صدر أخيراً عن مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع في البحرين، كتاب "فضة... التجربة العمانية" للفنانة العمانية التشكيلية سميرة اليعقوبية، وذلك بدعمٍ من مجلس البحث العلمي ضمن البرنامج الوطني لدعم الكتاب الذي ينفذه النادي الثقافي. الكتاب يتكون من 215 صفحة من الحجم الكبير، اشتمل على أربعة فصول تمحورت حول الإبداع وعملية التوليف بالخامات في الحلي، والهوية العمانية في تصميم الحلي، وتجارب ميدانية وملاحق متنوعة.
تحدثت الكاتبة في الفصل الأول عن الإبداع وعملية التوليف في الحلي، من خلال التعريف بالإبداع ومقومات التفكير الإبداعي عبر خاصيتي الطلاقة والمرونة، منطلقةً إلى تفصيل مصادر الإنتاج الإبداعي، مخصصةً مساحةً جيدة لعلاقة التوليف بالتفكير الإبداعي، مستشهدةً بنماذج من تصاميم الحلي العالمية التي قامت على فكرة التوليف. بعدها تغلغلت في سبر أغوار الإتجاه نحو الإبداع في تصاميم الحلي، ويجد القارئ لذته في المزج اللطيف بين الكتابة الإبداعية الخلاقة والفن الحرفي الرشيق.
في الفصل الثاني الذي خصصته اليعقوبية للهوية العمانية في تصاميم الحلي تناولت تاريخية الحلي العمانية ضاربة في جذور التاريخ من العهد السومري والبابلي إلى العصر الحديث، مقدمةً نماذج مثيرة من الحلي التراثية العمانية وأبرز سمات هويتها التي قسمتها إلى الزخارف التي نقشت على سطوح قطع الحلي، وتصميم الحلي العمانية، والتوليف بين الخامات البيئية والمصنعة ومدلولها في الحلي العمانية.
الفصل الثالث من الكتاب هو أكثر الفصول متعةً للقارئ لكونه يحمل تجارب ميدانية شيقة، حيث تحدثت الكاتبة بإسهابٍ وتفصيل حول تجربتها في مجال التوليف، والتجربة العملية عبر برنامجٍ تدريبي تعليمي، مشيرةً إلى الأسس التي يقوم عليها البرنامج وأهدافه وخطوات التنفيذ. فيما حفل الفصل الأخير بالثراء المعلوماتي والمعرفي في 154 صفحة، وفيه شرحٌ وافٍ ومفصل لكل ما يتعلق بالحلي العمانية وخصائصها ومصادرها من الطبيعة وتاريخيتها ومعالمها باستخدام الصور المكثفة، وهي صور فنية راقية تم توزيعها على خمس ملاحق، خصص أولها لصورٍ من الحلي العالمية ومصادر من الطبيعة، والثاني لنماذج من الحلي العمانية، والثالث لقطع حلي من تصميم وتنفيذ مؤلفة الكتاب، والرابع الحلي التي قام المتدربون بتصميمها أثناء البرنامج، وأخيراً تقنيات وأدوات صياغة الحلي.
الجميل في الكتاب أنه خرج بعدة توصياتٍ مهمة اقترحتها الكاتبة من وحي تجربتها وبحثها ومتابعتها الدائمة لهذا الفن من أبرزها: الإهتمام بفن التوليف في جميع مجالات الفن بدءاً بإدخاله في منهاج الفنون التشكيلية في المدارس انطلاقاً من المرحلة الإبتدائية ذلك أنها تنمي حواسهم وانفعالاتهم وخيالهم، وإقامة عدة دورات تدريبية حول فن التوليف وكيفية التعامل مع الخامات واستخدامها في مجالات الفن المختلفة التي تكسبهم مهارة قيمة في التفكير وحل المشكلات وتمدهم بالخبرات المتنوعة، وابتعاث مجموعة من الحرفيين الشباب إلى بلدان مختلفة أجنبية أو عربية للتعرف على التقنيات والأفكار الحديثة التي تصقل خبراتهم وتضيف على أعمالهم ما يلائم العصر، كما أن دراسة ثقافات الشعوب الأخرى في مجال الصياغة سوف ينمي خبرات الحرفيين ويمكنهم من طرح أفكار مبتكرة تحافظ على الحلي العمانية كمنتج متميز بين الحلي في العالم، واستضافة فنانين تشكيليين ومصممي حلي من بلدان مختلفة يعملون في هذا الإتجاه من قبل الهيئة العامة للصناعات الحرفية والتي تقوم بدور التغذية البصرية لكل مهتمٍ بفن التوليف وعالم الصياغة، ودراسة خواص الخامات من حيث قيمها وتنظيم كتلها التي تساعد في تربية الحواس والتعامل معها في عدة تطبيقات، والاهتمام بالجانب العملي والنظري والدمج بينهما.
توصلت اليعقوبية في نهاية كتابها إلى خلاصة مثيرة مفادها: "ما يُرى في عين الآخرين خامات بيئية أو مستهلكة يراها الفنان قطع ذهبية قيمة تتباهى بها أعماله، بل وتتحدث هي عن قصتها بشاعريةٍ مفرطةٍ لا تحتاج لحظتها سوى إلى عين مشاهد. إن البيئة الطبيعية ثريةٌ بالخامات المختلفة التي تكسب خبرات جديدة تجعل الفرد يقدم على عملٍ فني مبتكر، فكل ما يحتاج إليه هو بيئة متنوعة وخامات لدنة وأدوات مختلفة تقوم كعامل أساسي في إنتاج العمل الفني والبدء فيه، لحاء الأشجار والبذور وسعف النخيل الجاف والحصى والقواقع من خاماتٍ طبيعية تجعلنا نتأمل في أدق تفاصيلها، ونظرة الفنان لها هنا ليست كنظرة الإنسان العادي فهو يمعن النظر فيها كمتعبد يغوص في جمال صنع الخالق ويدرس أدق تفاصيلها ويستشف منها إبداعاته.