العلاقة بين البحرين وإيران في فترة الدولة الصفوية تعتبر من المراحل المهمة في تاريخ البحرين، كما أن انعكاساتها لازالت قائمة حتى اليوم. العلاقة بين إيران والبحرين تمتد لآلاف السنين بحكم الجوار الجغرافي من جهة، وبحكم التاريخ العريق للبلدين والأهمية التاريخية لكليهما.

العلاقة مع إيران كانت تختلف من فترةٍ لأخرى باختلاف الأزمنة والظروف السياسية الحاكمة لسلوك كل دولة، ولكن، مع قيام الدولة الصفوية في إيران، تبدو العلاقة أكثر اتساعاً مع دخول التقارب المذهبي في حساب البلدين لأول مرة.

ارتبط تأسيس الدولة الصفوية بإعلان التشيع مذهباً رسمياً في إيران العام 1501م. هذا المعطى المذهبي الجديد مثل انعطافةً مهمةً في علاقة إيران ودولتها الصفوية الفتية مع البلدان والمناطق المعروفة بتشيعها كالنجف وكربلاء وجبل عامل والبحرين والقطيف. أضحت الدولة الصفوية كدولة حاضنة لكل المنتمين لمذهبها الرسمي كما كانت الدولة العثمانية بالنسبة لأتباع مذهبها الرسمي. مع تصاعد الصراع المذهبي والسياسي بين الصفويين والعثمانيين في بعض فترات العلاقة بين الدولتين، بدت العلاقة بين الديني والسياسي متداخلةً، وصارت الحدود المذهبية والدينية أقوى من الحدود الجغرافية. فمن ينتسب لمذهب الدولة العثمانية صار يشعر بالانتماء لها حتى لو كان يسكن في الحدود الجغرافية للدولة الصفوية نفسها، والحال نفسه مع الدولة الصفوية ومن يتبع مذهبها. وهذا، كما يبدو، أحد أسباب سعي الدولتين لفرض المذهب الرسمي الواحد والتخلص، بطريقة أو أخرى، من المختلفين مذهبياً.

الانتماء المذهبي إذاً، كان هو الطاغي وخصوصاً مع بدائية تحديد الإطار الجامع للدولة في تلك الفترة، التي لم تكن حدود الدول قد حفظت بعد، إذ لازالت الدولة العثمانية، وكذلك الصفوية، تخوض معارك شرسة للاستيلاء على مناطق جديدة.

استيلاء الدولة الصفوية على البحرين العام 1602 لم يكن كسابقاته، فما يجمع إيران والبحرين لم يعد الموقع الجغرافي المتقارب فحسب، وإنّما أضيف إليه المذهب الديني. في هذه الفترة، تبدو البحرين بعمقها وعراقة الانتماء فيها لمذهب أهل البيت في موقع متقدم، من الناحية العلمية الدينية، على الدولة الصفوية الحديثة العهد بهذا المذهب. لا يعني ذلك أن التشيع كان جديداً على إيران، فمناطق متعددة مثل قم والري وكاشان وغيرها كانت تقطنها مجموعات شيعية قديمة، ولكن مع اتساع مساحة الأرض الخاضعة لسيطرة الدولة الصفوية واعتمادها المذهب الشيعي على عموم البلاد، جعلها في أمس الحاجة للاستفادة من علماء مذهب أهل البيت ومن ضمنهم علماء البحرين. لذلك، يمكن القول أن علماء البحرين ساهموا في نشر مذهب التشيع لأهل البيت في إيران في تلك الفترة، حالهم في ذلك كحال علماء العراق وجبل عامل.

