العدد 4271 - السبت 17 مايو 2014م الموافق 18 رجب 1435هـ

في حوار بلا «رتوش»... المفكر علي فخرو لـ «الوسط»: الوضع العربي «مريض»... و«دواؤه» سداسي الأبعاد

فخرو لـ «الوسط»: الأمة العربية تمر بأسوأ حالاتها
فخرو لـ «الوسط»: الأمة العربية تمر بأسوأ حالاتها

اعتبر المفكر البحريني علي فخرو، أن «الأمة العربية تمر بأسوأ حالاتها على الإطلاق، فبعد 3 أعوام على اندلاع ثورات الربيع العربي، تكون النتيجة تدمير 3 من أعمدة هذه الأمة ممثلةً في بلدان مصر، العراق وسورية»، مستدركاً أنه على «رغم ذلك، فإنني متفائل بقدرة شعوب هذه الأمة على النهوض مستقبلاً بالاعتماد على قدراتها الكبيرة، فالشعوب لا تموت، وشعبنا العربي من الشعوب الحية التي تمتلك حضارة كبيرة وتراثا عظيما أسس له الإسلام المستنير والثورات وحركات المقاومة التي تمكنت من هزيمة الاستعمار».

وبحسب فخرو، الذي التقته «الوسط»، فإن «العلاج أو الدواء لكل الأوضاع السلبية التي يمر بها العرب يكمن في 6 عناصر هي الوحدة العربية، الديمقراطية، التنمية، الاستقلال عن أية تدخلات خارجية، التجديد الحضاري، والعدالة الاجتماعية». وفيما يأتي نصُّ اللقاء مع فخرو:

بدايةً، كيف يشخص المفكر البحريني علي فخرو حال الأمة العربية؟

- من دون مقدمات وبلا رتوش، أمتنا العربية تمر بأسوأ حالاتها على الإطلاق، فبعد 3 أعوام من ألق الثورات وحركات الربيع العربي نفاجأ بتكالب قوى بالغة السوء والرداءة عليه، ونحن نفهم أن تتكالب عليه على سبيل المثال القوى الصهيونية التي لا تريد تقدم هذه الأمة وتريد أن تبقيها ملازمة لركب التخلف، ونفهم كذلك أن تتكالب عليه المصالح الدولية التي لا تريد ظهور مجتمع ديمقراطي متقدم يحد من نفوذها وينهي عقوداً من الفساد والاستئثار بالثروة.

لكننا، في قبال كل ذلك، لا نفهم أن تأتي أو أن تظهر قوى أخرى في صدارتها القوى الرجعية المتخلفة الموجودة في المجتمع العربي لا تريد ولا تؤيد أي عملية إصلاحية أو مشروع نهضوي، وتتزعمها دول بعينها لا نود تسميتها، همها الآن وعبر عقود أن تئد كل مشروع تقدمي ينهض هذه الأمة ويوحدها ويدخلها في العصر، وبدلاً من ذلك تريد أن تبقي هذه الأمة متخلفة ومنقسمة وتخاف من كل حراك تقدمي، لأن هذا قد يحرك شعوبها وقد يقضي على الامتيازات التي تتمتع بها تلك العائلة أو تلك الفئة العسكرية أو ذلك الحزب.

ما هي العوارض أو العلامات التي دعتك لتبني هذه القناعة؟ هل هي وليدة الربيع العربي؟

- أبداً، فهي سابقة لذلك بكثير وليست وليدة حادثة بعينها، وأنا حين أتكلم عن ذلك أخص بالذكر مجموعة من دول و «أعمدة» هذه الأمة، في صدارتها تأتي مصر وإلى جانبها يأتي العراق وتأتي سورية وهما مدمران تدميراً تاماً وتسيطر عليها الطائفية البغيضة، فإذا كان هذا حال «الأعمدة» فماذا عن البقية؟!

ولو أخذنا مصر وقصتها كمثال، سنجد أننا أمام ثورة بديعة، هائلة، وكبيرة، تطرح شعارات بالغة الجودة، وتقوم بها مجموعات من الشباب التي هي ذاتها، بعد أن يسقط حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وبعد تضحيات كبيرة وقبل إبعاد العسكر، بدل أن يجتمعوا ويشكلوا كتلة واحدة وليس حزباً واحداً ليتفقوا على الأهداف المرحلية التي سيدافعون عنها حتى لا تنتكس الثورة، لا يفعلوا ذلك بل يتركوا الأمر للإخوان المسلمين المنظمين...

