لا أريد الحديث عن الديمقراطية بوصفها نمطاً من أنماط الحكم السائد في العالم حالياً، فقد تحدثت عنها في كتاب مطبوع، لكن مقالي سيتناول الحديث عن ديمقراطية العرب، وكذلك ديمقراطية بعض حكامهم، ولعل الانتخابات «الديمقراطية» التي تجري حاليّاً في مصر وسورية والعراق تلقي ضوءًا كبيراً على طبيعة تلك الديمقراطية التي سأخصص لها مقالي هذا.
في مصر جرت انتخابات شهد لها القوم (داخلياً وخارجياً) بالنزاهة، وفاز فيها محمد مرسي، ولأن قوى داخلية وخارجية لم تكن راضيةً عن منهجه فقد تحالفت على إسقاطه - شخصياً لم أكن راضياً عن أدائه وقد كتبت ذلك وهو على سدة الحكم - وقد استطاعت تلك القوى تحقيق غايتها، وادّعت أن حكومة مرسي لم تكن ديمقراطية لأنها تناست فئة من الشعب، وضربوا عرضاً بكل القواعد الديمقراطية التي تعارف عليها الديمقراطيون كافة. والمؤكد أنهم إنما قالوا ذلك لأن الديمقراطية لم تأت بهم أو بمن يريدون.
دعاة الثورة في مصر لم يكونوا أفضل حالاً ممن ثاروا عليه؛ انتشر القتل والسجن كما تم تقييد الحريات بشكل كبير، كما أن الوضع الاقتصادي ازداد سوءًا، وبدأت مصر تعاني من بعض الأعمال الارهابية، وفي ظل هذه الأوضاع المتردية جاءت الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية وبدعوى أن الديمقراطية تتطلب هذه الانتخابات... ولست أدري عن أي نوع من الديمقراطية يتحدثون! كما لست أدري كيف ستتم هذه الانتخابات ومن سيثق بنتائجها في ظل الأوضاع الداخلية المتردية! المهم أن هذه الانتخابات ستتم، والمهم أيضاً عند الفائز أن يصمت الشعب تماماً عمّا سيفعل حتى وإن كانت ديمقراطيته الموعودة ستأتي بعد ربع قرن! خصوصاً أن الدولة تتعرض لحرب إرهابية وهذا يتطلب من الشعب الصبر والتضحية مهما حدث له! والسؤال: من المستفيد من هذا النوع من الديمقراطية: الشعب أم الحاكم؟
وفي العراق انتخابات، وفيها ديمقراطية - كما يقول المالكي- والمالكي كما هو معروف حكم فترتين متتاليتين وكانت من أسوأ الفترات في تاريخ العراق الحديث، ورغم أن المالكي كان هو الحاكم الأوحد لأن كل السلطات كانت بيده، إلا أنه كان فاشلاً وعنصرياً بامتياز كما كان تابعاً للخارج بامتياز! هذا الرجل يريد أن يحكم العراق لفترة ثالثة، ولأنه يدرك حجم الجرائم التي ارتكبها، ولأنه يخشى من العقاب، فقد بذل ومازال يبذل كل شيء حتى العمالة المفضوحة للخارج كي يفوز في الانتخابات التي يدعي أنها ستكون ديمقراطية بامتياز!
فزاعة محاربة الإرهاب كانت من ضمن برنامج المالكي، وهذه الفزاعة استخدمها كلّ مدعي الديمقراطية، ومع أن معظم العراقيين وغيرهم يعرفون أن المالكي لا يحارب الإرهاب بل يحميه أحياناً، ويعرفون أيضاً أنه يحارب أتباع المذهب السني ويقتل أتباعه إلا أنه ولكي يحمي نفسه ويحقق مصالحه الشخصية لجأ إلى الانتخابات على الرغم مما يجري من أحداث دامية تصبح معها الانتخابات شبه مستحيلة إلا أنه أصرّ عليها حمايةً لنفسه وتحقيقاً لمصالح من يحميه وكذلك المستفيدين من وجوده!
