهم يلجؤون، أو لجؤوا، إلى الاستخدام غير المشروع للقوة أو الأسلحة النارية دون أن يتخذوا كل ما في وسعهم اتخاذه من تدابير لمنع هذا الاستخدام أو وقفه أو الإبلاغ عنه.
تُعتبر المفاهيم المناسبة للمسؤولية الجنائية ضرورية للمساءلة في جميع المستويات، بما في ذلك الذين لهم مسؤولية تتجاوز ارتكاب الجريمة بشكل مباشر.
وعملا بالقانون التونسي، تستوجب العديد من الانتهاكات الخاضعة إلى نظر الدوائر المتخصصة عقوبة الإعدام. وينصّ الفصل 201 من المجلة الجزائية على أن يُعاقب كل شخص يرتكب القتل العمد بالإعدام.
كما ينص الفصل 227 على أن عقوبة كل شخص يمارس الاغتصاب بالعنف، أو يغتصب طفلا لا يتجاوز عشر سنوات، هي الإعدام. وتعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في جميع الظروف، وتعتبرها عقوبة قاسية ولاانسانية ومهينة.
ويمنح قانون العدالة الانتقالية للدوائر المتخصصة صلاحية النظر في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في فترة زمنية معينة، ولكنه لا يتطرق إلى التضارب المحتمل بين اختصاص هذه المحاكم والمحاكم العسكرية التي تنظر في الجرائم التي ترتكبها قوات الأمن.
ويمنح الفصل 22 من القانون رقم 70 لسنة 1982 المتعلق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي للمحاكم العسكرية اختصاص النظر في الجرائم التي يرتكبها أعوان قوات الأمن، بغض النظر عن هوية الضحايا أو الظرف الذي ارتكبت فيه.
وينص الفصل 22 على أنه "تحال على المحاكم العسكرية ذات النظر القضايا التي يكون أعوان قوات الأمن الداخلي طرفا فيها من أجل واقعة جدت في نطاق مباشرة العمل ولها مساس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو بحفظ النظام [...] أثناء أو إثر الاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والمظاهرات والتجمهر".
ويتفاقم خطر تنازع الاختصاص بوجود فصل في الدستور الجديد ينصّ على أن "تواصل المحاكم العسكرية ممارسة الصلاحيات الموكولة لها بالقوانين السارية المفعول إلى حين تنقيحها بما يتماشى مع الفصل 110 [من الدستور]".
يؤكد هذا الفصل على أن المحاكم العسكرية مختصة في الجرائم العسكرية، وهو ما يعني أنه عليها مواصلة ممارسة صلاحيتها في محاكمة جرائم قوات الأمن على أن تتم مراجعة قانون سنة 1982 والتشريعات ذات الصلة.
لقد دعت هيومن رايتس ووتش منذ وقت طويل إلى جعل القضاء العسكري مقتصرًا على الجرائم العسكرية التي يرتكبها عسكريون.
وصارت توجد أعداد متزايدة من النصوص القانونية الصادرة عن منظمات مراقبة حقوق الإنسان التي تدعو الدول إلى محاكمة العسكريين المتهمين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في محاكم مدنية.
وأكدت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، في قضية "سليمان ضدّ السودان"، أنه يجب على المحاكم العسكرية أن لا يتاح لها سوى اختصاص "النظر في الجرائم ذات الطبيعة العسكرية الخالصة" و"يجب ألا تتعامل مع الجرائم التي تُعتبر خاضعة للقضاء الطبيعي".
إضافة إلى ذلك، تنصّ المبادئ المتعلقة بالحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا كما أعلنت عنها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب على "ضرورة أن يكون الهدف الوحيد للمحاكم العسكرية تحديد الجرائم ذات الطبيعة العسكرية الخالصة التي يرتكبها أفراد عسكريون". وتونس دولة طرف في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
ويتعين على المشرعين في تونس مراجعة القوانين ذات الصلة وإلغاء اختصاص المحاكم العسكرية في جميع الجرائم، بغض النظر عمن هو متهم بارتكابها، باستثناء الجرائم التي لها طبيعة عسكرية صرفة، والتي هي من ارتكاب عسكريين.
