النهايات عادة هي ما ترسخ في أذهان الناس أكثر من البدايات، لذلك يحرص العقلاء على إنهاء مسيرتهم في أي قطاع كان في الوقت المناسب وفي قمة العطاء من أجل أن يظلوا على الدوام رموزا في مجال عملهم.
فتوقيت النهاية أهم بكثير من البداية، والاستمرار أكثر من اللازم قد يطيح بكل ما فعله الإنسان من أمجاد وتاريخ على مدى سنوات بل عقود من العمل والعطاء.
أن تكتب بنفسك نهاية مسيرتك أفضل بكثير من أن يكتبها لك الآخرون، حينها فقط قد تخسر كل ما بنيته.
لذلك يحرص الكثير من الرياضيين على إنهاء مشوارهم في التوقيت المناسب مهما كان هذا التوقيت صعبا لجماهيرهم أو لأنفسهم أيضا.
في حين يستمر البعض في الملاعب أكثر من اللازم بكثير، وحينها يتحولون من رياضيين إلى شيء آخر أبعد ما يكون عن الرياضة كونهم يتفرغون للاحتجاج واختلاق المشاكل إن لم يتحولوا بالفعل إلى مادة سخرية يتداولها الناس في أحاديثهم، وملاعبنا خير شاهد على ذلك.
هذا الأمر لا يتعلق فقط باللاعبين وإنما بالمدربين أيضا، والعطاء لا يقاس بالعمر فهناك لاعبون يعمرون وهناك مدربون يعمرون أيضا بقدر عطائهم وقدرتهم على مواكبة التطورات والبقاء دائما في القمة.
فالمقياس هناك ليس بالعمر وإنما بمقدار العمل والإنتاج، وحيث يكون اللاعب أو المدرب مبدعا مواكبا للمتغيرات يكون موجودا والعكس صحيح.
في أوروبا والعالم الآن حديث طويل عن نهاية عصر التيكي تاكا التي بني عليها المدرب الإسباني الشاب غوارديولا أمجاده مع برشلونة وانتقلت منه للمنتخب الاسباني ليسيطر بها على العالم.
التيكي تاكا التي أبهرت الجميع يعتقد البعض أنها وصلت إلى خط النهاية، عالميا بسقوط المنتخب الاسباني أما البرازيل 3/صفر في نهائي كأس القارات وأوروبيا بسقوط بايرن 4/صفر أما ريال مدريد وأخيرا سقوط برشلونة المدوي وهو خير من طبق التيكي تاكا حول العالم.
هل انتهت بالفعل التيكي تاكا؟ سؤال بحاجة لمزيد من التدقيق وقد يحسمه عطاء المنتخب الاسباني في كأس العالم بعد أقل من شهرين، فالعبرة ليس بعدد مرات تمرير الكرة وإنما بعدد الفرص الحقيقية التي يمكن أن تصنعها لتسجيل الأهداف هنا فقط باعتقادي تكمن متعة كرة القدم.
غوارديولا مازال متمسكا بفلسفته التي بنى عليها مجده، وهو يقاوم كل مطالبات التغيير من عملاقي الكرة الألمانية والعالمية فرانس بيكنباور وكارل رومنيغيه وعلى رغم كل الانتقادات الموجهة له.
في المقلب الآخر، سقط السبيشل ون مورينهو واسلوبه الدفاعي العقيم وعنجهيته المستفزة بالضربة القاضية أيضا محليا وأوروبيا، فالزمان ليس هو الزمان مع بورتو وانتر ميلان والمنافسين ليسوا هم المنافسين، وكرة القدم ليست هي كرة القدم، تلك فلسفة الحياة.
مورينهو نفسه مازال متمسكا بكل قواعده وأساليبه سواء الفكرية أو العملية حاله حال غوارديولا منذ البدايات وإلى الآن.
المدربان مازالا في مرحلة العطاء الافتراضية ولكن الأفكار ربما هي من تجمدت في ذهنيهما، قد يكون تمسكهما بفلسفتهما ضروريا للنجاح بحسب اعتقادهما، وقد يكون العكس صحيحا، ولكن الأكيد أن الحياة تتطور وتتغير، وما سمح به في هذا الموسم لن يسمح به طويلا، لذلك فالموسم المقبل ليس موسما حاسما فقط للمدربين وفلسفتهما التدريبية بل يقد يكون حاسما أيضا لتاريخهما العريق الذي تكتبه عادة النهايات أكثر من البدايات، فلننتظر ونر.
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس"العدد 4259 - الإثنين 05 مايو 2014م الموافق 06 رجب 1435هـ