السبت الماضي كان هو اليوم العالمي لحرية الصحافة في العالم، وعادة في مثل هذا اليوم تصدر بعض الجهات ذات الاختصاص تقارير عن اتجاه الحريات الصحافية في دول العالم، وغالبا تتحدث هذه التقارير عن أسباب تراجع حرية الصحافة في هذا البلد أو ذاك أو تقدمها في تلك البلاد والأسباب التي أوصلتها الى ذلك التقدم.
كان شعار اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام (حرية الإعلام من أجل مستقبل أفضل)، وبهذه المناسبة ناشد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دول العالم كلها قائلا: «نناشد جميع الدول والمجتمعات والأفراد الدفاع بفاعلية عن حرية التعبير وحرية الصحافة بوصفهما حقيْن من الحقوق الاساسية ومساهمتين جليلتين في تحقيق الأهداف الانمائية للألفية وفي وضع خطة التنمية لما بعد عام 2015».
ومن المعروف أن قوانين الامم المتحدة ذات الصلة بحقوق الانسان ومنذ بداية تلك القوانين العام 1948م حتى هذه الايام وهي تجعل من الحرية قيمة من أعظم القيم الانسانية وتطالب الدول بسن أنظمة تكفل هذه الحريات وتضمن للأفراد والمنظمات حرية ممارستها بحيث يكون الانسان حرا في التعبير عن رأيه وكذلك له الحرية في تبني آراء أخرى دون أي تدخل من أي جهة، وهذه الحرية تتضمن جمع معلومات أو أفكار بأي طريقة أو وسيلة إعلامية وبغض النظر عن أي حدود، ولكن الواقع وفي معظم دول العالم يشهد انتهاكا لحرية الصحافيين وعلى تفاوت ما بين دولة وأخرى بحسب قوانينها وواقعها السياسي والاجتماعي، وكذلك مدى فهمها لمصطلح الحرية الذي قد يصطدم أحيانا بالمفهوم الديني الذي تؤمن به تلك الدولة.
عالمنا العربي خاض تجربة الصحافة في وقت مبكر؛ ففي العام 1828م أصدر محمد علي باشا حاكم مصر صحيفة رسمية باسم جريدة الوقائع المصرية، وفي العام 1867م صدر في دمشق جريدة (سوريا)، وفي 1875م صدرت جريدة الاهرام في مصر ومازالت تصدر حتى الآن، ثم بعد ذلك توالى صدور الصحف في عالمنا العربي كله وكانت دول الخليج من أوائل الدول العربية التي أصدرت صحفا رصينة وكان بعضها تحت الاحتلال، ولكن تقدم العرب في المشاركات الصحافية لم يجعلهم يقدرون قيمة الحريات بشكل عملي وصحيح وهذا ما جعل دولهم متأخرة جدا في تقييم الحريات الصحافية في العالم ودون شك فإن تلك التقييمات السيئة والمتكررة تسيء الى دولنا العربية لاسيما أن الواقع يشهد أنها تتأخر - غالبا - سنة بعد أخرى، والأسوأ من هذا كله أن بعضها لا يستفيد من التقارير التي تكتب عن حرية الصحافة في تحسين واقعه بل يذهب الى اتهام تلك التقارير بالانحياز لهذا السبب أو ذاك.
وبحسب تقرير منظمة (مراسلون بلا حدود) فإن دولة (فنلندا) وللمرة الرابعة على التوالي تحوز على المركز الاول عالميا في موضوع الحريات الاعلامية - وبحسب معلوماتي فإنها الاولى عالميا في انعدام الفساد ولعل ذلك يؤكد اقتران الفساد بقمع الحريات - تليها بعد ذلك هولندا والنرويج، أما أسوأ ثلاث دول في العالم في موضوع الحريات فهي: تركمانستان وكوريا الشمالية وأريتريا، تأتي بعدها سورية وهي الأسوأ عربيا والتي تعد من أخطر دول العالم على الصحافيين حيث تعمد نظامها قتل العديد منهم.
وبالنسبة للتقرير فقد جعل موريتانيا الدولة الأولى عربيا في حرية الصحافة والـ96 عالميا، أما مصر فكان نصيبها الـ159 عالميا وأيضا بسبب تراجع الحريات كثيرا وكذلك بسبب سجن عدد من الصحافيين والتضييق على الآخرين، أما العراق فجاء في المرتبة الـ153 عالميا وأيضا لأن حكومته قتلت وسجنت صحافيين كما أن الحريات فيه شبه معدومة.
خليجيا كانت قطر الأولى أما عالميا فحازت على الـ154 عالميا تليها عمان التي جاءت في المرتبة الـ162 عالميا أما البحرين فكان نصيبها الـ189 عالميا والسعودية 183 عالميا.
التصنيف الذي نشرته منظمة (مراسلون بلا حدود) لا يبشر بخير للدول العربية قاطبة، والتعليلات التي قدمها بعض المسئولين العرب والتي اتهموا فيها واضعي التقرير بالانحياز ليست كافية ولا مقنعة، والحل الأمثل هو إتاحة الحريات للجميع ليعبر كل واحد عن رأيه بحرية وأمن واطمئنان، ولا يعني هذا ألا تكون هناك ضوابط، فنحن نعرف أنه ليس هناك حريات مطلقة ولكن على الضوابط التي تضعها أجهزة كل دولة أن تكون مقبولة ويرتضيها غالبية المواطنين، وفي الدول العربية يمكن القول ان يكون الضابط الوحيد هو مخالفة الاسلام الذي تدين به الغالبية وما عدا ذلك فلكل واحد الحق في التعبير عن رأيه كما يشاء. الحرية مطلب إنساني لا يمكن اغتياله، والشعوب التي تمنع من حريتها تقاد الى الموت البطيء وأيضا الى التخلف المقيت.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 4259 - الإثنين 05 مايو 2014م الموافق 06 رجب 1435هـ
سوريا والبحرين ؟
تمنيت وأنا أقرأ مقالتك أن تذكر ولو جزء بسيط مما تعانية الحرية الصحفية في البحرين من شبة موازي للحالة السورية !!