العدد 4263 - الجمعة 09 مايو 2014م الموافق 10 رجب 1435هـ

قاسم حدّاد في «سماء عليلة»... نصوص الحيوية

في طبعتها الثانية للعام 2014، تصدر نصوص «سماء عليلة» للشاعر البحريني قاسم حدّاد، عن «دار مسعى» في 104 صفحات.

اتبع فيها حدّاد - شكلاً - نصوص الهايكو، ولن تفاجأ باكتناز فقرات النصوص بالشعرية الرهيفة والحادّة معاً. تم ترقيم النصوص/ الفقرات... متوزعة على 284 نصاً.

كأنما في الهدوء... الاستقرار؛ ليس بالضرورة في المكان الأول، يكون اكتشاف الذات والتصالح معها والدخول في حال استقرار غير خادع، يترك أثره على النص والتجربة. هل هي تجربة حدّاد الأولى؟ لا، تجدها متوزعة متناثرة في عدد من إصداراته الشعرية والنثرية.

تجربة اختزال العالم في فكرة. اختزال الفكرة في العالم لا تتيسّر لكثيرين. فقط للذين أوتوا نصيباً وافراً ومبهراً من اليقظة وحساسيتها. الانتباه إلى حركة الإنسان في العالم، وحركة العالم في الإنسان. في معظم أعمال حدّاد لا يأتي الشعر إلا بصفة القابض، لا المكتشف.

يتوغل في معارف شتى... في قراءات متنوعة، ولا ينتظر كثيراً كي يُضفي عليها مسْحة الشعر وقيمته وعمقه. يصدمك الصاعق من ذلك الاختزال:

«جثة حاكمة أكثر ضراوة من وحش محكوم».

ليس لعباً على النقيض. إنه ما يشبه «المِقراب»... الصورة في بعدها لا تكون صورة. يعمل الشعر على تلك الثنائية: القريب/ البعيد. الوحش في صورة ما جثةٌ بما يجترح. لا يكون وحشاً إلا بالقطيعة مع الاستئناس! هيمنة تكاد تسِم الفضاء من حول الناس بتحكّم الجثث بوحشية الذي لا روح لديه يرى من خلالها عذاب الكائنات. برضا وحوش أخرى بمثل ذلك التحكّم! إزاء وحشين/ جثتين في الوقت نفسه!

وبين عالمين... عُمْرين... زمنين يأخذك بذلك التكثيف الذي يولّد الانتباه والصعقة:

«الأحصنة أراجيح الكبار،

ومهْد الطفل لا يكبر معه».

سترى اللعب على الزمن ضمن مقاربات في الرؤية والرصْد... شعْرنة العادي من التفاصيل من حولنا، يأخذ بالعادي يصقله من روحه... من نفاذ بصيرته التي تملّ التلصّص أحياناً، والتفرج أحياناً أخرى. تلصّص فيه وله ما بعده. تتضح هيئة أخرى... تبرز مضامين أكثر ثراء وعمقاً.

تأخذك المجموعة إلى أقانيم شتى. يتركك حدّاد على مسافة تكفي لتبصر إعادة تشكيله للمخلوقات التي ينتخبها مرة بحال من التجلّي، ومرة بعابث مهمته اكتشاف من حوله وما بعده/ من بعده!

«تباً لهذا الليل،

إنه لا يكفي حتى وشاحاً لأحلامي».

ذلك النفاذ لا يقوى عليه إلا الحادّ في تأمّله لا بصره. والرهيف في الوقت نفسه في علاقته بما/ من حوله. تلك الرهافة هي التي تتيح لك القدرة على أن تكون في المركز من كل ذلك، لا الهامش، لا المكمن الذي تضيق منه كوّة الرؤية!

«الباب للفتح، فهو ليس جداراً لتكسره»!

وفي الباب كلام كثير... في الباب أول ولوجنا إلى هذا العالم. باب تراه وآخر يراك. في الشعر أيضاً تدخل من الباب. باب مخيلتك وقدرتك على زرع المسالك الموصلة، ليس لأنك تريد أن تصل. في الشعر لا وصول. الوصول يعني النهايات. لا نهايات في الشعر. إنه ابتداء دائم، واكتشاف دائم، ويقظة دائمة.

وقاسم حدّاد لا يترك الأصدقاء في معظم ما كتب. الأخذ بتلك القيمة إلى منزلة لائقة من الشعر. لائقة بالنفاذ وصقل ما يرى من وهجها وضوئها الغامر.

«دع لأصدقائك نصيب الحديقة في الماء».

والخصوم هناك بتجلٍّ أيضاً: يضيء خصومه ليرى... أو هكذا أحسبه:

«الخصوم نجوم ليلك،

إن أحسنت إيقاظ الضوء في زجاجة صدورهم».

تحفل المجموعة بما يُدهش، بما كنا نظنه عادياً. يلتقطه حدّاد، يصقله بشفرة روحه، بالحاد والرهيف معاً. يبدو لنا سفْر رؤيا آخر ذلك المهمل.

في «سماء عليلة» لن تقف إلا على الحيوية في اللغة وقدرتها المدهشة على الخلْق.

العدد 4263 - الجمعة 09 مايو 2014م الموافق 10 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً