في شارع الملازم الأول محمد بن عرفة بالعاصمة الجزائرية، يقع مبنى وزارة المجاهدين! اسم الوزارة يبدو غريباً لغير الجزائريين، مدفوعاً بالتساؤل عن كُنهِ المجاهدين التي تعنيهم الوزارة، في لحظة اختلطت فيها المسميات ومصاديقها في الوقت ذاته.
الحقيقة، أن وزارة المجاهدين الجزائرية، هي معنية برعاية «شريحة المجاهدين» و«ذوي الحقوق» الذين قاتلوا في الثورة الجزائرية، ضد المستعمر الفرنسي، وأيضاً مَنْ كان منهم في الإسار، ومتابعة «الخدمة العمومية الخاصة للتكفل بهم على جميع الأصعدة، والرقابة والمتابعة لمختلف المشاريع»، حسبما جاء في التدوينات الإعلامية الرسمية.
وعندما نتابع نشاطات الوزارة، سنرى أنها لا تترك مناسبةً إلاَّ وتحييها متبوعة بمشاريع على الأرض مع توزيع للعطايا، كما جرى الشهر الماضي في ولاية باتنة، خلال الاحتفال بذكرى الشهيد مصطفى بن بوالعيد، حيث وُضِعَ حجر الأساس «لبناء قاعةٍ للمحاضرات والنشاطات بهذه القرية على أن يتم إنجازها وفتحها للشباب العام المقبل»، وتسمية الحدائق والأحياء بأسماء الشهداء كما جرى في ولاية بومرداس.
نحن الآن في العام 2014. والثورة الجزائرية كانت قد انطلقت في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1954، أي أننا نتحدث عن ستين عاماً ماضية. ومنذ استقلال الجزائر في يوليو/ تموز العام 1962 فإن الحكومات الجزائرية لا تخلو من وزارة المجاهدين، وعلى رأسها وزير ولها موازنة ضخمة، اعترافاً من الدولة بحقوق المضحين وبأبنائهم وأحفادهم، وتقديراً للدماء التي قدموها للقضية.
وربما كان شكل الدَّعم المقدَّم قد سَبَقَ الاستقلال أيضاً فضلاً عن حاضرنا، حين كانت الرعاية إبَّان الثورة تشمل عوائل الشهداء والجرحى، بل وإقامة كيان اجتماعي وسياسي وقضائي حاضن لهم ومدافع عنهم. وربما ذُكِرَ كثيرٌ من ذلك في الملتقى الوطني حول القضاء إبان الثورة الجزائرية، والذي تم نشر وثائقه بين دَفَّتَيْ كتاب، ونُشِرَ في الأسواق.
هنا، يجب أن نتوقف أمام هذا الأمر. فأولاً، ومن باب ولا تبخسوا الناس أشياءهم، فإنه يُحسَب للجزائر أنها فَعَلَت ذلك ولم تعتبر مواطنيها خلال الثورة، مجرَّد وقود واجب الاستهلاك في المعركة الوطنية الكبرى، أو اعتبار تضحيتهم أمراً مشروعاً لكنه عادي.
ثانياً، يعطينا هذا الأمر، فرصةً للتأمُّل في طريقة الإدارة الثورية السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية، التي لا تستغرق في المطلق، فتنسى التفاصيل، التي يتشكَّل منها ذلك المطلق بالأساس، فتقيم كافة الأساسيات التي يتصلَّب عليها عود الحركة العامة للصراع، فيبقى أمده ممتداً وقادراً على النهوض متى ما تعثر لسبب أو آخر، مع الفارق بالتأكيد ما بين الحالة الجزائرية وغيرها من الحالات.
فالثورات، والحركات السياسية، القائمة على المواجهة المفتوحة، لا يمكنها الاستمرار دون النظر إلى مثاقيل الأشياء، ومن بينها مثاقيل البشر أنفسهم، وبالتالي تتحرك وفقاً لطاقتهم لا وفقاً لما يخطه القلم على القرطاس. فـ «المثالي يرى الجنة، والواقعي يرى الجنة والثعبان» كما كان يقول الشاعر الألماني كريستيان فريدريش هِبل.
