لا ينجح أيّ حوار في أيّ مكان ما لم تسبقه خطوات تهيّئ الظروف والمحاورين من أجل إنجاحه. فالحوار مثلاً بين أصحاب المصالح الأنانية والانتماءات الزبونية لهذه الجهة أو تلك، لا يمكن أن ينتج عنه أكثر من ثرثرة المجاملات.
طرح هذه المقدمة الحذرة مرتبط بما يجري من جنون في عالم اليوم الذي نعيش. فهناك جنون التعامل مع البيئة التي يتفاقم سنوياً تدهورها بسبب الكثير من نشاطات الإنسان الخاطئة الملوثة للبيئة، والتي إن استمَّرت في شكلها وعنفوانها الحالي، فإن الوجود الإنساني على هذه الأرض، ومعه وجود الكائنات الأخرى، سيصل إلى نهايته في المستقبل المنظور.
وهناك جنون القوة والعظمة، وما يتبعه من استعمار واحتلال وقمع للآخر ونهب لثرواته، والذي مارسته بعض الدول الاستعمارية الأوروبية في الماضي باسم تمدين الآخر، وتمارسه أميركا حالياً باسم نشر الديمقراطية، وستمارسه غداً دول كبيرة قوية من مثل روسيا والصين والهند والبرازيل وغيرها باسم مبررات ثقافية أو دينية حسب الحاجة والظروف.
وهناك جنون النظام الرأسمالي العولمي الذي أدخل كل مجتمعات العالم في دوّامة الاستقطاب الحاد الظالم، بحيث تزداد الأقلية الغنية غنى وتزداد الأكثرية الفقيرة المسحوقة فقراً، وبحيث يتضاءل شيئاَ فشيئاً وجود الطبقة المتوسطة التي قامت على أكتافها الحضارات عبر تاريخ الإنسانية الطويل.
وهناك جنون الثقافة العولمية المنتشرة في العالم كانتشار النار في الهشيم، والتي تقوم على الإغراء المجنون للبشرية كلها بممارسة الاستهلاك النَهم لكل شيء مادي ومعنوي، والإرتهان العبودي لمديونية طيلة الحياة من أجل دفع ثمن ذلك الاستهلاك العبثي المتصاعد إلى ما لا نهاية.
وهناك جنون صراعات الأديان والمذاهب والأعراق والقبائل، التي ما إن تهدأ في مكان حتى تشتعل في أماكن أخرى، تؤجِّجها أفكار دينية وإيديولوجية متزمتة مريضة ويقودها رجال سياسة ودين وعساكر وصناعة أسلحة من خلال إعلام سطحي انتهازي بلا روح وبلا قيم.
وفي وطننا العربي يتمثّل هذا الصراع المجنون في مرض الانقسام الطائفي السني – الشيعي المأساوي العبثي، المهدّد لمستقبل الإسلام ووجوده؛ وفي الصعود المذهل لمعتوهي الجهاد التكفيري الذي يلغُ أصحابه في دماء الأطفال والنساء والشيوخ، ويحرقون الأخضر واليابس، كل ذلك باسم دين الحق والقسط والميزان والرحمة والغفران والتسامح.
هناك وهناك من هلوسة الجنون وممارسة الجنون ما يملأ المجلدات، في أغلب عالم اليوم وفي أكثر أرض العرب المستباحة المغلوبة على أمرها. هذا الجنون له مفكّروه وكتّابه وإعلاميّوه ومموّلوه وحماته، ولهم صوت ونشاط يملأ جنبات الأرض. ولأنهم أصحاب القوة والمكانة والوجاهة فإنّهم يكوّنون غالبية من يدعون ليتصدَّروا موائد حوارات الثقافات والأديان والمذاهب والحضارات.
هنا نعاود طرح حذر المقدمة بشكل آخر: هل أن جمع من يخلقون ويفعلون وينشرون كل تلك الأنواع من الجنون مع القلة التي تحاول أن تنآى بنفسها عن الدخول في حلقات ذلك الجنون، هل جمعهم حول طاولات الحوارات المختلفة سيؤدي إلى أكثر من حوار الطرشان الذي لن يكون أكثر من ثرثرة مجاملات وتمنيات وأحلام طفولية وانتهازية ما وراء الأقنعة؟
ما الدليل على ما نقول؟ الدليل هو أن وجود عشرات المراكز والمنابر والمؤسسات في العالم كله، التي تدعوا للحوار، لم ينجح عبر السنين، ولا قيد أنملة، في منع أو تخفيف أو إيقاف عشرات الصراعات سواء في الداخل أو الخارج، وبقيت أغلبية توصيات مؤتمرات الحوارات حبراً على ورق ومادةً للمباهاة.