وتُعتبر حماية الضحايا والشهود وموظفي القضاء أمرًا أساسيا لحسن سير المحاكمات المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية.
وكثيرًا ما يكون الضحايا والشهود في هذه القضايا عرضة إلى الخطر الجسدي والنفسي.
ويجب أن يتضمن القانون الجديد أحكام تتعلق بحماية الضحايا، والشهود، وموظفي القضاء.
وبحسب ما تمكنت هيومن رايتس ووتش من الإطلاع عليه، لا تضمن المنظومة القضائية في تونس هذا النوع من الحماية عموما.
كما يجب أن ينص القانون على آليات لتقييم المخاطر التي تواجه الشهود، وتسهيل مثولهم لدى المحاكم، والإجراءات المتعلقة بسرية الجلسات وشفافيتها واستقلاليتها، مع ضمان محاكمة عادلة تُحترم فيها حقوق الجميع في الاعتراض عن الأدلة التي يقدمها الشهود ضدّهم. كما يجب أن ينص القانون على توفير الحماية الجسدية والمساعدة النفسية قبل وأثناء وبعد الجلسات.
ويجب أن يتضمن القانون أيضًا إجراءات لحماية القضاة والمدعين الذين يعملون على هذا النوع من القضايا، والتي قد تكون متعلقة بأشخاص كانوا يتمتعون بنفوذ في جهاز الأمن. ولا يستطيع القضاة والمدعون العمل باستقلالية أو بحياد إذا كانت لديهم مخاوف تتعلق بسلامتهم. وتُعتبر الأحكام القانونية المتعلقة بأمن موظفي القضاء محدودة في تونس.
ويتعين على القانون أو الامر الذي سينشئ الدوائر المتخصصة:
• تحديد إجراءات لتعيين القضاة والمدعين تكون متناسبة مع شروط الاستقلالية والحياد. كما يجب إتباع التمشي الذي ينص عليه الدستور في تعيين القضاة، أي على قاعدة خيارات وتوصيات المجلس الأعلى للقضاء.
• التأكيد على عدم إمكانية إعادة محاكمة شخص معين بعد أن تعرض إلى المحاكمة في محكمة أخرى بنفس التهم، باستثناء القضايا التي تم فيها اكتشاف أدلة هامة جديدة لم تكن متوفرة زمن المحاكمة السابقة، أو القضايا التي لم تكن فيها الإجراءات تتسم بالاستقلالية والحياد كما تنص على ذلك معايير سلامة الإجراءات في القانون الدولي، أو التي جرت بطريقة لا تتناسب مع نية تقديم الشخص المعني إلى العدالة.
• إضافة أحكام تتعلق بحماية الضحايا، والشهود، وموظفي القضاء.
• تحديد العلاقة بين المحاكم العادية والمحاكم المتخصصة، وما إذا كان يجب إحالة قضايا انتهاكات حقوق الإنسان التي تنظر فيها المحاكم العادية الآن إلى الدوائر المتخصصة.
إضافة إلى ذلك، يتعين على المشرعين التونسيين:
• تعديل الفصل 8 من قانون العدالة الانتقالية وإلغاء جرائم تزوير الانتخابات ودفع الناس إلى الهجرة لأسباب سياسية، وحماية الناس من أن يتعرضوا إلى المحاكمة بسبب أعمال لم تكن مُجرّمة عند ارتكابها في القانون الوطني أو الدولي.
• إصلاح المجلة الجزائية وإضافة حكم قانوني يتعلق بمسؤولية القيادة يكون متناسبًا مع التعريف الذي يقدمه القانون الدولي حتى تتمكن الدوائر المتخصصة من النظر في إمكانية تطبيقه في القضايا المعروضة عليها.
• تعديل التشريعات التونسية بما يجعل اختصاص القضاء العسكري مقتصرًا على الجرائم العسكرية التي يرتكبها عسكريون.
• تعديل المجلة الجزائية وإلغاء عقوبة الإعدام، بما في ذلك الجرائم التي تندرج ضمن اختصاص الدوائر المتخصصة.