استقبل عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في قصر الصخير أمس (الاثنين)، بحضور رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة وولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة المشاركين، في مؤتمر حوار الحضارات والثقافات تحت شعار «الحضارات في خدمة الإنسانية»، الذي انطلقت أعماله في مملكة البحرين صباح أمس برعاية ملكية سامية من جلالة الملك، يتقدمهم شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب والأمير الحسن بن طلال.
وفي مستهل اللقاء، صافح جلالة الملك ضيوف مملكة البحرين، مرحباً بهم في البحرين، شاكراً لهم حضورهم ومشاركتهم في هذا المؤتمر المهم.
وبعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم، ألقى جلالة الملك كلمة سامية قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أصحاب السمو،
أصحاب الفضيلة،
الحضور الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
نلتقي اليوم وغايتنا جميعاً واحدة، نلتقي والأمل يملأ قلوبنا في تحقيق وحدة إنسانية تتخطى حدود الزمان والمكان، مستشرفين غداً مفعماً بالأخوة الجامعة عبر تعارف إنساني يقودنا إلى حلف حضاري يَسعد به عالمنا ويتنسم به كوكبنا عبير السلام ويأمن فيه بنو البشر جميعاً على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وأوطانهم.
نلتقي اليوم لنبني تحالفاً لحضاراتنا الإنسانية لتكون صرحاً شامخاً من التسامح والإخاء، نتوحد تحت راية القيم الإنسانية السامية لنواجه معاً كل مُنغصات الأمن والأمان من التعصب والتطرف والإرهاب، إنها فرصتنا جميعاً اليوم لنستمر في صياغة علاقات إنسانية متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل والحوار، ترتكز في جوهرها على الإنسان كفرد في ذاته ومن خلال انتمائه إلى وطنه وأمته وعالمه الإنساني.
أيها الأعزاء،،،
إن مملكة البحرين كانت ولازالت وستبقى ملتقىً للحضارات وواحةً للتعددية الفكرية والتنوع الثقافي، وستظل متمسكة بنهجها الوسطي مُساهِمةً بعزمٍ واقتدار في كل مشروع يهدف إلى تحقيق وحدة المجتمع البشري، والدليل على ذلك اجتماعنا هذا اليوم على هذه الأرض التي فرِحت بمقدمكم جميعاً.
نسأل الله أن يمنحنا الحكمة والبصيرة وأن يوفقنا لبناء مجتمعٍ متراحم ومتآلف. مع تمنياتنا لكم جميعاً بالتوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
ثم ألقى شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب كلمة فيما يلي نصها:
أستسمحكم جلالة الملك أن أعبر وفي مجلسكم المحفوف بهيبة الملك ووقار العلم وأريحية اللقاء، عن غيض من فيض مما يجيش في نفسي وخاطري من مشاعر الود والأخوة الحميمة التي تربط الأزهر الشريف ومصر بشخصكم الكريم وبمملكتكم الطيبة.
وإذا كان لبعض الأماكن خصوصية من التفرد والامتياز يشعر المرء معها بنشوة روحية خاصة فلدولة البحرين موقع متميز بين هذه الأماكن كيف لا وقد درسنا ونحن صغار في المعهد الديني بالأزهر الشريف فيما يرويه الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه: أنه قال «إن أول جمعة جمعت بين جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد عبدالقيس بجواثى من البحرين»، كما درسنا ما رواه الامام أحمد بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «اللهم اغفر لعبد قيس إذ أسلموا طائعين غير كارهين... وقال إن خير المشرق عبد قيس».
وفي مصنف عبدالرزاق عن قتادة قال: «لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد المدينة والبحرين.
وقد كانت البحرين مصدر خير للإسلام والمسلمين في عهد الرسالة والخلافة الراشدة كما ورد في المصادر الصحيحة.
ولاشك في أن هذه النصوص النبوية والآثار المعتبرة تعد وساماً على صدور أبناء البحرين عبر التاريخ وتؤكد هذا الرصيد الكبير من الإيمان والخير والبركة في نفوس أهلها وفي هذا من الفضل والمزية ما لا يخفى على كل من خالط شعب هذا البلد الطيب وخبر أخلاقهم وسجاياهم.
وقد أثبت التاريخ أن الشعب البحريني رغم الأزمات والعواصف التي تعرض لها عبر تاريخه الطويل فإنه ظل سمحاً معتدلاً ذا فكر واعٍ متيقظ لا تزيده الأيام إلا صلابة وتماسكاً.
وحق لأبناء البحرين أن يذكروا تاريخهم ويعتزوا به ويفخروا بماضيهم وحاضرهم فلايزال تاريخهم العريق يوحي إليهم بالثبات ويمدهم بالقوة والصمود وسيبقى كذلك في حاضره ومستقبله بإذن الله تعالى قوياً قادراً على تخطى الصعاب ومعالجة الأزمات بالحكمة البالغة والسياسة الرشيدة والانتماء الخالص للعروبة والإسلام.
إن مملكة البحرين بما حباها الله من موقع استراتيجي متميز وشعب أصيل متحضر قدمت عبر تاريخها المجيد أنموذجاً للتعايش والسماحة والسلم والمحبة بين أطياف المجتمع على اختلافها وتنوعها كذلك كانت البحرين وكذلك هي الآن في سيرها قدماً نحو عزة الوطن ورفعته بقلوب عامرة بالإيمان ومملوءة بالخير وداعية إلى الإخاء الصادق والسلم الاجتماعي العادل.
