العدد 4263 - الجمعة 09 مايو 2014م الموافق 10 رجب 1435هـ

من أحياء النعيم إلى عيون جنيف

تصوير عقيل الفردان
تصوير عقيل الفردان

تدخل إلى معرض الفنان عباس الموسوي، فيشدك البياض في كل مكان نصاعة وجمالاً ليريك ما أمامه من لوحات فنية اصطفت على الجدران لوحة لوحة، وتقف مشدوهاً أمام أعمال أخرى، هي أيضا اصطفت بطريقة ما لتلفت نظرك، وقد ألقى عيها الفنان بَصمته الخاصة وألوانه الأثيرة. تقف مع الفنان عباس الموسوي فتجد أن الرجل على رغم العمر الفني المديد مازال يتفتق مشاريع متعددة ربما لها بداية كما يرويها لك، لكن المؤكد أنه لا نهاية حتى هذه اللحظة، فالمخيلة حبلى بالكثير والأيام سانحة.

تسأله عن البدايات فيأخذك إلى سرد أثير لديه حيث الذكريات الأولى لمعانقة الألوان، لتجده يفتش في ذاكرته عن الطفل عباس في وسط سوق الخضراوات وهو يكتب باللوز الأحمر والأصفر على الجبس الأبيض. تلك اللوحات الأولى التي ظلت سنين طويلة وظل يتعاهدها بين فترة وأخرى، حيث كانت يد الطفل الصغيرة ذات المخيلة الكبيرة تحفر الجدران وترسم ما تشاء بألوان الفواكه. ويلذ للفنان هاهنا أن يمعن في ربط تلك الرسوم الطفولية وطقوسها بما رآه لاحقاً من رسوم على الجبس في جدران الكنائس.

تسأله عن مسيرته الفنية فيأخذك إلى رحلة امتدت أربعين عاماً «مسيرتي بدأتها قبل المراهقة ومنذ الإعدادية حيث استوقفني الكثير من الأساتذة، والأصدقاء منهم الفنان جبار غضبان، وعبدالرسول أسيري، وحسين درويش الذين شاركت معهم في برامج ومنتديات وملتقيات على الأرض وفوق السطوح. كنا نتنافس على هذه الأمكنة ونقدم فنّاً خارجاً عن المألوف بمخيلة واسعة، حيث كنا نأخذ ما تبقى من طباشير المدرسة ونرسم على الحيطان، والمساحات الفاضية ولا سيما حين كنت في سوق الخضرة، حيث كانت هناك مادة فنية حلوة، بعد الانتهاء من أكل اللوز تعطيك صبغة حلوة ومن الخضراوات والفواكه. وبعض الرسوم بقيت أكثر من 30 سنة ثابتة على الجدران حيث الجص والجبس الذي يمتص اللون، تماماً في أسقف الكنائس».

اعتصمت أسبوعاً

في لحظة أخرى، يأخذك الحديث إلى الفنان الشاب وقد بدت الموهبة تتملك نفسه وبدأ معلموه يلحظون براعته وحبه للفن ويعززون فيه هذه الحساسية الجميلة. حينها أصر الفنان أحمد باقر على أن يؤمن له مقعداً لبعثة فنية في مصر وهناك بدأ الشاب الفنان عباس الموسوي يتعرف على أساتذة الفنون عن قرب ويكتسب منهم هذا الألق الجميل الذي ظل محافظاً عليه، فبرز في كثير من مشاريعه الفنية.

«المرحلة الثانية هي حيث التقيت مع أساتذة نبهوني إلى أن لي مستقبلاً في الفن لما وجدوه من قدرة لدي على العطاء. وفي المعهد العالي للمعلمين اعتكفت أسبوعاً واحداً حتى تم تغيير تخصصي لأكون مدرساً لمادة الفن. وكانت أمنية أستاذي الفنان أحمد باقر أن ألتحق بعالم الفن، فعمل على أن أحصل على أول بعثة في الفنون في البحرين، وهذه محطة ثانية. اخترت القاهرة لما فيها من علم وتاريخ ومتاحف ومعارض وأساتذة كبار درسوا على أيدي عمالقة الفن في العالم في السبعينات. هذه خمس سنوات قضيتها في الفن، وبالإضافة إلى الرسم تخصصت في هندسة الديكور، وهو عالم واسع في الحياة برز في التصاميم والمشاريع التي قمت بها لاحقاً. هذه الأشياء حررتني من قيود والتزامات كثيرة، ومنحتني نظرة ثاقبة تحمل الكثير وتكسر من الرتابة والروتين. وحتى تكون فناناً معطاء وفنك متميزاً لا بد أن تمر بهذه المرحلة وهي بناء شخصيتك وأن تكون لك بصمتك وأسلوبك في الفن الذي يشار إليه وقد كان لي ذلك ولا سيما في الطبيعة التي ألهمتني وما زلت أحصل منها على طاقتي أستخلص منها ما أريد.

