باستثناء الشوارع المغلقة والطرق المسيجة بالأسلاك الشائكة والحواجز الاسمنتية الموزعة بعدالة وإنصاف على المناطق الملتهبة بالأحداث، فإن أمورنا بخير وبلدنا تجاوز المحنة ولا شيء يدعو للقلق.
وعدا مظاهر عسكرة شبه تامة يلحظها الزائر الغريب ويتعايش معها المواطن معايشته للخوف والترقب، فإننا في أفضل حال ولله الحمد، وها نحن ماضون قدماً في تجربتنا الديمقراطية الرائدة على مستوى المنطقة.
صحيحٌ أن هناك ضحايا يتساقطون الواحد تلو الآخر، إلا أن القانون سيأخذ مجراه وسيأخذ كل ذي حق حقه، وصحيح أيضاً أن هناك سجناء من مختلف الأعمار والرتب الأكاديمية والعلمية؛ لكن الأكيد أن بلدنا، المعروف بتسامحه ووعيه والتزامه بروح الأسرة الواحدة، استطاع أن يتجاوز المحنة بوعي منقطع النظير، وها نحن نشهد بداية مرحلة جديدة مزدهرة بالمزيد من الاصلاحات وتعمير المساجد المهدمة وترصد لرؤوس الفتنة ومحاصرة خطابات الكراهية، ليست كلها بالطبع، إذ ستكون هناك لجان على مستوى كبير من الحرفية، تفهم ما بين السطور، وتفطن لكل حرف ونقطة في الكلمة، فبعض الخطابات قد تبدو ذات مضامين تكفيرية ومنفرة بعض الشيء، لكنها ليست كذلك حين نمعن النظر، ونتحلى بالوعي الذي يمكننا من إدراك مغزاها الكامن والعميق وقدرة أصحابها على ربط المعطيات الإقليمية بما يجري من تحديات في الداخل، في حين أن بعض الخطابات قد يكون ظاهرها أنيقاً ومنمقاً وتجنح إلى الاعتدال، لكنها خطابات معسولة، منقوعة بالخبث ومدبوغة بالحيلة، تقول كلاماً مبهماً ومطلسماً، وخطرها كبير جداً على «أمن المجتمع»، فهي تهدد «روح الأسرة الواحدة» وتُنذر بـ «شق وحدة الصف الوطني» وتأثيرها ضار على كل حال. وهدف هذا النوع من الخطابات هو إيصال رسائل لجمهور قادر ومعتاد على تفكيك الشفرات للوصول إلى المعاني من بطن الكلام؛ لذا فإن الجهات المعنيّة ستكون قادرة ومدربة على فرز كل هذه الخطابات والتعامل معها بمقتضى القانون، وذلك للانتقال بالبلد إلى مرحلة وعهد جديد مليء بالوعود والأماني الطيبة.
وعدا مئات المهجّرين والمنفيين، والمجردين من الجنسية، على خلفية نشاطهم أو آرائهم السياسية، ناهيك عن العدد البسيط جداً من المعتقلين ممن يسميهم الأجانب بـ «سجناء الرأي» و»الضمير»، فإن الحوارات الوطنية مستمرة، وأبواب الحكومة مفتوحة، والكل متعطش للإصغاء لمطالب الناس التي لم تعرف طبيعتها إلى الآن، أضف إلى أن جهود التحسين المتواصل لأرضية الحوار وتهيئة ظروفه لازالت قائمة على قدم وساق، وبلحاظ المدّة الزمنية القصيرة التي انطلقت فيها هذه المساعي والجهود؛ فإن ما تم تحقيقه فعلياً حتى اللحظة يُعدّ انجازاً عظيماً بكل المقاييس. صحيحٌ أن التوافقات لم تحصل لحد الآن، لكننا في الطريق لها بإذن الله.
أما عن أكذوبة النصف المعطل، فبيت الشعب هو الحكم والفيصل، تمثيل عادل لكل مكونات الشعب، ليس هذا وحسب، بل إن الأقليات اليهودية والمسيحية لديها تمثيل في المؤسسة التشريعية والرقابية، وكل من يعرف البلد لاشك يلاحظ أن أجهزة الدولة، في معظمها ومهما بلغ مبلغها من الأهمية، يطبق فيها مبدأ تكافؤ الفرص بشكل عادل وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار، وأما ما يُشاع في وسائل الإعلام المغرضة وتروّج له المنظمات الحقوقية في الخارج فكله كلام فارغ وغير صحيح ولا قيمة له.
وبخصوص ما يُشاع من حراك يومي وخروج للمسيرات الاحتجاجية في بعض المناطق وبؤر التوتر، فهي أيضاً قضايا مبالغ فيها، يحاول البعض تضخيمها لأهداف مكشوفة، وكل ما يشاهده المواطنون أو المقيمون من تواجد كثيف لرجال الأمن عند مخارج القرى ونقاط التفتيش الثابت منها والمتحرك، ما هي إلا تدابير وقائية الهدف منها تعزيز أمن وسلامة المواطنين والسهر على راحة المقيمين لضمان طيب الإقامة وحسب.
أعتقد أن مشكلتنا طيلة ثلاث سنوات كانت مع الإعلام، الإعلام الداخلي والخارجي، ومتى ما استطعنا تحقيق تقدم نوعي في الأداء الإعلامي، فسنكون قادرين على حل أكثر من 80 % من مشاكلنا السياسية العالقة منذ ما يربو على ثلاثة أرباع القرن!
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4273 - الإثنين 19 مايو 2014م الموافق 20 رجب 1435هـ
جميل جدا
مقال جميل جدا يعكس الواقع باختصار جدا
تفاعل القارئ مع قرائه سلوك جميل
اعلم انه مرهق ولكن سلوك جميل التفاعل مع تعليقات القراء وما لا يدرك كله لا يترك كله
الوطنية
أشكر الأستاذ وسام السبع على توفيقه باختيار موضوع مقاله حيث أعتبره ترجمة لوطنيته و انتمائه لهذا البلد الطيب و من الشخصيات المميزة و المغردة بين الفينة و الأخرى للمس جرح من جراحات أبناء الشعب و التذمر على الخطوب السلبية التى تهز المجتمع و تفكك رابطة الوحدة و التضامن . لك التوفيق أستاذي و نشدو على يدك و قلمك المتألق لخدمة الواجب الوطني و حفظك الله برعايته .
شكرا
شكرا لمرورك الجميل
مقال جميل يختصر الواقع في بعض وجوه الحيف
جميل جدا المقال واتمنى استاذ وسام تنقل مأساة الاسرة التي تفقد احد افرادها جراء الاحداث بالعيش في تفاصيل المأساة عن قرب
مآسينا كثيرة
مآسينا كثيرة ياصديقي.. وما اكثر ما يجيش في الصدر من زفرات