يبرز جدل بعد أكثر من سبعة عقود على المحرقة النازية (الهولوكوست) في تعدّد التناولات والمعالجات التي لاتزال إلى اليوم تُلقي بظلالها على المشهد السياسي في العالم كله؛ وخصوصاً في أوروبا. لم تبتعد تلك المعالجات في قليل أو كثير عن جدل يحوم حولها. جدل يتعلق بالرؤية التي تتفق أو تختلف معها الأطراف؛ دولاً كانوا أم أفراداً؛ وليس بعيداً عن الحاضنة التي مازالت تستثمر في ذلك الحدث الذي لاشك يعد واحداً من أكبر وصمات العار على جبين الإنسانية؛ بغضّ النظم عن حجم الضحايا والإحصاءات التي مازالت حتى يومنا هذا مثار جدل واختلاف في كثير من الدوائر السياسية ومراكز الأبحاث؛ وإن ظل التهويل هو السمة الغالبة. ثمة أشخاص لعبوا دوراً في تلك المحرقة من الناجين خصوصاً، سردوا حكاياتهم؛ أو سرد الآخرون تلك الحكايات بالإنابة عنهم. آن فرانك من تلك الشخصيات التي تم تناولها في عديد الأفلام والأعمال المسرحية.
هنا مراجعة لخبر مسرحية المحرقة (الهولولوكوست) التي من المفترض مع تقديم هذه المراجعة في "الوسط" أن يكون بدأ عرضها في أمستردام. دورين كارافجال في "نيويورك تايمز" كتبت يوم الاثنين الماضي (12 مايو/ أيار 2014)، أنه، وعلى مدى عقود، تم تناول وتفسير ومعالجة قصة آن فرانك على خشبة المسرح بطرق مختلفة، بما في ذلك العمل الذي وصفه بعض النقاد أنه تم تبسيطه بشكل واضح.
حالياً، هنالك مسرحية تحمل عنوان "آن"، تم عرْضها في أمستردام الأسبوع الماضي، تقدّم صورة معقدة لفتاة في سن المراهقة: متهوّرة ومدللة ووحيدة أحياناً.
في تلك المرحلة من إنتاج الوسائط المتعددة، تمقت آن والدتها، تسخر من البالغين، وتتمرّد في حياتها الجنسية الأولى. تبرز صورة جديدة بعد ما يقرب من 70 عاماً على وفاتها في معسكر الاعتقال الألماني، في العام 1945، وكجزء من سلسلة جهود مؤسسة آن فرانك، والمؤسسة الخيرية السويسرية التي تم إنشاؤها في العام 1963 من قبل والدها، أوتو، كي يتم تشكيل صورتها لدى الجيل الجديد.
مع اقتراب حقوق ملكية يوميات آن فرانك على انتهاء صلاحيتها في عديد من البلدان بحلول العام 2016، تأمل أن يكون المؤسسة أن يكون إنتاج المسرحية مستمراً ويمكنه السفر إلى بلدان أخرى، المسرحية التي تم افتتاحها يوم الخميس الماضي في المسرح الجديد الفخم المؤدي إلى منفذ ميناء أمستردام القديم؛ حيث تبرز لوحة مرسومة للملك ويليم ألكسندر وحشد من أصحاب ربطات العنق السوداء لقرابة 1000 شخص احتشدوا أمامها وارتفعت أصوات بالتصفيق قبالتها.
تلعب روزا دا سيلفا، دور آن فرانك في المسرحية الجديدة في أمستردام. كورت فان در إلست في قصته يتناول آن لكن دون مواربة أو جدل، وهذه المسرحية ليست استثناء. المؤسسة السويسرية ومقرها في بازل، تخوض منافسة شرسة مع منظمة بيت آن فرانك، التي تدير المتحف في مرفق سري هنا؛ حيث اختبأت مع عائلتها اليهودية قبل أن يتم اكتشافها من قبل النازيين. الكيانان يشتبكان على المواد الأرشيفية، ودور المؤسسة الخيرية في المحافظة على إرث ومقتنيات آن.
وقال ديفيد بارنوو، وهو مؤرخ ومؤلف هولندي كتب كثيراً حول ما يسميه دائماً "ظاهرة آن فرانك": "من يملك آن فرانك؟" في بازل يقولون: (نحن المالك الحقيقي)" والمسرحية والأنشطة التجارية الأخرى "على وشك الحفاظ على قوتها وإرثها".