مرحلة فارقة

وتسأله عن أهم المشاريع الأثيرة لديه والتي يعتز بها فيأخذك من حكاية نجاح إلى أخرى، مبتدئا بتأسيس جمعية البحرين التشكيلية «هذا المشروع الممتد الذي كان مرحلة فارقة وخرَّج فنانين واعدين متمرسين يقدمون فنّاً جديداً مغايراً عمن سبقهم من أساتذة».

ويضيف «بعد ذلك أسسنا مدرسة البحرين للفنون الجميلة داخل الجمعية، ونادياً عالميّاً للتصوير الفوتوغرافي، وفنانونا حصدوا فيه أكثر من 100 جائزة عالمية».

مشروع السلام

لعل أهم المشاريع الفنية التي تأخذك إلى مدى واسع، وأفق مفتوح لدى الفنان هو مشروع السلام الذي يتحدث عنه الموسوي بكل فخر واعتزاز، حيث يشير إلى أنه «جاء بعد النظر للمعاناة الكثيرة التي تمر بها المنطقة من حروب وويلات، ولأن البيئة كانت عاملاً مهمّاً لاستلهام الفنان، وهي المكان الجميل الذي لا بد أن نتعايش فيه، وهي مستقبل أية أمة على هذه الأرض. وهناك أماكن كثيرة تشوهت وهدمت وهجر أهلها والسبب عدم الحفاظ على هذه البيئة العظيمة التي منحها الخالق هذه الأرض الغنية التي أصبحت بوراً وصحراء ناشفة من المياه. وبما أن البيئة إحدى همومنا ولما حصل من حروب أثرت على بيئتنا، وسماؤنا صارت ملوثة ودخلت علينا أمراض جديدة في الخليج، فنحن كفنانين لابد أن نقدم شيئاً زكاة لهذه الأرض فاتخذنا عنوان «السلام» رسالة كونية شاملة شارك فيها فنانون يأخذونها بأيديهم إلى بر الأمان والطمأنينة، وإلى مستقبل آمن لنحصل ولو على قليل من هذه المجموعة التي غرسنا فيها هذه المعاني لتكبر معهم. اخترنا 200 يوم كعد تنازلي ينتهي بالعام 2000 ووظفناه توظيفا جميلاً ابتدأنا من البحرين وكوّنا له ورشاً في جمعية البحرين للفنون التشكيلية والمدارس الخاصة والحضانات، وذهبنا في أهم مراكز البحرين عند القلاع والبحر والجزر، وكنا نتكلم عن نظافة البيئة، وسافرنا بهذا البرنامج الذي يلف العالم ويحمل معه رسالة السلام، فزرنا السعودية والصين وموسكو ووصلنا قلب جنيف، حيث مقر الأمم المتحدة، ومازلنا على موعد لزيارة نيويورك.

العودة إلى القرية

من العالمية تأخذك مشاريع الموسوي إلى المحلية مرة أخرى، حيث القرية لا تبارح عينيه سواء في لوحاته التي تمتلئ بألوان الأسواق أو في مشاريعه الناجزة.

يتابع «كان مشروع السلام حافزاً لنا وكانت وسائل الإعلام تقدم إلينا الدعم والمتابعة إلى أن ظهرت برامج كثيرة ومشابهة وصار مشروعنا أحد الروافد التي تصب في المجتمع، ورأينا الرسوم على الجدران بما حرك المياه الراكدة. ومن المحطات المهمة أنجزنا بيوت قلعة البحرين حيث اعتكفنا هناك لمدة سنتين وجمَّلنا المكان، وغيرنا من مفهوم القرية الصغيرة المهملة إلى قرية جميلة نظفها الأهالي وشاركتنا مختلف الوزارات في وسائل السلامة والبلديات. هذه البيوت رسمنا عليها من أجل أن يشارك الأهالي في خطة كبيرة للاهتمام بالمناطق التراثية».

العدد 4263 - الجمعة 09 مايو 2014م الموافق 10 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً