العدد 4266 - الإثنين 12 مايو 2014م الموافق 13 رجب 1435هـ

وقفات مع حوار الحضارات والثقافات

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

في دولة البحرين وفيما بين الخامس إلى السابع من مايو/ آيار 2014، أقامت وزارة العدل والشئون الاسلامية والأوقاف وبمبادرة من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، مؤتمر «حوار الحضارات والثقافات: الحضارات في خدمة الانسانية»، وكانت رسالة المؤتمر بحسب ما جاء في الكُتيّب التعريفي للمؤتمر هي «العمل على تفعيل مبدأ التعارف الإنساني لإسعاد البشرية من خلال الحوار الحضاري وتقديم كل حضارة ما لديها من منجزات من أجل إسعاد المجتمع البشري».

وجاءت محاور المؤتمر متوافقةً إلى حد كبير مع رسالته، ولكن الواقع لم يستطع أن ينسجم مع المحاور ولا مع رسالة المؤتمر لعدة أسباب، قد يكون من أبرزها طريقة إدارة الجلسات وكذلك بعض الخلل في التنظيم، ولكن ذلك لا يقلّل أبداً من أهمية المؤتمر، وكذلك من تحقيق أهدافه. ولهذا يبقى الأمل أن لا تتوقف هذه المؤتمرات، وأن تتطور إلى الأفضل لكي تعود بفائدتها على البحرين – أولاً، ثم على العالم ثانياً.

في حفل الافتتاح الذي كان حاضراً فيه سمو ولي العهد وعدد كبير من قيادات البحرين، بالإضافة إلى رئيس اللجنة العليا للمؤتمر الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة، الذي قام بدور كبير في تسهيل أعماله، أُلقيت فيه عدد من الكلمات تركزت حول أهداف المؤتمر، وكان من بين المتحدثين ولي عهد الأردن السابق الأمير الحسن بن طلال الذي ركز على دور الغرب في التفرقة بين طوائف المسلمين -السنة والشيعة- بهدف إضعاف المسلمين جميعاً، ليسهل عليه السيطرة التامة على الجميع! ودعا في كلمته إلى أهمية جمع كلمة المسلمين، والابتعاد عن الحروب المدمّرة التي تفرّق بين الأمم وتدمّر الحضارات. وتساءل: ماذا قدّم العالم للفقراء ومن في حكمهم؟ وفي نهاية كلمته دعا إلى توحيد الكلمة في الداخل أولاً ثم في الخارج.

شخصياً لست أدري هل كان يقصد بالداخل، الداخل البحريني أم الداخل العربي، ولكن أيّاً كان مقصده فإنني أود التأكيد وفي هذه المناسبة التي دعت إلى الحوار بين أتباع جميع الديانات، إلى أن هذا النوع من الحوار لن يكون ناجحاً كما نريد قبل تحقيق الحوار الداخلي بين طوائف الدولة الواحدة، ثم بين الدول العربية والإسلامية! ومن هنا ولعلمي أن جلالة ملك البحرين وسمو رئيس وزرائه، وكذا سمو ولي العهد، حريصون كل الحرص على لملمة ما بقي من خلافٍ بين الدولة وبين المواطنين الشيعة كي تصفى النفوس وتسير البحرين الحبيبة بكامل قوتها، فإنهم سوف يستكملون مسيرة الحوار الداخلي بأسرع ما يمكن. وقد لمست أثناء جلساتي مع عددٍ كبيرٍ من مثقفي الشيعة أن لديهم الرغبة نفسها، والرؤية ذاتها، وهذا يجعل قضية الحوار ميسرةً بإذن الله.

والعرب هم أيضاً يعيشون حالة تشرذم وصراع داخلي في بعض دولهم، ويكفي الإشارة إلى ما يحدث في مصر وسورية والعراق ولبنان وليبيا وغيرها. وانظروا أيضاً إلى طبيعة العلاقات بين دول العرب لتدركوا أن الحوار الحضاري بين دولنا أصبح في غاية الأهمية، لأن تشرذمها جعلها لقمةً سائغةً لأعدائها. ولعل مؤتمر البحرين ينقل تجربته إلى تلك الدول مع عمل آخر جاد في هذا الاتجاه لتقليل الهوة بين العرب ودفعهم لعملٍ يقربهم ويحفظ وحدتهم ويحقق أمانيهم.

الأمير تركي الفيصل تحدث هو الآخر وأشار إلى تجربة المملكة العربية السعودية في الحوار الحضاري، التي بدأت منذ حوالي نصف قرن وفي عهد الملك فيصل رحمه الله، واستمرارها بنفس القوة في عهد الملك عبدالله، وأشار إلى مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الديانات ومقره في فيينا والآمال المعقودة عليه. وختم كلمته بالحديث عن المجازر التي تحدث في سورية والعراق، ودعا إلى العمل على إيقافها فوراً.

المؤتمر ناقش قضايا متعددة ومهمة منها قضايا التطرف وعلاقة التعليم الديني في تعايش أتباع الحضارات، وكذلك خطاب الكراهية وأثره السلبي على أتباع الحضارات. كما تم مناقشة التعددية وحقوق الإنسان والديمقراطية في ظل الحضارات المتعددة وموضوعات أخرى ذات صلة بموضوع المؤتمر وأهدافه. وكانت نهاية المطاف في جلسات المؤتمر جلسة حول «مملكة البحرين ومسيرة التسامح والتعايش الحضاري»، وهذه الجلسة أكّدت ما نعرفه جميعاً عن التسامح وحسن التعايش بين جميع أبناء البحرين الطيبين، وإن كانت بعض الأحداث الأخيرة قد ألقت بظلال داكنة على تلك المعرفة إلا أن المؤكد أن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه بل وأفضل وبإذن الله وفي وقت قصير.

