رأى إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن العنف والقوة والاستعلاء، والتسلط وإثارة الفتن، وفساد ذات البين، لم تكن طريقاً إلا لمزيد من العنف والصراعات والخصومات ولن تتحقق مصلحة، داعياً إلى النظر إلى بعض الدول والشعوب، فهي لعشرات السنيين لم تجد الاستقرار، ولم تهنأ بالعيش، ولم تجف الدماء، ولم ينعم أي طرف من المتخاصمين، فشلال الدماء والثارات والنزاعات والطائفيات لم تتوقف.
وقال القطان، في خطبته أمس الجمعة (9 مايو/ أيار 2014)، والتي عنونها بـ «داء الأمة فساد ذات البين»، إن: «الدعم الخارجي الخبيث، الذي يسعى إلى تحقيق أهدافه، يتواصل وهو دعم للهدم، وزرع الشقاق، وإضعاف البلاد للسيطرة على مقدراتها وثرواتها وخيراتها، وهكذا في بلاد المسلمين جميعاً».
واعتبر أن العالم العربي أصبح «أضحوكة بين دول العالم، ومثاراً لسخرية الشعوب حولنا، فنحن أمة الإسلام، أمة القرآن، الأمة الواحدة بدينها وعباداتها وشعارها، الأمة التي من واجباتها دعوة الأمم، وتربية الشعوب، ودعوة العالم من حولنا إلى الإسلام والعدل والتعايش والتسامح والتآلف، وبذل المعروف، أصبح بأسنا بيننا شديداً، وأصبح لا يطيق بعضنا بعضاً بسبب خلافات تافهة، وأطماع شيطانية، ونوازع خبيثة ليست من الدين في شيء».
وأردف قائلاً: «في الغرب أو الشرق دول مختلفة الأعراق والأجناس والأديان والثقافات والقوميات والمذاهب والطوائف، غير أنهم يتعايشون مع بعضهم البعض، في أمن وأمان وسلام، يعيشون في بلد واحد أو في عمارة واحدة، وفي حارة ومدينة وبلد واحد، يحتكمون إلى القانون جميعاً، ويعملون من أجل الوطن الذي يعيشون فيه... ونحن قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وخبثت نفوسنا إلا من رحم الله، وساءت أعمالنا، ونسينا ديننا وآخرتنا، ولقاء ربنا، وتركنا الكثير من تعاليم ديننا، فأنزل الله عقوبته علينا، حتى نعود إلى الحق والخير الذي أمرنا به».
وأشار القطان إلى أن الخروج من هذه الفتنة، وهذا الابتلاء، يتطلب القيام بأمور عدة، وهي: «أن نوقن أن ما أصابنا من المصائب والكروب والفتن العظيمة، إنما هو من عند أنفسنا، وبسبب ذنوبنا، وبما طرأ على حياتنا من بُعد عن الله عز وجل، ونسيان للآخرة، وإقبال على الدنيا، والجري وراءها، والانغماس في متاعها».
وتابع «يجب أن ندرك جيداً، حقيقة الحياة الدنيا، وأنها لا تدوم، وأن بعدها موت وحساب وجنة ونار، فلنجعل أعمالنا صالحة، ونياتنا خالصة لله عز وجل».
وقال: «علينا أن نستشعر أن الأخوة والوحدة دين أمرنا الله بها في كتابه، شأنها كالصلاة والصيام والحج، ولها أهمية عظيمة في حياة الفرد وآخرته، فلا نفرط في شأن الأخوة، وعلينا القيام بحقوقها من الحب، والتناصح، وسلامة الصدر، والتعاون، وأن ننبذ العصبية والطائفية والمذهبية والقبلية، بأي شكل وتحت أي مبرر وغير ذلك
رابعاً: يجب أن نستوعب حقيقة بشرية، أن التعايش سمة حضارية، وحقيقة إنسانية، مهما كانت الخلافات والنزاعات، ولن يكون العنف بديلاً عن التفاهم، ولا بديلاً عن الحوار وحل المشاكل وبناء الأوطان وازدهارها».
وأكد أن «كلنا ينشد الإصلاح، ويحارب الفساد والمفسدين، ونشترك جميعاً في بناء هذا الوطن العزيز ملكاً وحكومة وشعباً ونواباً، كل حسب مجاله وتخصصه. وإذا كان الحال كما ذكر فعلينا المطالبة جميعاً بحكمة وتعقل بكل ما نريد بلا إفراط أو تفريط، عن طريق القنوات المشروعة، في المجالس النيابية والشورية والبلدية، أو عن طريق الحوار الذي دعا إليه جلالة الملك حفظه الله، ولتكن كلمتنا واحدة، لتجتمع القلوب ولا تتشتت الجهود، وتضيع المكتسبات والمنجزات التي تحققت في الأعوام الماضية».
وطالب القطان بـ «إحياء شعيرة التناصح فيما بيننا، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وقول كلمة الحق، ونصرة المظلوم، والوقوف ضد المعتدي والباغي حتى لا يتمادى في طغيانه. وعلينا أن نسعى جادين للإصلاح بين المتخاصمين على مستوى البيت والأسرة والمجتمع والوطن».
وعن الأمر الثامن قال: «علينا أن نثق بالله بعد ذلك، ونتصل به وندعوه ونتوكل عليه، فبيده كل شيء، وقلوب العباد بين أصابعه يقلبها كيفما يشاء، ومهما خطط البشر، ومكر البشر، وامتلك البشر من مقومات القتل والتدمير، وكثر عددهم وأتباعهم، لن يضروا شيئاً ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، ولن يرضى الله لعباده إلا كل خير وإن ابتلاهم، ولن يحق إلا الحق ولو كره المعاندون، وأمره لا يحجبه حاجب، ولا ترده قوة ولا يعجزه جبار أو ظالم أو متكبر».
وفي مطلع خطبته بيّن إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي أن «من أكبر المصائب التي ابتليت بها هذه الأمة، وفتكت في سواعد أبنائها، وأطاحت برايات مجدها، الاختلاف والشقاق والتفرق، والعصبية المقيتة، والطائفية البغيضة، والتنازع على توافه الأمور، والتخاصم والفجور في الخصومة، وفساد ذات البين على مستوى الأسرة والطائفة والمجتمع والدول والأوطان. وبالتالي ضعفت هذه الأمة، وخارت قواها، وتشتت جهودها، وتعرضت للنكسات والهزائم، وتوقف الإبداع والتطور والازدهار الحضاري فيها». وأضاف أن «الخلاف والتنازع مهلك للشعوب والأمم والأوطان، مفسد للبيوت والأسر، مسفك للدماء، مبدد للثروات... نعم بالخصومات والمشاحنات تنتهك حرمات الدين، ويعم الشر القريب والبعيد. ومن أجل ذلك سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساد ذات البين بالحالقة، فهي لا تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدين، فمن خطورتها أنها تذهب بدين المرء وخلقه وأمانته».
وأكد أن «الإسلام حرص على إقامة العلاقات الأخوية، والوشائج الودية، بين الأفراد والجماعات المسلمة، ودعم هذه الصلات الأخوية بين الأمم والشعوب، وجعل الأساس لذلك أخوة الإيمان، لا نعرة الجاهلية ولا العصبيات القبلية ولا الطائفية، ورسولنا صلى الله عليه وسلم أقام الدليل القاطع على حقيقة رابطةِ الأخوة الإيمانية، وتقديمها على كل علاقةٍ أخرى».
العدد 4263 - الجمعة 09 مايو 2014م الموافق 10 رجب 1435هـ