منذ أن حَكَمَ الإسلاميون «عملياً» العام 1979 بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، والدراسات لا تتوقف عن نقد التجربة «الدينية» أو تقييمها من الخصوم والحلفاء. ثم ازداد ذلك الجدل، مع تعاظم التيار الإسلامي طيلة عقدي الثمانينات والتسعينات، ثم مع وصول الإسلاميين إلى حكم أفغانستان ثم العراق ومصر وتونس وتركيا وإن بدرجات.
وقد أدَّى ذلك إلى تزايد الدراسات التي تناولت الفكر السياسي الإسلامي بمناهج بحثية مختلفة، سواء تجربته في السلطة أو الممارسة السياسية. ومن بين الذين كتبوا في ذلك، الباحث السوري المثير للجدل محمد شحرور، الذي كان قد سَبَقَ كثيرين بدراسات «غير مألوفة» في الشأن الديني.
فكما في كتبه السبعة الماضية، يُثير شحرور جدلاً بكتابه الجديد «الدِّين والسلطة... قراءة معاصرة للحاكمية». الكتاب الذي يعتبر في جوهره امتداداً لأبحاثه السابقة، يستعرض «جدلية العلاقة بين الدِّين والسلطة» الناتجة عن مفهوم الحاكمية.
في دراسته «الكتاب والقرآن» كان مركز الجدل هو في «وصف البنية اللغوية وبيان وظيفتها الإبلاغية في الكلام» بين اللغة والتفكير، وانحصار معنى المفردة في ذاتها لا لغيرها، وبالتالي «إنكار الترادف الذي يعكس مرحلة تاريخية قديمة» كما عُبِّر عنه في تلك الدراسة.
في كتابه الجديد يُعيد شحرور الارتكاز على بُنية جديدة من التفكير والتفسير للحاكمية، منطلقاً في تفريقه للأحكام الصادرة من قول/ فعل/ تقرير النبي (ص) ما بين «مقام النبوَّة» و»مقام الرسالة»، وعلاقتها بقرارات «السلطة والدولة والقتال التي اتخذها النبي».
يقع الكتاب في 480 صفحة من القطع الكبير. وتتوزع مواضيعه على بابَيْن، كل واحدٍ منهما ينقسم إلى ثلاثة فصول، فضلاً عن تفريعات تلك الفصول. في بابه الأول يُناقش موضوع الحاكمية وأطروحاتها الحديثة، وخصائص الرسالة المحمدية بشكل مقارن.
كما يضم الباب الأول، قراءة المؤلف المعاصرة للحاكمية. أما في التفريعات فهو يتناول فكر أبي الأعلى المودودي وسيد قطب وأبي القاسم حاج حمد وفكر الجماعات السلفية، ومفهوم الحكم التشريعي والعقوبات، سواءً في الإسلام أو التوراة أو في شريعة حمورابي، بالإضافة إلى مفهوم الحرام والمحرمات في الرسالة المحمدية والمنهيات وتفصيلها في التنزيل.
في الباب الثاني، يتناول جدلية الدّين والسلطة والطغيان والدولة المدنية. وهو في كل ذلك يستعرض مفاهيم الطاعة والإكراه والحرية وتقييدها عائلياً/ اجتماعياً/ معرفياً فضلاً عن سلطة الدولة. وأيضاً يطرح الطغيان ضمن ستة وجوه وتأثيراته، ثم يأتي لمسائل الدستور والسلطات الثلاث، وسلطة المجتمع والمواطنة ومناقشة مفهوم الولاء والبراء.
يضع شحرور خارطة أولية لعدد من العناوين الموضوعة بشكل أفقي، لكنها متوالية عمودياً: المنطقة السوداء، المنطقة الرمادية، المنطقة البيضاء. تليها المحرمات، النواهي الإلهية، الحلال. ثم الحاكمية الإلهية، الحاكمية الإلهية – الإنسانية، الحاكمية الإنسانية.
بعدها نزولاً يضع الثابت، الإلهي ثابت كظاهرة، الإنساني مُتغيِّر كتشريع، متغير. ثم في الأسفل العمودي يضع الحلال والحرام وتتوسَّطهما أمور متشابهات. بعدها يبدأ في طرق موضوع تلبُّس الدِّين بالدولة والعكس، والنتائج «المأساوية» المتمخضة عنهما.
ضمن الباب الأول حول الحاكمية، ينتقد شحرور أحزاب الإسلام السياسي، ولا يُفرِّق بين اعتدالها وتطرفها. وهو يشير إلى أن هذه الأحزاب اعتمدت في تطبيقها للحاكمية بشكل مؤدلج، على توظيف الموروث من الأحاديث لتسويق مشاريع سياسية خاصة.
لا يكتفي شحرور بنقده الشديد لأحزاب الإسلام السياسي، بل يتعرض إلى مسألة الفقه الإسلامي وضرورة تحرير مكانته الرفيعة من الفقهاء، وجعله ضمن «الإطار الذي يستحقه وهو الإطار التاريخي» كما سماه، عارضاً رؤيته بضرورة الفصل التام بين عمل الفقهاء وعمل السلطة التشريعية، «مما يحقق إلغاء ازدواجية الفقه والقانون» كما يقول.
يتعرَّض المؤلف إلى مسألة الحاكمية الإلهية – الإنسانية، مشيراً إلى أن الجانب الإنساني في الحاكمية وكيف أنه متعلق «بالتشريع لضبط المنهيات وتنظيمها بالسماح أو المنع حسب متطلبات المجتمع» لكنه يتجاوز التقسيمات الطبيعية للأحكام الفقهية، عارضاً تقسيماً جديداً يقوم على الحلال والحرام البيِّنيْن وما بينهما من أمور متشابهات.