ذلك أن ما تسمّيه تلك المراكز حواراً بين الثقافات والحضارات والأديان أو غيرها، لم يتعدَّ أن يكون في غالب الأحيان عبارةً عن شعارات سياسية أو صور للعلاقات العامة أو أمنيات لأناس يجهلون الأسباب المعقَّدة لمشاكل وعثرات وجنون العصر الذي نعيش، وبالتالي يعتقدون أن الحلول هي في توجيه دعوة وجلوس حول طاولة.
دعنا نكن صريحين: لن تنجح الحوارات إلا بعد مواجهة ومعالجة ودحر الأفكار والممارسات المجنونة التي تملأ أرض وسماء وبحار هذا الكوكب. بعد أن تدحر المصالح التي وراء ذلك الجنون ويدحر أصحابها والمستفيدون منها، سيكون مفيداً عند ذاك، الدخول في حوارات بين عقلاء في عالم عاقل من أجل التناغم والتعاضد بين مكوّنات البشرية.
ما تحتاجه البشرية والمجتمعات الآن هو الفعل الجماهيري الواعي المستمر المتراكم المتصاعد لإزالة أسباب، ولإيقاف فواجع وجرائم كل أنواع الجنون في عالمنا المعاصر، وذلك تمهيداً لانتقاله إلى عالم العقلانية والعدالة المطلوبتين لإنجاح أي حوار، سواءً بالنسبة للمجتمعات أو بالنسبة للعالم.
لن يكون الأمر سهلاً، ولكنها الحقيقة التي يجب أن تواجه بلا لفٍّ أو دوران، فلقد تعب العالم من كثرة الثرثرة وقلّة الفعل.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 4262 - الخميس 08 مايو 2014م الموافق 09 رجب 1435هـ
ادارة الفعل
الفعل الجماهيري الواعي المستمر المتراكم المتصاعد كيف نحقق هذا الفعل؟
لمادا غاب بعض المفكرين ؟؟؟؟؟؟
السؤال الدي لم يجد اجابة حتى الان لمادا غاب بعض المفكرين بل معظمهم من عالمنا العربي والاسلامي هل وجهت لهم الدعوة ولم يستجيبوا ام لم توجه لهم الدعوات من الاصل لحضور مؤتمر حوار الحضارات الاجابة لديكم يا دكتور فالتجب قادما ادا لم يكن لك فيها حرج
لكي لا يصبح الحوار ثرثرة؟ وهل هو غير ذلك؟
ايها الدكتور المحترم لقد اصبت وأجدت الاصابة في استخدام كلمة ثرثرة .
عن نفسي وحسب التعبير العامّي الحوار طرطرة
نفاق ومجاملات وسياحة مجانية !
هذا الجنون له مفكّروه وكتّابه وإعلاميّوه ومموّلوه وحماته، ولهم صوت ونشاط يملأ جنبات الأرض. ولأنهم أصحاب القوة والمكانة والوجاهة فإنّهم يكوّنون غالبية من يدعون ليتصدَّروا موائد حوارات الثقافات والأديان والمذاهب والحضارات.
كلام في الصميم
والله…. لو فكروا في المصلحة العامة للبلد… ووضع نصب عينهم مستقبل البلد… ونسف كل مابني على الباطل… وضرب بكل المتمصلحين والانتهازيين عرض الحائط… واصبح القانون الحقيقي هو الفيصل…… لعاشت البحرين جنة من جنان الارض….
جنة علي الرض
أوافق بانه كان ممكن ان تكون البحرين جنة لو خطط لها. لكن و كما تقول لغة الرباب too late
كما هو عندما في البحرين ... الكثير من الثرثرة وقلّة الفعل ...
الحقيقة التي يجب أن تواجه بلا لفٍّ أو دوران، فلقد تعب العالم من كثرة الثرثرة وقلّة الفعل ...
لقد اصبح ثرثرة ومسخرة
لم يعد احد في البحرين يطيق سماع كلمة حوار واذا سمعوها ذهب فكرهم الى ان هناك امور تطبخ ويراد منها مزيد من التلميع للصورة