تلقت أليس مجموعة من الدعوات المستعجلة من جزيرة دلمون لحضور مؤتمرات إقليمية وعالمية، متنوعة المواضيع والاهتمامات. فهناك دعوة لمؤتمر انتاج الطاقة، وهناك مؤتمر الأمن الإقليمي، وهناك مؤتمر ريادة الأعمال الدولي، وهناك مؤتمر حوار الديانات العالمي. وكل هذه المؤتمرات متقاربة، إن لم تكن متوازية، وتعجبت أليس، فحاولت أن تبحث في غوغل عن جزيرة دلمون، حجمها موقعها اقتصادها، تقاليدها. كل ذلك في محاولة للإجابة عن سؤال: ما هو الدافع لعقد هذا الكم من المؤتمرات؟
ومما زاد عجب أليس مراجعتها لقوائم المتحدثين والمدعوين. ولعجبها فقد وجدت أنه في بعض المؤتمرات فإن ذات الوجهاء هم الذين يتصدرون المشهد سنة بعد أخرى، في حين أن المدعوين لبعض المؤتمرات متنوعون جداً ويأتون من بلدان متباعدة لكن خيطاً رفيعاً يجمع بينهم بالتأكيد.
كلما قرأت واطلعت أليس على تفاصيل المؤتمرات ومنظمها، وعلى أوضاع جزيرة دلمون ازدادت حيرة. ففي الوقت الذي تعقد فيه هذه المؤتمرات الإقليمية العالمية المتلاحقة، والتي يدعي إليها مختصون من مختلف أصقاع العالم ومن مختلف الملل والنحل والتخصصات، فإن أليس وهي تتقصى أوضاع دلمون، صدمت بأن الجزيرة تمر بأزمة عميقة وتشهد احتقانات يومية، وأخباراً مزعجة عن هجمات ضد الأحياء واعتقالات الفجر ومحاكمات جماعية بل والأغرب نفي مواطنين.
تحفظت أليس على كل ذلك وقالت لابد أن ذلك من تهويل وسائط الإعلام الإلكتروني والاجتماعي «الذي يحوّل الحبة إلى قبة»، أو بعض المنشقين القلائل الذين لا تخلو منهم حتى سويسرا.
أرادت أليس أن تتفحص الأمر بنفسها، فالتجربة خير برهان. وقبلت المشاركة في مؤتمر مادامت تذاكر السفر درجة أولى، والفنادق خمس نجوم، وهناك مكافآت مجزية للمشاركة بأوراق البحث، أو قل الباور بوينت، فلم يعد للأوراق مكان في مؤتمرات هذه الأيام.
المهم ركبت أليس الطائرة وتوجهت إلى جزيرة دلمون، وحال خروجها من الطائرة كان هناك من يستقبلها بترحاب وتوقعت سرعة المعاملات، لكنها صدمت عندما قيل لها انتظري قليلاً فيما كانت المرطبات والحلويات تقدّم لها بترحاب شديد. كانت صدمتها عندما أتى أحد مستقبليها ليخبرها بهمس أن اسمها مدرج على قائمة الممنوعين لأنه سبق لها أن تحدّثت عن دلمون بلهجة انتقادية، لكنه طمأنها أن الأمر سيحل سريعاً، وبالفعل بعد كم ساعة حل الموضوع، مع تنبيهها بأن لا تعيد حماقتها مرةً أخرى، وإلا ستُحرم من زيارة دلمون وجيرانها.
كانت هذه هي الصدمة الأولى لأليس، لكنها عزّت نفسها بأن مثل هذه الأخطاء تحدث. ولأن أليس شكّاكة دائماً، فقد نزلت في الفندق الفخم في جزر الأحلام، حيث عالم من الفانتازيا، وكأنك في هاواي. مضيفوها كانوا مهذبين، ويتكلمون كل اللغات، والمؤتمر جيد التحضير، مطبوعات، سيديات، وبروشورات كلها في ملف أنيق مع هدية أولية.
المشاركون من مختلف أصقاع العالم، والقضايا تجاوزت الكرة الأرضية، لتناول الفضاء الخارجي، والكون المحيط بنا، وطبقة الأوزون. ومن الوهلة الأولى لاحظت أليس أن أهل البلد شبه غائبين عن المؤتمر رغم معرفتها بكثرة الكفاءات الدلمونية، فالمنظمون شركة علاقات عامة غربية، والاستثناء وجود عدد قليل من المتحدّثين من أبناء دلمون، وبعضهم ترأس الجلسات فخرياً. قالت لنفسها: لا بأس! فالعولمة اجتاحت العالم، ودلمون مندمجة في العولمة ولاشك.
دفع الفضول أليس للخروج خلسة من فندقها الفخم، بعيداً عن جزر الأحلام، وشيئاً فشيئاً بدأت المشاهد تتغير. أول ما صدمها نقاط التفتيش الموضوعة عند التقاطعات، وعلى الطرقات السريعة والبطيئة، ودوريات الأمن المسرعة وهي تطلق صافراتها وأضواءها الزرقاء. وما شفع لها هو أنها كانت تحمل بطاقة المؤتمر.
طلبت من سائق التاكسي أن يأخذها إلى الأحياء الداخلية في المدن والقرى، وهالها أن الكثير من الشوارع مغلقة، ومخارج ومداخل القرى والأحياء محاطة بالأسوار الشائكة والكتل الأسمنتية الضخمة، ومخلفات البناء على جوانب الطرقات.