يتركوا الأمر لهم، ولا بأس، فليس بيننا وبينهم عداء وماداموا يمثلوا الأغلبية فمن حقهم الوصول لسدة الحكم، إلا أننا نفاجأ بأن الإخوان المسلمين يعدون في البداية بأنهم لن ينزلوا في انتخابات الرئاسة ولا يفون بوعدهم، ثم يعدون بأنهم لن يأخذوا أكثر من ثلث مقاعد البرلمان فينسون ذلك الوعد ويأخذون الأغلبية الكبيرة.

يعدون ويعدون، يعدون بأنهم سيشاركون بقية الأحزاب فلا يشاركون... فإذا كان الذين يرفعون شعار الإسلام يقولون مالا يفعلون فما الذي بقي؟

نقول ذلك ونحن نعتقد أن هؤلاء هم آخر من يمكن أن يكونوا من «حزب» من يقولوا ما لا يفعلون، ليأتوا ويرتكبوا، ليس الأخطاء، إنما الخطايا.

ويجبرون على إثر ذلك، الشعب الذي ثار وكان على استعداد تام لأن يموت في سبيل ثورته، أن يقول مكرهاً لعنة الله على الثورة إن كانت ستؤدي بنا لهكذا الوضع، فتضحك وتبتسم القوى المضادة للثورة والتي هي قوى تابعة للنظام المخلوع أو التابعة للجيش المصري، حتى ننتهي إلى الفاجعة، فهل من المعقول أن يكون الخيار محصوراً بين الإخوان المسلمين أو العسكر؟

هل ترى أن هذا الأمر يعبر عن حالة من عدم النضج لدى الأمة العربية بجميع مكوناتها وتلاوينها؟

- ليس بوسعنا اختصار الوضع العربي في بضع كلمات، فأنت أمام ثقافة بدوية متخلفة، لم يستطع الإسلام أن يؤثر فيها بل بالعكس انغمس ودخل فيها، والمذاهب ليست أكثر من محاولة إدخال الدين في الثقافة المتخلفة التي جاء الدين الإسلامي ليحاربها، فبعد موت الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) انتقل الموضوع القبلي بكامله ليتربع تحت مظلة الدين الإسلامي، وليس للدين الإسلامي صلة به لا من قريب ولا من بعيد.

وبالتزامن مع ذلك ظهرت قضايا التوريث، الظلم، القبلية، العشائرية، والتعصب، سمها ما شئت من أشكال وأنواع، إلى جانب حياة البذخ والفسق والفساد التي ظهرت داخل الحكم، وحين فشل الجنس العربي في أن يكون عادلاً ويجعل بقية الشعوب تثق في الإسلام، جاءت الشعوب الأخرى وأخذت الحكم، فجاء الأتراك وجاء الإيرانيون وغيرهم، وانقسمت الممالك وكان بالإمكان بناء امبراطورية مترامية الأطراف مبنية على العدالة، وهذا كله له تأثيره اليوم.

هل يمكننا القول ان الربيع العربي أزاح الستار عن كل هذه العيوب؟

- نعم، لكن في الوقت نفسه كشفت هذه الثورات وهذا الحراك عن الإمكانات الهائلة التي تمتلكها شعوبنا العربية، ولنأخذ تونس على سبيل المثال، والتي قدم حزب النهضة هناك أداءً عاقلاً... فقد عرفت وقرأت الوضع قراءة سليمة وتنازلت.

إذا ليس من العدالة أن نعمم...

- لا نعمم، لكن أين تونس بثقلها وأين مصر والعراق وسورية بأدوارها المحورية في المنطقة؟...

وماذا عن المستقبل؟ كيف تقرأه وتستشرفه؟

- لديّ ثقة تامة وكاملة في الشعوب العربية، وتفاؤلي هذا مبني على أن الشعوب لا تموت، وشعبنا العربي من الشعوب الحية التي تمتلك حضارة كبيرة وتراثا عظيما أسس له الإسلام المستنير والثورات وحركات المقاومة التي تمكنت من هزيمة الاستعمار.