لغة المؤتمر كلها كانت تتحدث عن التسامح والمحبة والتعايش التي يجب أن تسود بين الشعوب على اختلاف أديانها ومذاهبها وأفكارها، ولكن المؤسف أن الواقع كان ولايزال صادماً وفي معظم أنحاء العالم. فالمسلمون يُقتّلون في بورما وفي أفريقيا الوسطى وفي «إسرائيل» وغيرها من دول العالم. وللأسف لا نجد من يوقف هذه المجازر، بل نجد أن بعض رجال الدين يساهمون في التشريع لقتل المسلمين، لا لشئ وإنّما لمجرد أنهم ينتمون لديانة مغايرة! كما نجد أيضاً أن الدول الكبرى تتسابق على صنع الأسلحة ومن ثم بيعها على الدول الأخرى وتشجّعها على الاقتتال فيما بينها لتستمر مصانعهم في صنع آلات الدمار، وكان الأحرى أن تنفق هذه الأموال على الفقراء والمحتاجين، وأيضاً على الصحة والتعليم والبنية التحتية، وعلى نشر مبادئ الأخوة والتسامح الحقيقية بين الشعوب كي نرى تلك المبادئ التي نتحدث عنها كثيراً وفي أكثر من بلد عربي وغير عربي، واقعاً تعيشه الشعوب بشكل حقيقي وليس مجرد كلام يقال هنا أو هناك.

أخيرا لابد من الإشارة إلى أن هناك جهداً كبيراً بذله أناس مخلصون لكي يظهر المؤتمر بالصورة الجيدة التي رأيناها؛ ومن هؤلاء وزير العدل الشيخ خالد بن علي آل خليفة، وكذلك الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة رئيس اللجنة العليا للمؤتمر، والأمين العام للمؤتمر محمد طاهر القطان الذي كان يتحرّك في كل اتجاه ولا يكاد يضع الهاتف من يده. وأذكر أنني كنت أجلس إلى جانبه ليلة وصولي فكان لا يكاد يهدأ من كثرة المكالمات، وكان بعضها من الديوان الملكي حيث كان السيد محمد شيحان يتابع معه باستمرار لمعرفة الترتيبات المناسبة للافتتاح، ومنهم أيضاً مقرّر اللجنة العليا محمد على أحمد، وهناك قطعاً أشخاص آخرون لا أعرفهم كانوا وراء نجاح المؤتمر، فلهم جميعاً الشكر على ما قدّموه لبلدهم وللحاضرين جميعاً مع بلادهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4266 - الإثنين 12 مايو 2014م الموافق 13 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 5:47 ص

      الحضارة هي اسلوب حياة

      فإحقاق الحق لن يتأتى من إشاعة البغضاء وسلب حرية المواطن من تفعيل الاستبداد والتنكيل....حوار كهذا هو مضيعة للجهد لتلميع القبح

    • زائر 4 | 2:19 ص

      عجب فأنت في رجب

      مؤتمر حوار حضارات في البحرين في الوقت الذي لم تدعى اكبر شخصية دينية لشيعة البحرين لهذا المؤتمر؟؟عجب فأنت في رجب.
      يقول الكاتب ان الامير تركي الفيصل تحدث عن تجربة الحوار الحضاري الذي بدأته المملكة السعودية منذ خمسين سنة؟؟منذ خمسين سنة ولا زالت الكتب الدراسية في المملكة فيها الكثير من التكفير لطوائف مسلمة اخرى؟ايضا عجب.

    • زائر 3 | 12:33 ص

      وجهة نظري

      في مقالك خلطت الحابل بالنابل وحاولت ان تمسك العصا من النصف حتى لا تلام والسؤال ما جدوى إقامة مؤتمر في البحرين بأسم حوار الحضارات في الوقت الذي ينزف الدم منذ ثلاث سنوات ولا حوار من اجل ايقافة , اما كان من الاجدى من الحاضرين في المؤتمر ان يضعوا حوار الحضارات جنبا ويشجعون السلطة على الحوار الداخلي الذي استنزف الدم والمال والنفس البشرية , ماذا استفاد شعب البحرين من هذا المؤتمر غير البهرجة الاعلامية التي تريدها السلطة ان تغطي على تجاوزاتها

    • زائر 2 | 10:43 م

      انفض حفل العرس و العريس و العروس غير معنيين بالامر

      ما تأثير من حضر على طوائفهم ؟؟؟ سؤال اذا كانت اجابته Nothing بالتأكيد اهميته بالنسبة للطوائف Nothing فمن من المملكة السعوددية حضر نستطيع ان نقول انه مسموع كلامه عند السلفيين السنة او من من االحضور من الشيعة من له ثقل في الشارع الشيعي؟

    • زائر 1 | 10:37 م

      الاعتراف اولا بأن الحضارة جهد إنساني متراكم

      في عالمنا اليوم الحديث عن حوار الحضارات والثقافات ، جاء نتيجة التفكير في صدام الحضارات ونهاية التاريخ عند الحضارة الغربية ،كما عبر عنه عدد من منظري السياسة الامريكية للحقبة التاريخية القادمة!
      من وجهة نظري ،بأن العولمة وأدواتها والسيرورة التاريخية تتجه الى حضارة إنسانية كونية ، ولن يكتب لأي حوار أو أي جهد وقف تصادم الحضارات والثقافات ،ما لم يتم الاعتراف بإسهام كل الحضارات في هذه الحضارة الكونية ، وإنها جهد بشري كوني متراكم عبر التاريخ يقبل ليقبل في المجتمعات البشرية المعولمة !

اقرأ ايضاً