من الكلمات المشهورة للكاتب والشاعر والمحامي والقس الانجليزي الشهير جون دوون John Donne (1573 – 1631) قوله «لا يمكن أن يشكل الفرد منا جزيرة مستقلة تماماً بذاتها، بل إن الجميع أجزاء من القارة التي تجمع الكل.» «No man is an island, entire of itself; every man is a piece of the continent, a part of the main.» . وقد أقر حقيقة وهي عدم إمكانية الفرد منا العيش بمعزل عن باقي الأمم والشعوب والتأثر بها، والتعامل معها.
وطبقاً لمفهومنا العميق لهذا المبدأ الإنساني الرحب، فقد حرصنا ومنذ زمن بعيد، على مبدأ الشراكة بين مختلف دول وشعوب العالم، بحيث أن كل ما لدينا من إبرة الخياطة حتى الطائرات والمعدات العسكرية والأمنية، فضلاً عن المأكل والمشرب والملبس، هو إنتاج مختلف دول العالم، من أدناه إلى أقصاه! بل تعدّى ذلك إلى الاستعانة بكل الطاقات البشرية من مختلف بلدان العالم لتعمل لدينا، وتريح مواطني بلداننا! ولنا الفخر في هذا الانفتاح... أليس هذا تطبيقاً لمبدأ الشراكة العالمية التي نادى بها جون دوون قبل عدة قرون!
وضمن مبدأ الشراكة العالمية والانفتاح اللامحدود، وحوار الحضارات، الذي نحن سباقون له، فإنني أتقدّم بمقترح بشأن إنشاء «مركز عالمي لإصلاح ذات البين»، حيث يدرك كل ذي لب حصيف وكل مواطن شريف، وغيور على هذا الوطن المعطاء، ضرورة الدفع بقوة لإنشاء هذا المركز الأممي، الذي سيعود بلاشك بالفوائد الجمة واللامحدودة على بحريننا الغالية، وسيعزّز مكانتها بين الأمم، وسيضعها في سلم أرقى البلدان المتقدمة التي يشار إليها بالبنان في جميع المحافل العالمية!
ولضيق المساحة، لن أخوض في تفاصيل دراسة المقترح، وسأقتصر فقط بوضع المقترح مشفوعاً ببعض الأسباب الوجيهة التي تدعم إقامته، مع عرض لبعض الأمور التي يعتبرها البعض من المعوقات لهذا المشروع الضخم، الذي سيحقق حتماً نقلةً نوعيةً لبحريننا الغالية، وسيضعها في مستوى مرموق تنافسه أرقى الدول.
لنقف أولاً عند مصطلحات اسم المشروع المقترح حتى تتضح الصورة، فكلمة «مركز» تعني مؤسسة متخصصة، وهي الجهة المنظمة. أما عن صفة «العالمية» فذلك لأن الرقعة الجغرافية لعملها سيشمل العديد من الدول وذلك بفتح فروع عديدة للمركز الأم في جميع دول العالم وفق الخطة الاستراتيجية. أمّا عن مصطلح «إصلاح» فيقصد به التقويم والتحسين إلى الأفضل بما يتوافق مع المواثيق والأنظمة الدولية، أما «ذات البين» فهي تعني المختصمين، وتشمل نواة المجتمع كالأزواج، وكذلك الجماعات والأثنيات والطوائف المتخاصمة فيما بينها، وفي وقت لاحق نطمح إلى أن تشمل خدماته حتى الدول المتنازعة فيما بينها.
أما عن أهداف «المركز العالمي لإصلاح ذات البين»، فهي بحق في غاية النبل، ويمكن تلخصيها في الإسهام بشتى الطرق لتغيير الواقع المزري الذي تمر به المجتمعات من مشاكل مختلفة. ويتم ذلك بطرق شتى، ابتداءً من النصح والإرشاد إلى التدخل القضائي (وقد يحتاج الأمر أحياناً إلى التدخل العسكري) لحل الخلافات والخصومات والمنازعات، سواءً الأسرية منها أو الناتجة عن السلوكيات الخاطئة مثل تعاطي المخدرات أو المشاكل المالية، أو مشاكل الاستئثار بالثروات أو الوظائف العامة، أو فيما يخص النزاع على السلطة أو الحدود... إلى آخره من مشاكل لا يتسع المجال لحصرها.