قبل افتتاح المسرحية، سخر مدير المتحف رونالد ليوبولد، علناً بالقول: "آن فرانك لا ينبغي أن تكون لطيفة في أمسية أصيلة"، وأبدى تجهّماً بسبب الإعداد التجاري للعمل، مع تذاكر بيعت في حدود 75 يورو (نحو 100 دولار) متضمّنة توفير وسائل مريحة (كوب من النبيذ، وحزمة من الوجبات الخفيفة والعشاء مع إطلالة جميلة)".
أحيط المتحف علْماً ببعض الجوانب الإيجابية بعد عرض المسرحية، مشيراً المتحف إلى أنه قدّم "إنصافاً أكثر لتاريخ آن فرانك" لأنها تنتهي مع وفاتها في معسكر الاعتقال في بيرغن بيلسن، خلافاً للعام 1955 في مسرحية أصليّة عنها، والتي صرحت فيها بأن "الناس جميلون بحضورهم في القلب، ومع ذلك، اشتكوا من أن المسرحية الجديدة تم تحريرها من قبل ثلاثة من أصدقائها الذين لعبوا دوراً حيوياً في حماية سكّان ثمانية من المرافق السرية، والذين هم موضوع المعرض الحالي في المتحف".
المؤسسة، التي كسبت صراعاً قانونياً في الصيف الماضي لإجبار المتحف للعودة إلى الآلاف من الوثائق التاريخية والخطابات على سبيل الإعارة، حققت غايتها.
وقالت عضو مجلس إدارة المؤسسة إيف كوغلمان: "لدينا مشكلة. لدينا المخطوطات ونحن الوريث العالمي. ونمثل كِتاباً مشهوراً جداً؛ إما أن نواريه من دون عمل شيء؛ وإما أن نحقق رغبة أوتو فرانك ليحكي القصة واستخدام الدخل للأعمال الخيرية".
المؤسسة، التي يرأسها ابن العم الأكبر لـ آن فرانك، بودي الياس، (89 عاماً) قال إن، المؤسسة لديها مشاريع أخرى في الأعمال: الرسوم المتحركة، فيلم ألماني، دراما وثائقية، إضافة إلى افتتاح مركز آن فرانك العائلي العام 2016 في المتحف اليهودي بفرانكفورت.
وتستند المسرحية على اليوميات الكاملة لـ "آن"، التي نشرت من قِبل والدها في العام 1947 بهولندا، مع فصول تم حذفها تتناول حياتها الجنسية. الكتاب تم استلهامه من مسرحية العام 1955، وكُتب من قبل زوجين أميركيين، فرانسيس غوودريتش وألبرت هاكيت، ومن خلال الكتاب، تم صوغ وتقديم المسرحية مرة أخرى في العام 1997 في مسرح برودواي مع ناتالي بورتمان.
أحدث نسخة مكتوبة باللغة الهولندية كتبتها كل من جيسيكا دورلاشير وليون دي وينتر، تتقصى وتستكشف أفراد الأسرة قبل أن تختبئ، وحلم آن في السفر إلى باريس. كما تتناول النسخة أيضاً الفترة التي تم فيها اكتشاف مخبئهم من قبل السلطات الألمانية، وما أعقب ذلك، وتنتهي في مشهد سريالي مع تلاشى صوت آن، والمونولوج المسرحي الذي يؤديه والدها (أوتو)، واصفا مصير القاطنين.
لعبت المؤسسة دوراً رئيسياً في إخراج مسرحية جديدة عن طريق اختيار الكتاب المسرحيين وتعيين المنتج، روبن دي لافيتا وهو من قدامى المتمرسين في فرقة برودواي الموسيقية في هولندا التي كرّست أعمالها لرجال المقاومة، ومع شركته، تم بناء مسرح أمستردام الجديد في ثمانية أشهر. وبحلول الصيف، سيكون في إمكان الزوّار استخدام الأقراص الإلكترونية التي من شأنها أن تتيح ترجمات فورية من الأصل الهولندي لأكثر من سبع لغات.