يبدو جلياً أن فكرتي أو شعوري التشاؤم والتفاؤل يتجاذبانك...

- قد يكون ذلك صحيحاً، فهنالك الأمران وهنالك الفكرتان، وليس هنالك أمة ثارت ضد الظلم وقدمت الملايين من الضحايا من أجل الاستقلال الوطني كما قدمت الأمة العربية، وهذا يؤكد أننا أمام وضعين يتصارعين، أما أي وضع سننتهي إليه فباعتقادي أن الغلبة ستكون للشعوب ونهضتها، رغم عظم التضحيات وألمها.

شخصت العلة فماذا عن الدواء؟

- من المهم لفت الانتباه إلى أن «المريض» هنا هو الوضع العربي لا الأمة العربية وهنالك فرق بينهما، أما الحلول أو «الدواء» فمحدد في 6 عناصر ترسم لنا ملامح المشروع النهضوي العربي وهي الوحدة العربية، الديمقراطية، التنمية، الاستقلال عن أية تدخلات خارجية، التجديد الحضاري، والعدالة الاجتماعية.

هذه 6 نقاط أو عناصر أؤمن بها إيماناً قاطعاً، ويبقى أن نؤكد ضرورة أن يكون النضال العربي باتجاه تحقيق كل ذلك نضالاً مشتركاً لا مجزأً بمعنى ألا يناضل كل شعب أو كل قطر لوحده.

ألا تعتقد أن هذه «الأدوية» باتت غير متوفرة، على الأقل في زمننا المنظور؟

- إن لم تتوفر عليك أن تذهب لشرائها، وإن لم تتمكن من شرائها عليك أن تصنعها، فالدولة القطرية أصبح لها الآن قرابة 50 عاماً وهي معتمدة على نفسها بعد سقوط المشروع الناصري، وأثبتت التجربة أنها لوحدها ليست قادرة على إنجاز المهمة، فلم تحقق التنمية ولم تحقق الديمقراطية ولم تحقق الاستقلال ولم تتمكن من هزيمة المشروع الصهيوني ولم تحقق العدالة...

وإزاء كل ذلك أليس من حقنا أن نتساءل: أما آن الأوان لأن نفكر من جديد ونقيم تجربة الفكر الوحدوي العروبي، ونسأل أنفسنا: هل كان هذا الفكر خاطئاً؟

وشخصياً أعتقد أنه لم يكن كذلك، وأن الخلل يكمن فيمن تولوا تنفيذه وأثبتوا عدم اهليتهم لتحقيق أهدافه، تماماً كما هو الإسلام، الذي لم يؤذه أحد كما آذاه المسلمون أنفسهم.

وقياساً على ذلك، يمكن لنا أن نستشهد بالفكر الماركسي، الفكر الإنساني بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وقد خذله الروس والاتحاد السوفياتي خذلاناً كبيراً من خلال الفساد والدكتاتورية، وحتى الديمقراطية التي تمثل أروع ما أنتجه البشر من أنظمة حكم، نجد أن النازية والفاشستية جاءتا باسم الديمقراطية، فهل يدفعنا ذلك لأن نطالب بإسقاط الديمقراطية بحجة كل هذه المشاكل التي جاءت باسمها، أم أن علينا أن نفرق بين الفكر وبين من يطبقه، بين نعتقد أن الأيديولوجية شيء ومن يطبقها شيء آخر؟

العدد 4271 - السبت 17 مايو 2014م الموافق 18 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:05 م

      واعي

      اعتقد انه بداية المقال فيها جزئية خاطئة كا المفروض و الواجب ان تبدء بـ اعتبر المفكر البحريني الدكتور علي فخرو، .. فهو دكتور بكل شرف و امانة و وزير سابق سجله خالي من الفساد المالي و الاداري و له تاريخ و انتماء سياسي بناء و يجب علينا ان نعطيه حقه المستحق بجدارة.

    • زائر 4 | 5:43 ص

      تفكير راقي

      مقابلة راقية وفكر متنوّر وثقافة متعددة المنابع من المفكر نفسه والذي أجرى المقابلة أيضاً.

    • زائر 3 | 2:12 ص

      غاب المفكرون الصادقون المخلصون

      ما اكثر المفكرين حين تعدهم .... لكنهم في النائبات قليل

اقرأ ايضاً