عندما يبدأ قائدٌ سياسي، أو جوقةٌ من السياسيين في تحريك واقع قائم، باتجاه المواجهة، يجب أن تكون لديهم عدَّة المسير وزاده ودواؤه ودابته. دون ذلك، يصبح الشعار كبرميل مثقوب القاع، ينتظر الريح كي تصفر في جوفه، ويصبح الضحايا مجرَّد أجساد، شُوِيَت فاحترقت دون ذكر. فالشعار يتثاقل في أن يصبح قضية، والضحايا في أن يصبحوا قوة.
أتذكر حديثاً للدكتور خير الدين حسيب يصف فيه الفروقات بين معارضي منتصف القرن وبين المعارضين الآن (على الأقل في العراق وسورية حسب مشاهداته التي عايشها) هو أن المعارضين السابقين، ينتمون في أغلبهم إلى عائلات ميسورة، وبالتالي فهم وإذا ما تعرضوا للاضطهاد، لن يكونوا في حاجةٍ للدولة ولا لمالها ولا لخدماتها، وسيواصلون كفاحهم السياسي ضدها وفي سبيل قضيتهم، دون تعب، نظراً لاستقلالهم المالي. أما معارضو اليوم، فهم في أكثرهم، ينتمون إلى الطبقة الفقيرة أو المسحوقة، وبالتالي فإنهم عادةً ما يكونون في عوز عندما تقوم الدولة بمحاربتهم في أرزاقهم، وهو ما يؤثر على قدرتهم على مواصلة الكفاح، والمواءمة، ما بين المتطلبات الخاصة والشخصية، وما بين مسيرة الصراع، وهو ما يعني حاجتهم «الماسة والضرورية» إلى إسناد ودعم مباشر وعاجل، وعدم تركهم لوقود الشعارات الزائف، التي سيتبخر أمامهم كالسراب.
وربما وجدنا شيئاً من ذلك الأمر في سورية ضمن مشهد دموي مفتوح أكثر من أي مكان آخر. فالذين اختاروا للسوريين من معارضة الخارج الحالِمَة أن يَلِجُوا في معركة السلاح (وليس الحركة المطلبية السلمية) اختاروا لهم الدمار والملاجئ في الفيافي، دون أن يلقموهم شيئاً. ومَنْ كان لديه بيت يؤويه في سورية أصبح في خيمة بالعراء التركي.
لم تستطع المعارضة السورية المسلحة، أن تستوعب هَوْل ما جرى، فعجزت عن تقديم فتات الأشياء لهؤلاء المدنيين، بل إنهم أصبحوا يُلاكون حتى من المسلحين على الأرض، الذين ما برحوا وهو يُصرِّحون بنقمة، على «معارضة الفنادق» كما يسمونها، متهمين إياها بأنها تركتهم دون سند ولا دعم.
أحد أعضاء الوفود الخارجية (الأجنبية) ممن زار مؤخراً العاصمة السورية دمشق وحمص واللاذقية، رأى أن «السوريين لا يفكرون الآن أكثر من حياة يعيشون فيها مع عوائلهم في بيئة مستقرة فهم سئموا من العنف». حتى «أولئك الذين كان لديهم شغفٌ بالإصلاح السياسي باتوا مقتنعين بأن لا شيء يمكن بناؤه قبل أن يتوقف العنف» على حد وصفه.
هذا منطق طبيعي جداً، فروح التضحية عند الإنسان موجودة، لكنها ليست بلا جموح ولا حد، بل هي مرتبطةٌ بأمور كثيرة، ومن بينها الأشياء المتعلقة بحاجات الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4263 - الجمعة 09 مايو 2014م الموافق 10 رجب 1435هـ
في امريكا وايران كذلك يوجد
في الولايات المتحدة هناك ما يسمى بالمحاربين القدامي وفي إيران توجد كذلك مؤسسة تعنى بالمضحين والشهداء والجرحى ولهم امتيازات خاصة
هدا ما تدركه الانظمة الشيطانية
هدا ما ادركته الانظمة الشيطانبة ففصلت من الاعمال واعتدت وسرقت المحلات التجارية وقاطعت شرفاء التجار ووهبت ما ما وهبت مما نهبت