والسؤال مرة ثانية: من المستفيد من هذه الانتخابات... الشعب العراقي أم الحاكم فقط؟
وثالث هذه المهازل الانتخابية مهزلة الانتخابات في سورية، فبشار الأسد الذي حكم والده عشرات السنين، وقتل من السوريين عشرات الآلاف، ثم جاء حاكماً بعيداً عن الديمقراطية، جاء هذه الأيام ليتحدّث عن الديمقراطية وعن الانتخابات لأنه يعرف أنه سيفوز في مهزلة الانتخابات، ويتوقع أن فوزه سيبعد حبل المشنقة عن رقبته، وقد يبعد عنه شبح الإحالة إلى محكمة الجنايات الدولية بتهمة قتل عشرات الآلاف من السوريين!
بشار الأسد -الباحث عن الديمقراطية- هدم مدناً على رؤوس ساكنيها، وقتل الآلاف بالأسلحة الكيماوية، وشرّد الملايين من السوريين، ومع هذا فهو يتحدث عن انتخابات ديمقراطية نزيهة يصل فيها إلى الحكم ليدّعي أن الشعب لايزال متعلقاً به، وأن كل دعاوى الثوار كاذبة!
الأسد لا يبحث عن الديمقراطية ولا يهمه الشعب السوري كله، وإنما كل ما يريد أن يبقى حاكماً مهما كان الثمن! أصبح تابعاً ذليلاً للخارج، وقدّم لـ «إسرائيل» وأميركا كل ما تريد كي تصمت على جرائمه وقد نجح في ذلك إلى حد كبير. ومع أن بشار الأسد تبنى «داعش» إلا أنه يدعي محاربتها ومحاربة الإرهاب! إنه مثل سابقيه يمتطي فزاعة محاربة الإرهاب كي يحظى بعطف الغرب والأميركان والاسرائيليين، وقد تحقّق له شيء من ذلك كما قلت.
أعتقد أن المرشحين الثلاثة سيفوزون في الانتخابات الديمقراطية! فالتنازلات التي قدّموها سواءً لـ «إسرائيل» أو الأميركان أو غيرهم تؤهلهم لذلك، ولكنهم سينجحون بطرق ديمقراطية وسيقمعون شعوبهم أو يقتلونهم وبطرق ديمقراطية أيضاً!
يقال: إن الإعلان عن الذمة المالية للحاكم من أولويات الديمقراطيات الحديثة، فهل سيعلن هؤلاء عن ذممهم المالية أم أنهم فوق الشبهات، وأن الشعوب تثق بهم ولا تريد أن تحرجهم؟ ولكن هل سيجرؤ أحد من أبناء الشعوب الديمقراطية أن يطلب منهم ذلك؟
مجموعةٌ من الحكام الذين يتحدّثون عن الديمقراطية أحياناً يقولون إن شعوبهم ليست مؤهلة للديمقراطية ولهذا يجب أن تُحكم بالدكتاتورية! والغالبية العظمى من الليبراليين العرب الذين صدّعوا رؤوسنا بالمطالبة بالديمقراطية هم أول من يرفضها ويحاربها إذا لم تأت بهم حكاماً! هم يريدون ديمقراطية تأتي على مقاساتهم وإلا فلا! والضحية هي الشعوب التي تصدّق هؤلاء أو تصدّق أكاذيبهم.
الديمقراطية العربية مجهّزة على مقاسات الحكام؛ يستخدمونها متى شاءوا وينبذونها متى شاءوا أيضاً، أما الشعوب فعليها أن تستمتع بالحديث عنها، وستبقى كذلك حتى تتضح لها تلك اللعبة وتتخذ مواقف تصب في صالحها.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 4273 - الإثنين 19 مايو 2014م الموافق 20 رجب 1435هـ
ارجو
ارجو من الكاتب الرد على الردود ويطرح رأيه
ازدواجية غريبة
مع احترامنا الكتاب في الشقيقة الكبرى مستعدين ينتقدون كل دول العالم ولكنهم لا يجراون لكتابة كلمة واحدة عن بلدهم. اذا انتو ما تنتخبون حتى فراش الوزير ليش تنطالبون وتنتقدون رؤساء الدول الاخرى؟
من الظلم
عزيزي الكاتب تكلمت عن والد بشار الاسد قتل عشرات الالاف من شعبة ولم تتكلم عن ما قبل المالكي صدام الذي قتل عشرات الالاف شعبة.
الكاتب
عزيزي الكاتب وقت الاتكتب لاتفتح عيون وتغمض الثانيه ترى الشمس واضحه وعدم الجرئة على نقد القريب قبل البعيد هذا سبب تخلفنا فمتى تحررنا من العبوديه تحرر عقلنا
يا استاذ
الدول التي تتكلم عنها على الأقل يكفي انها انتخبت وصل من تحب او لا هذا امر آخر ولكن قل لي بربك ( انت في الخليج ماذا لديك وما عندك ) ؟؟؟ هذا السوأل ليس للاحراج ولكن لنكن صادقين فيما ندعوا اليه اما بيتي مهتريء واوزع النقد على الجيران هذا مخالف العقل والمنطق انا شاب واتابع بتواضع ما تكتبون وما يدور حولنا نرى نفاقا وعدم مصداقية وتريدون ان الجيل يتربى على الأمانة والصدق وعلية القوم والمثقفون يكذبون ، فكروا فيما نقول وابحثوا عن طريقة تخاطبون بها الناس والشباب على وجه الخصوص لأنهم لبنات المستقبل .
انت فيروس بني أمية ريساراكتد
تستطيع أن تكذب على كل الناس في بعض الوقت، وتستطيع أن تكذب على بعض الناس في كل الوقت، لكنك لا تستطيع أن تكذب على كل الناس في كل الوقت»
تحرر
تحرر مما انت فيه
المالكي هو العنصر او من يدعم الجماعات الارهابية هو العنصري
لقد دعمت دول الخليج نظام صدام على مدى 8 سنوات في حرب ضروس وصدام قد فعل ما فعل بشعبه ولكن هذه الدول التي دعمته لم تسأل يوما عن شعب العراق وهي الآن أي نفس الدول تحارب عن طريق الجماعات الارهابية وكون المالكي يحارب داعش والنصرة لذلك آلمكم
يعني الانظمة التي حاربت النظام السوري غير ؟ وهل تختلف عنه؟=فاقد الشيء لا يعطيه
الدول التي حاربت في سوريا لم تحارب من اجل الديمقراطية ولم تحارب من اجل عيون الشعب السوري فبلادها احوج من سوريا للديمقراطية ولحقوق الانسان وفاقد الشيء لا يعطيه
ومن هو الذي سيجلب الديمقراطية لسوريا الجماعات الارهابية ام الحكومات المستبدة؟
اختك مثلك الأسد لا يختلف عن الدول والجماعات التي تحاربه فكلهم في الارهاب سواء . لا فرق بين من دخل سوريا ودمّرها باسم الديمقراطية وبين نظام الاسد . الدول التي دفعت مليارات للحرب في سوريا كان الاجدى بها ان تنفق تلك الاموال على شعوبها وبلدانها فهي اولا واخيرا احوج للديمقراطية والاصلاح اكثر من سوريا
العنصرية والطائفية صنيعة بلد انت تعرفه عز المعرفة
شرور العالم من صناعة طالبان وبكو حرام وكل التنظيمات المتشددة الطائفية الهوى الموجودة في العراق وسوريا تنظيمها وممولها وأفكارها وعقائدها مصدرها دولة انت تعرفها عز المعرفة لا تتمتع بالحد الأدنى من الديمقراطية فيكفي مزايدات على دول تلتمس طريق الأمان لتقرر مصيرها بدل من دولة تتصدر انشاء ديمقراطيات هي لا تملكها
انت
انت مكشوف من الناحيه الحقديه ولم تكن منصف ابدا في مقالاتك ولاتخفي النزعه الطائفيه في نفسك. وكثيرا ماتكتب عن الحكام العرب وتنسى حكام الخليج وظلمهم لشعوبهم وكأنك من ماسحي البلاط