وفيما يخص المعوقات التي قد يعتقد بعض المتشائمين من البشر أنها ستقف حجر عثرة في سبيل تحقيق هذا المشروع العالمي، فيمكن تلخيصها في ثلاثة أمور: الجانب المالي، والعنصر البشري المتخصص، والعوامل اللوجستية. أما بالنسبة للجانب المادي، فيحق لنا التساؤل، هل سيبخل المعنيون في السلطة التنفيذية والتشريعية على إنفاق بضع مئات من الملايين على هكذا مشروع من شأنه أن يجلب لبلدنا الحبيب السمعة العالمية العظيمة؟ بالطبع لا وألف لا. فمتى وقف أعضاء برلماننا العتيد ضد رغبة السلطة التنفيذية؟ وهو أمرٌ يُحسب لهم، وسيسجله التاريخ بحروف من ذهب!
وفيما يخص الكوادر البشرية المدرّبة، فإن هذا المركز العالمي، سوف يسهم في حل بعض مشاكل البطالة في العالم، من خلال توظيف المختصين في هذا المجال، والذين سيحصلون على مزايا عظيمة، من ضمنها أنهم سيحظون بشرف الحصول على الجنسية البحرينية. أما بالنسبة للنواحي اللوجستية، مثل من سيقوم على هذا المشروع، فالمقترح أن تقوم عليه وزارة حقوق الإنسان، وذلك لأنها تمتلك الخبرة الكافية في مجال حقوق الانسان المختلفة، فهذا هو مجال عملها، كما أنها وبعد إناطة الكثير من المهام التي كانت تقوم بها إلى وزير آخر، فمن المتوقع أن تكرّس جل وقتها لهذا المشروع العالمي، كما ستتيح لها زيادة أعداد منتسبيها، حصرياً ممن يرتضيهم المسئولون بالوزارة!
وفيما يخص فتح مراكز وفروع في مختلف دول العالم والحصول على تراخيص لذلك، فالأمر ستحله شركات العلاقات العامة التي لن تكلف أكثر من بضعة ملايين من الدولارات الأميركية.
إن هذا المشروع العالمي سيضع بلاشك الحبيبة حقاً، في مصاف الدول العظمى... فمتى سيرى النور؟
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"العدد 4265 - الأحد 11 مايو 2014م الموافق 12 رجب 1435هـ
مقاله مميزة
بارك الله فيك وبارك الله في قلمك وبارك الله في فكرك النير
شكرا يادكتور
مقالة بنيت على المفارقة العجائبية: لتظهير المنطق الذي يحكم عقلية الأنظمة التي يهمها سوى تزييف الواقع وخداع الرأي العام الحلي (....) والخارجي عبر الشعارات الجوفاء والمؤسسات الشكلية.
مركز محلي وطني لإصلاح ذات البين قبل المركز العالمي
أستاذي الكريم محمد، أول الأولويات لإنشاء المركز الوطني لإصلاح ذات البين هو محاربة التكفير! فمطلوب من علماء السنة و الشيعة الاستعداد لإصدار البيان في حرمة تكفير أي من الطائفتين.
سلممت يدك يادكتور
سلمت يدك يادكتور .. كوميديا سوداء جميلة وتصويب موفق وسام
شر البلية ما يضحك
نعم شر البلية ما يضحك. اختزل المقال الكثير من الامور الغريبة التي تجري في وطننا من تهميش لانسانها ومن ضياع ثروتها وتبديدها على تحسين صورة البلدة بمختلف المكياج والرتوش التي لا تمس الجوهر، ولكن فقط تغطي على القبح الذي تعيشه، وان المواطنين هم الضحية. وما ادراك ما البرلمان الذي لا يمثل الشعب، وهو بصام. ضحيح انه لم يقف يوما فيما تطرحه الحكومة. برلماننا متميز وفريد من نوعه، فهو لا يمثل الشعب. أحسنت يا أخي العزيز.
مقترح ممتاز
ارى انه ليس بالبعيد ان يأخذوا بهذا الاقتراح، فمال الشعب هو مباح لهم وليس هناك رقيب أو حسيب على الميزانية
مقال ساخر
لكم جزيل الشكر والتقدير على هذا المقال المميز، الذي تناول عدة أمور، فهذا هو وقعنا المؤلم.