وقال دي لافيتا، إن هدفه هو خلق "مسرح المغامرة"، باستخدام شاشات هائلة يصل حجمها إلى 180 بوصة، تبث نشرات الأخبار التي يطل من خلالها هتلر وهو ينفث كراهيته ضد اليهود، مع عرض كتابة يدوية بخط أنيق لـ "آن" من مذكراتها التي تتضمّن ملاحظات عن أداء الممثلين.
تبدو الصورة المغايرة لـ "آن" من خلال الدور الذي قامت به روزا دا سيلفا، أكثر واقعية من الإصدارات السابقة لابن عمها، بودي الياس، الذي لعب دور حاخام في فيلم جورج كلوني "آثار الرجال".
وقال، إنه نجا من الحرب مع عائلته في سويسرا المحايدة؛ إذ يقيم اليوم في المنزل نفسه في بازل.
وأضاف أنه "كان تحركاً من أجل أن نرى (آن) على ما أذكر، في بلدها حيوية ومتهكّمة". وقال: "الممثل بدا كما لو أنه عمّي أوتو، وهو إنسان رائع، هادئ ومتحفظ. كانت مغامرة لا تصدق بالنسبة لي. المسرحية هزتني من الأعماق".
دي وينتر، وزوجه استخدما أرشيف المؤسسة، والمخطوطات لكتابة السيناريو. وأضاف وينتر "نحن على حدّ سواء كتبنا عن ظلال الماضي بسبب أن خلفياتنا ترتبط بهذا التاريخ".
دي وينتر، من جهته فقَدَ ما يقرب من مئة من أقاربه اليهود الذين تم ترحيلهم إلى ألمانيا. نشأ وترعرع، كما قال، مع قصص والدته حول المتعاونين والخونة.
وأشار إلى أنه على بعد مجرد ميل من منزله، يوجد هناك الصليب المعقوف، نجمة داود وكلمة "اليهود" وكتابات على محطة للحافلات وملصق للمسرحية.
"وقال دي وينتر: " لقد كنت متأثراً، حين أرى آن خلف تلك الأيقونة وهي تقول: (لقد رأيت فتاة بسيطة، مثلي تماماً)".
ــــــــــــــــــــ
أنيليس ماري "آنا" فرانك (12 يونيو/ يونيو 1929 في مدينة فرانكفورت، مطلع مارس/ آذار 1945 في معسكر بيرغن بيلسن. كانت فتاة يهودية ألمانية ولدت في مدينة فرانكفورت على نهر الماين في بألمانيا فايمار، وعاشت معظم حياتها في أو بالقرب من أمستردام في هولندا. اكتسبت شهرة دولية بعد وفاتها بعد نشر مذكراتها التي توثق تجربتها في الاختباء خلال الاحتلال الألماني لهولندا في الحرب العالمية الثانية.
انتقلت آن وعائلتها إلى أمستردام في العام 1933 بعد أن وصل النازيون إلى السلطة في ألمانيا، وكانوا محاصرين بسبب احتلال هولندا، والذي بدأ العام 1940. ولارتفاع حدة الاضطهاد ضد السكان اليهود، عادت الأسرة إلى الاختباء في يوليو/ تموز 1942 في غرف مخبأة في مبنى مكتب والدها أوتو فرانك. بعد عامين، تعرضت المجموعة للخيانة وتم نقلهم إلى معسكرات الاعتقال. وبعد سبعة أشهر من إلقاء القبض عليها، توفيت بالتيفوس في معسكر الاعتقال بيرغن بيلسن، في غضون أيام من وفاة شقيقتها، مارغو فرانك. والدها أوتو، هو الناجي الوحيد من بين المجموعة، عاد إلى أمستردام بعد الحرب ليجد أن مذكراتها تم حفظها، وأدت جهوده إلى نشرها في العام 1947. وترجمت عن لغتها الأصلية الهولندية ونشرت للمرة الأولى باللغة الإنجليزية في العام 1952 بعنوان يوميات فتاة شابة.
اليوميات التي أعطيت لآن في يوم عيد ميلادها الثالث عشر، تروي حياتها من 12 يونيو 1942 حتى الأول من أغسطس/ آب 1944. ترجمت إلى لغات كثيرة، وأصبحت من أكثر الكتب قراءة في العالم، وكانت أساساً للعديد من المسرحيات والأفلام. عرفت آن فرانك بجودة كتاباتها، وأصبحت واحدة من أكثر ضحايا الهولوكوست شهرةً ونقاشاً.