قد يرى البعض أن مجلس الأمة الحالي (في الكويت) أصبح بلا جدوى، أو أنه غير شرعي، ولكن المشكلة أقدم بكثير، والأزمة أكثر تعقيداً؛ فالمجلس فقد قيمته كحامٍ للدستور والحريات وممارسٍ فاعلٍ للرقابة، ومشرعٍ متسقٍ مع الدستور منذ 1966... هكذا كان.
«المعارضة الانسحابية» ومنها الاستقالة، هي أحد أشكال الاحتجاج القديمة في العملية السياسية، وكانت أشهر تجلياتها هجرة تجار اللؤلؤ إبان حكم الشيخ مبارك الصباح في أواخر القرن قبل الماضي، احتجاجاً على سلوكيات الحاكم... وهكذا كان.
في الكويت المستقلة، الدستورية، إن شئت، كانت أول استقالة احتجاجية هي استقالة رئيس المجلس عبدالعزيز الصقر من منصبه، احتجاجاً على إعاقة بعض النواب والشيوخ لعقد الجلسة سنة 1964 بسبب خلافات حول تشكيل الحكومة، والتي عرفت باسم أزمة المادة 131 من الدستور... وهكذا كان.
ثم جاءت أول استقالة جماعية لستة من النواب احتجاجاً على صدور قوانين مناقضة للدستور، ومع ذلك استمر المسار غير الدستوري غير مكترثٍ بتلك الاستقالة، كان من المفترض أن يكون لها تأثير أكبر... ولكن هكذا كان.
الاستقالة الثالثة، كانت استتباعاً للاستقالة السابقة، فحين استقال النواب الستة، شكّلوا تحالفاً أطلق عليه «نواب الشعب»، لخوض الانتخابات، والتي تمت في 25 يناير 1967، وشهدت تزويراً بالجملة... وهكذا كان.
أعلن 7 من النواب الفائزين رفضهم أخذ مقاعدهم، أي بمعنى آخر، الاستقالة السياسية، لا القانونية، ومن ثم تمت الدعوة إلى انتخابات تكميلية، وأكمل المجلس مدته القانونية المقررة. وكان أسوأ مجلس في تاريخ المسيرة البرلمانية حسب بيان يونيو 1970... وهكذا كان.
منذ ذلك الحين حدثت بعض الاستقالات الفردية العابرة، وتهديد بالاستقالة لم ينفذ. وها نحن نواجه استقالة جماعية جديدة، وهي تأتي في ذات السياق، وإن اختلفت التفاصيل، فهي عادة انعكاس لضعف الأداء الحكومي واستشراء الفساد، ووجود فراغ سياسي حاد، وضراوة كسر العظم بين عدد من أفراد الأسرة من الطامحين إلى السلطة أو حجز دور مستقبلي.
من الواضح أن المجلس فقد دوره الدستوري الفعلي منذ 1966، وتم تأكيد ذلك الفقدان عملياً في تزوير 1967، وحلّ 1976، ثم حل 1986، وما تلا ذلك من عبثٍ طولاً وعرضاً، ولم يتوانَ عن انتهاك الدستور أحدٌ إلا من رحم ربي.
للأسف محاولة التغيير عن طريق إحداث «فوضى خلاقة» لن تحل مشكلةَ أن العملية السياسية صارت عملية انتخابية فقط أو «عرساً انتخابياً»، كما يقولون، فما إن ينتهي العرس حتى ينادى المنادي «صلووح ملووح اللي يدل بيتهم يروح»، أو إن شئت «انتهى الدرس يا غبي»... هكذا كان وهكذا سيكون، إلا إذا تغيّرت موازين القوى، وصار الناس عموماً، حكومةً وشعباً، يحترمون قيم الحقوق والحريات الدستورية. حينئذ فقط نستطيع أن نتحدث عن إصلاح محتمل. ولذا سيبقى باب الديمقراطية موارباً حتى إشعار آخر.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 4262 - الخميس 08 مايو 2014م الموافق 09 رجب 1435هـ
اذا انتم اشتكيتم ماذا نقول نحن
لازلنا ننظر لتجربة بلدكم بعين التقدير مع وجود مثالب كما توضح في مقالاتك لذلك ماذا نقول عن تجربتنا الفريدة ورجال البرلمان هنا هم يسعون لاقالة زميل يختلف في توجهاته عنهم ماذا سيقول التاريخ عنهم
اللعب على المكشوف
لا وجه للمقارنة بين النقيضين والدور المخزي الذي تلعبه الوجوه البرلمانية المحليه و وصف السيدة الفاضلة وزيرة الثقافة لهم سجله التاريخ ووصمه لن تمحيها التصرفات الانتهازية الوصولية المكشوفة