أما أغرب ما شاهدته فهو أن الجدران تحوّلت إلى لوحات فنية تعج بالصور والشعارات والرسومات، وكأنك في متحف مفتوح. سألت السائق عن فحوى هذه الرسوم والشعارات والصور، فتلعثم، وقال لها: سامحيني! فأنت تدخليني في الممنوعات! عمدت أليس إلى تصوير الجدران والحواجز والأسلاك الشائكة، لكن السائق حذّرها بأن لا يلحظها أحد، كما حذرها بشدة من التقاط تصوير حواجز الأمن الثابتة والمتحركة ودورياتهم المسرعة، فاختلست أليس بعض المشاهد، وتظاهرت بالامتثال للسائق.
رجعت أليس إلى فندقها الفخم وإذا الكل مستنفر، وما أن نزلت من التاكسي حتى انهالت عليها الأسئلة: أين كنت؟ أين ذهبت؟ ماذا فعلت؟ بمن التقيت؟ حاولت أليس جهدها طمأنتهم أنها كانت في جولة سياحية في الأسواق التقليدية التي سمعت عنها كثيراً خصوصاً شهرتها في اللؤلؤ والبخور والعطور والملابس التقليدية. لكن حيلتها لم تسعفها إذ لم تشترِ شيئاً من ذلك، وأمام إلحاحهم ردت بالقول: ما أعجبني شيء وكله غالي، لؤلؤ اليابان أحلى وأرخص وأزرق كذلك.
انصرفت أليس إلى غرفتها، وجلست على سريرها وأخذت تسأل نفسها: ما جدوى هذه المؤتمرات مادام المواطنون مستبعدين عنها؟ وما جدوى كلمات التنميق وطمأنة النفس واستبعاد الجدل والنقاش؟ لكنها لم تدرك أنها في جزيرة دلمون، حيث ننعم بمن يفكّرون عنا، ويعملون عنا، ويتعبون عنا... في دلمون السعيدة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4263 - الجمعة 09 مايو 2014م الموافق 10 رجب 1435هـ
شكرا على هذا المقال الأكثر من رائع ... حالة غريبة .... (أي والله مأساة ويجب على المواطن أن شكر ربه عليها)
والذي يصور المأساة التي يعيشها المواطن البحريني، هذه المأساة المضاعفة بمحاولة إقناع العالم بأنه يعيش في مدينة أفلاطون.
دائما مقالتك يا أبو منصور متميزة، الحقيقة أنك كاتب ذو سعة من الخيال وقدرة على التصور والتعبير.
شكرا لك وزادك الله من علمه.
علي مفتاح
كلام جميل يا بو اليس
جميل
جميل جدا.. ممتع ويعكس الواقع المرير
روعة
مقال جميل جدا من استاذنا الغالي عبدالنبي العكري
روعة
روعة يا سيد عبد النبي. من أجمل ما قرأت. شكراً على هذه الكلمات الرائعة
نسيت شي يا ابو منصور
ان محرك البحث يخبرك بان الموقع محظور لمخالفته قوانين مملكة البحرين حتى لو كنت تبحث عن طبخة المحبوس
هل البحرين هي فنادقها ومراقصها؟
من يحاول تغطية الحقيقة بجعل البحرين هي فقط منطقة معينة او فنادق معينة فإنه يقع في الخطأ الكبير وهذا ما اثبتته الأيام
لا يصلح العطّار ما افسد الدهر
الواقع على ارض البحرين لا يسعف من يحاول تغطية الحقيقة، من يحاول عمل ديكور خارجي لجدار متهرئ ومتهدم لن يصمد في ظل ابسط العواصف
رائعة
رائعة هذه الاليس...... شكرا لك
لن يطول الأمر
في جزيرتي..
لا تتوقف حيرتي!!
..
فالغريب مكرم
وأنا?!
أنا الغريب بديرتي
..
كل مساحيق التجميل هنا
كل جنات الأرض هنا
لكن ليست لنا!
ما ذنبي? ما جريرتي?!
..
كرامة.. عدالة..
هذه جريمتي
..
وسأظل غريبا في بلدي
ما داموا في سيرتي
..
كل الأجناس هنا، لي
فقط
لأكون غريبا في ديرتي!!
..
لن يطول الأمر مهما طال
ما دامت هنا..
لعبتي
دراجتي
قريتي
و..
مقبرتي!!
ههههه
علاقات عامة و بفلوسنا
شكراً
شكرا استاذنا الفاضل على المقال الظريف الخفيف ونتمنى من اليس ان تصرح وتكتب في اعلام بلدها عن رحلتها الى الدولة الدلمونية وتعرض الصور التي التقطتها بعيدة عن اعين سائق التاكسي
صبااحك أليس
خخخخخخ بس نقاط التفتيش يالعكبري خلك فكاهي وفك رووحك
نصيحتي لك اهتم بنفسك اكثر
مشكلة الأستاذ العكري أنه يعمل بتواضع زائد ولذلك فإن أحدا لا يهتم بأقواله وأنشطته رغم أهميتها البالغة .
ليس عيبا ان تكون جاهلا ولكن العيب الإصرار عليه !
لو كنت على علم بمسيرة الاستاذ العكري الوطنيه والأممية منذ ان كان في المنفى الى الان ولم ولن يستثمرها في المصالح الشخصية مثل ما فعلها بعض المتساقطين من الرفاق لتواريت خجلا مما طلبته منه