يناقش شحرور مقاصد الشريعة كما بيَّنها الشاطبي وهي «حفظ الدِّين والعقل ثم النفس ثم العرض فالمال أخيراً» قائلاً بأن تفسير الدِّين كما يراه هو (المؤلف) يجعل من تراتبية الشاطبي محل جدل، وبالتحديد مكانة العقل، التي إن جاءت ثانية، فهي غير دقيقة، كون العقل سيمنع «عنه كل تجاوز للمفهوم التراثي للدين» على حد وصفه.
كما أن أصل علاقة الدِّين بالفرد كونه يتدخل في حياته عن طريق ممارسته إياه وانقياده له بشكل طوعي، يجعل من الدين لا يملك أداة الإكراه، ويعتمد «فقط على سلطة الضمير» وبالتالي فإن «حرية الاختيار بالنسبة للدين هي قدس الأقداس» كما يقول.
وخلال ذات الباب يدخل المؤلف في مسألة سلطة الدولة في حياة الإنسان الشخصية والعقائدية وينفيها. وهو يريد بذلك أن ينفي علاقة السياسة الشرعية بالدِّين الإسلامي، لأنه لا علاقة له بالرسالة المحمدية، بل هو من اختراع الفقهاء المتأخرين.
ويستطرد شحرور في ذلك إلى أن يصل إلى أن شعار الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة فيها «يحمل مفهوماً تاريخياً متجاوزاً ومغلوطاً» لأنه على حد وصفه «يُلغي عالمية الدين الإسلامي»، وهو خالٍ من «المعنى الموضوعي» مؤيداً أن يتم الانتقال إلى «دولة الوطن والمواطن».
في المحصلة، يشكل كتاب «الدِّين والسلطة» أحد الكتب التي ستلاقي ردود فعل كثيرة ومتباينة، خصوصاً من التيارات الإسلامية. وربما تخضع هذه الدراسة للرَّد وردّ الرد مستقبلاً كونها تمس موضوعات حساسة، تأسست عليها مشاريع سياسية كبيرة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4265 - الأحد 11 مايو 2014م الموافق 12 رجب 1435هـ
متابع
مؤسف أن الكاتب العزيز لا يرد علينا
متابع
على ذكر ايران ، ما قصة الصدام بين الرئيس روحاني و الحرس الثوري ؟ وإلى أين سيؤدي ؟
الدكتور محمد شحرور مفكر عملاق لكن
لكن من المهم لكي يتضح الأمر على القارئ أن ينبهنا الكاتب على أنَّ الدكتور محمد شحرور علوي العقيدة، و غير مؤمن بأن نص غير القرآن ( أي لا يؤمن بالروايات عن النبي صلى عليه و آله و سلم أو أهل البيت عليهم السلام). و هذا يجعل بحوثه و أطروحاته من قبيل الفكر البشري الذي يصيب و يخطئ ؛ لا من المسلمات. فطرحه ليس من قبيل طرح الإمام محمد باقر الصدر أو سيد قطب مثلاً، اللذان ينطلقان من كون القرآن و الروايات النبوية و تعاليم أهل البيت من المسلمات.
متابع (سؤال شخصي يهني )2
وبالتالي ما يقوله المرشد وإن كان (رغبة) لا ( أمرا) هو ما يوافق رغبة المعصوم وفكر المعصوم الذي يصيب دائما، يستفيدون من كل هذا ضد الرئيس روحاني وملف مفاوضاته النووية فيقولون: صحيح أن المرشد لم يمنعك لكنه قال أنه غير متفائل بالمفاوضات وأنها لن تؤدي لنتيجة فبالتالي عليك اتباع ما يوافق رضا المرشد !!.... قرأت خطابا للمرشد عن تحديد النسل يقول فيه : أخطأنا ولم نغير ، هل هناك أمثلة أخرى قال فيها أخطأت؟ وهل كان هو وراء سياسة التحديد؟ وما نتيجة هذا الفكر الذي يقدس المرشد ويعطيه هالة كهذه؟ كيف يجاب عليه؟
متابع ( سؤال شخصي يهني )
هل قال المرشد الأعلى لايران مرة واحدة بعد تسنمه المنصب : أنا أخطأت .... ؟ ( القصة أن هناك اتجاها في ايران لا يقول فقط بأنه لا تجوز مخالفة المرشد وحسب بل عليك ( جلب رضاه ) لتصل إلى كمالك المنشود، ويستدلون بأن رضا المرشد هو رضا المعصوم، لأن المعصوم ( وهو الامام المهدي هنا ) يسدد المرشد وبالتالي ما يقوله المرشد وإن كان (رغبة) لا ( أمرا) هو ما يوافق رغبة المعصوم وفكر المعصوم الذي يصيب دائما .... للقصة تتمة
استعراض جيد و لكن
المقالة حوت الكثير من العناوين ،،،،،
و للعلم ،،،،،،،فلقد كان لكل عنوان من تلك العناوين نصيب من الجدل بين المفكرين الاسلاميين و غيرهم ،،،،،لم يحسم حتى الان،،،،،،،
مع تمنياتنا للكاتب ان يذكر آرائه في المواضيع و لا يكتفي بالسرد
شكرا لك
شكرا على الاستعراض الصباحي الدسم اخ محمد
صحيح
كتب محمد شحرور من العمق بحيث لا تستطيع الا ان تقرأها عدة مرات