فأنتم يا أحفاد الصحابة والتابعين قد أورثكم الله هذه الأرض الطاهرة فأقمتم فيها الحق والعدل بالميزان والقسط وكنتم دائماً مشاعل علم ومعرفة ومبعث إشعاع ثقافي نير وملتقى حضارات عريقة ومحور ارتكاز للعلاقات الثقافية والتجارية بين الشرق والغرب، تلك التي جعلت من البحرين معلماً بارزاً في تاريخ العروبة والإسلام وجعلت من شعبها أنموذجاً حضارياً راقياً تجاورت فيه الأديان وتعارفت وامتزجت فيه الثقافات وتلاقحت.
وما نتمناه ونحن نلبي دعوة جلالتكم لزيارة رحابكم الكريمة هو أن يديم على جلالة الملك وعلى شعبكم الكريم الطيب نعمة الاستقرار والوفاق والمحبة وأن يطيل الله بقاءكم ويمتعكم بالصحة والعافية ويمدكم بروح من عنده ويحقق على أيديكم آمال العرب والمسلمين.
وأرجو أن تتفضلوا جلالتكم بقبول وافر الشكر والإعزاز والتبجيل بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن وفد الأزهر المرافق لكل ما لقيناه من كرم وحفاوة وحسن استقبال وخاصة لما يلقاه الأزهر الشريف من جلالتكم شخصياً من دعم ومساندة وتقدير، شكراً لكم جلالة الملك وشكراً لشعب المملكة الشقيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعدها ألقى الأمير الحسن بن طلال كلمة رحب فيها بجلالة الملك والحضور، وقال: اسمحوا لي وقد سبقني ابن العم وشيخ الأزهر فإنه تكلم فيما يجب أن نتكلم من إشارة كريمة إلى مملكة البحرين ضارباً في عمق التاريخ وبادياً من منطلق الأخلاق لنستذكر معاً ما ينطوي عليه الإسلام وددت في بداية الحديث أن أتطرق إلى موضوع المؤتمر لاهتمامي بنجاحه وأن يكون هذا المؤتمر في خدمة جلالتكم لغاياته وأهدافه النبيلة أقول إن هذا المؤتمر أولاً هو وسيلة تضاعف جهودنا الأخلاقية من خلال المقاصد الشرعية على حلول عملية لمشكلاتنا الإنسانية، وقال سموه إن المعضلة أمامنا نحن أبناء هذه الأمة كيف نشترك في القيم الإنسانية مع الأديان الإبراهيمية الأخرى هل يمكن لهذه القيم الإنسانية المشتركة أن تؤسس الأخلاقية الكلية وتسهم في بناء إنساني جديد يحقق الوئام والسلام للإنسان.
ثم ألقى صاحب الغبطة البطريرك مارو يوحنا العاشر الكلي الطوبي بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس كلمة رحب فيها بجلالة الملك والحضور وقال: يشرفني مع كل الإخوة المرافقين أن نكون في حضرتكم بناءً على الدعوة الكريمة التي تلقيناها من جلالتكم نحييكم أولاً بتحية المحبة والإكرام بربنا سيد نور السماوات والأرض بربنا الواحد الأحد، نحييكم بتحية رسول السلام السيد المسيح ونحن فخورون جداً أن نلتقي هنا سوية تحت إطار هذا العنوان في هذا اللقاء لقاء الحضارات لكي نتعاطى سوية في أسس القيم الثابتة في حياتنا التي لا نتكلم عنها وحسب إنما نعيشها في حياتنا وقد سطرنا هذا التاريخ حيث نقرأ في الإنجيل عند الرسول يوحنا أن الله محبة ويقول القرآن: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13)، وبالتالي قلتها في دمشق وقلتها في بيروت ويشرفني بناء على دعوتكم الكريمة أن أقولها في هذا البلد الطيب البحرين أمام جلالتكم وأمام كل هؤلاء الأحبة أيها الإخوة المسلمون بين النحن والأنتم هذه الواو تزول ويبقى نحن أنتم وأنتم نحن، نحن أبناء هذه الأرض الثرية مسلمين ومسحيين ونحن نفتخر بذلك وكما تعلمون لنا الشرف الكبير من أحبتنا وإخوتنا المسلمين قد أطلقوا لقب بطريرك العرب على البطريرك الرومي الأرثوذكسي الأنطاكي من غابر الأيام بشكل خاص البطريرك غريغوريوس الرابع حداد في بداية القرن العشرين والبطريرك إلياس الرابع الذي تكلم عن القدس في ذلك الخطاب الشهير في مؤتمر لاهور العام 1974م.
صاحب الجلالة، أنا كمسيحي وكبطريرك أنطاكي محلي وأتكلم العربية أود أن أعبر عن اعتزازي وفخري لجلالتكم وبسعيكم الطيب للتأكيد على هذه المبادئ السامية ألا وهي المحبة والتسامح والعيش المشترك وكل هذه القيم الجميلة وقد يفرحكم أنني وصلت إلى البحرين يوم الخميس وبقيت مع أبناء رعيتنا في البحرين حيث أقمنا صلاتنا في كنيستنا بحيث يشعر الإنسان مباشرة بالتسامح والحرية في مجتمع يتمتع بكل ما يريد أن يقوم به رفعنا الصلوات إلى رب السماوات والأرض أن يحمي العالم ويحمي جلالتكم ويحمي البحرين وأن يعطي السلام لبعضنا البعض والسلام في سورية وبيروت والعالم أجمع.
هذا وقد أقام جلالة الملك مأدبة غداء تكريماً للوفود المشاركة في مؤتمر حوار الحضارات والثقافات.
العدد 4259 - الإثنين 05 مايو 2014م الموافق 06 رجب 1435هـ