في المقابل، يمكن القول بأن الدولة الصفوية باستقطابها لعلماء البحرين بالإضافة للعلماء الآخرين، ساهمت في خلق الأجواء التي سمحت بتطور مدارس الفقه (بين الأخباريين والأصوليين) في تلك الفترة، وهو الأمر الذي انعكس بشكل أو آخر على علماء البحرين. يُضاف إلى ذلك، فإن الارتباط السياسي بالدولة الصفوية وفّر لبعض علماء البحرين فرصة العمل في المؤسسات الدينية التابعة للدولة سواء داخل الأراضي الإيرانية أو في البحرين نفسها (التي أصبحت تحت الحماية بعد طرد البرتغاليين في 1601م)، ما أتاح المجال لتجربة العمل الإداري والمؤسسي في تلك الفترة.

ثم إن اعتماد الدولة الصفوية على ثنائية القيادة السياسية والدينية، المتمثلة في الشاه وشيخ الإسلام، منح علماء الدين سلطات واسعة طغت في بعض الأحيان حتى على سلطات بعض المؤسسات السياسية. هذه الثنائية، ونتيجة لارتباط البحرين بإيران في تلك الفترة، انتقلت للبحرين وتولى بعض علماء الدين مسئوليات مشيخة الإسلام بما تحويه من صلاحيات واسعة. هذه التجربة التي عاشها علماء البحرين سمحت ببروزهم، بشكل أكبر من السابق، على مستوى قيادة المجتمع ومنحتهم نفوذاً لا يستهان به.

تأتي أهمية دراسة علاقة البحرين بالدولة الصفوية لكونها لم تعد تاريخاً صرفاً وإنما حاضراً يلامس قضايا شائكة ومعقدة وضبابية بحاجة إلى استكشاف ووضوح. التاريخ الصفوي المثقل بكل ملابساته والاتهامات الموجهة إليه صار يجتر اجتراراً ويظلل أية محاولة لفهم العلاقة الحالية بين البحرين وإيران، خصوصاً منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران العام 1979. ومحاولة فهم الدولة الصفوية وعلاقتها بالبحرين أضحت من الضرورة بمكان لكونها تكشف عن طبيعة وخلفيات وحدود التقارب المذهبي، خصوصاً في ظل تعقيدات الظرف الراهن وتصاعد الخطاب الطائفي.

أسئلة كثيرة وكبيرة قد تطرح هنا: ما هي طبيعة العلاقة بين الديني والسياسي في الدولة الصفوية؟ هل فعلاً كانت الدولة الصفوية تحظى بدعم الفقهاء؟ وما موقفهم من سياساتها؟ هل يمكن وصف الدولة الصفوية بالدولة الطائفية؟ هل قامت كردة فعل على الدولة العثمانية؟ ما هي انعكاسات قيامها على مجمل من ينتمون لمذهبها الديني في العالم الإسلامي؟ ما هي حدود العلاقة بينها وبين البحرين في تلك الفترة؟ هل كانت العلاقة مذهبية ثقافية أم تعدّت ذلك إلى علاقة سياسية؟ أين حدود الوطن في كل ذلك؟ هل الانتماء للوطن يتعارض مع العلاقة التي كانت قائمة مع الدولة الصفوية؟ هل إيران اليوم تمثل امتداداً للدولة الصفوية؟ لأي مدى ساهمت الدولة الصفوية في تطوّر مفهوم ولاية الفقيه؟ ما هو تأثير مدرسة جبل عامل على المؤسسة الدينية في الدولة الصفوية وفي البحرين أيضاً؟

للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها، هناك حاجةٌ لفهم الدولة الصفوية وفهم البحرين نفسها في تلك الفترة والعلاقة التي كانت قائمة بينهما. يُضاف إلى ذلك، هناك حاجةٌ ماسّةٌ أيضاً لفهم الإطار الزمني الذي قامت خلاله هذه الدولة. ومما تجدر إضافته هنا أيضاً، أن مذهب التشيع لأهل البيت سابق لقيام الدولة الصفوية بأكثر من سبعة قرون. وهي دولة تبنته وعدته المذهب الرسمي ولكنها، بكل تأكيد، ليست المذهب نفسه ولا يمكن أن تحسب أخطاؤها عليه. تلك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى تروٍّ في إجابتها.