العدد 4258 - الأحد 04 مايو 2014م الموافق 05 رجب 1435هـ

الزبيدي في "امرأة من ظفار"... سيرة الخيار... الحروب والنزوح

فضاءات (الوسط) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

 قليلة هي الروايات في منطقة الخليج التي تجمع بين السيرة الذاتية من جهة، والتأريخ للحوادث الكبرى، وخصوصاً المصيرية منها، تلك التي أحدثت فارقاً وأسست لوعي استثنائي بفعل أحداث وتحولات شهدتها المنطقة مع نهاية الخمسينيات مروراً بالستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي.

الروائي والقاص العماني، أحمد الزبيدي في روايته امرأة من ظفار" يمسك بتلك المرحلة من أطرافها، بعيداً عن المؤرخ والشاهد على الأحداث. من رؤية امرأة، ومن رؤية المكان الشاهد.

سردية الزبيدي مفعمة بالتشويق، من دون أن ينسى الإحالات التاريخية، لكنه يكتب من وقته، لحظته. الزمن هنا لا يعني الاستدعاء في تشخيص الحدث وكتابته. إنه في حضوره، وربما يأتي. يتمثل ذلك في عدد من شخصيات الرواية.

تبدأ الرواية بمدخل تعريفي للغة الشحرية الظفارية. تحضر مفردة "دينيس" طوافاً بها عبر قواميس اللغة، وتعني باللغة الشحرية، الطباع المنحطة التي ينكرها المجتمع ويعف عنها، وهي مشتقة من دِنس: ثوبه – توسخ ولتطخ.

يحضر الأب في الرواية بتفاصيل المكان في البيئة الجبلية القاسية المحيطة بمدينة مرباط، وقصة غرام يأخذنا إلى الزبيدي إلى تفاصيلها بشاعرية شفافة. المكان وتفاصيله جزء من تلك الشاعرية. لها جانبها المعتم كما الأبيض!

تتقصّى الرواية مواسم الرعي والهجرات والصيد. يحضر ربّا الخصب والحياة "واسنلي" و "سانلي"، وهما إلهان ظفاريان وثنيان، "خلدا في الذاكرة الشعبية، على رغم تعاقب الأديان والأزمنة".

عبر تلك البيئة، يتسلّل "رجل عبر الحدود مع اليمن قاطعاً طريقاً إلى مرباط، كان هذا الرجل يحمل صندوقاً سحرياً يتكلم ويغني، تقاطرت السهول والجبال لرؤية وسماع هذا الساحر الجديد، أسقط في يد العرافات، وساد صمت ساحرات خور روري، كان الصندوق يهتف بلسان الساحر الجديد: "ارفع رأسك يا أخي فقد ولي عهد الاستعمار...".

في انبثاق الوعي وانتشاره، عبر ذلك الصندوق. كان الوعي بدائياً... كان هناك؛ وعوْداً إلى المدونات من الرسوم والكتابات لحضارات عظيمة تعاقبت على ظفار.

عروج إلى الفترة التي كان فيها حكّام مسقط يعانون من المصاعب، وإسقاط الأسرة الحاكمة بفعل ثورة الإمام عزّان بن قيس الوطنية، والتدخل البريطاني وإعادة الحكم إلى الأسرة.

شخصية عوض الموت، الوطني الظفاري الخالص، يظل مهموماً لصراع القبائل فيما بينهم.

"كان مشروع عوض الموت نعمة هبطت من السماء على حكّام مسقط، فتم إلحاق ظفار كملكية خاصة بالأسرة، ونفي عوض الموت إلى ضلكوت، حيث مات فقيراً".

فتاة ظفار تحضر في الباب السابع من القصة، وبلغة الراوي، والعريس علوان المعاميري، ابن العقيد السابق. تحتل تفاصيل الزواج مساحة من الباب السابع.

الأبواب اللاحقة من الرواية تمرّر أول الشرارة في الصراع والمعارك الشرسة في ظفار، قرى بأسرها تدمّر و "أسماء الشهداء تتوالى". قلقة هي على ابنها الصغير "ماذا لو تم تجنيد جعبوب الصغير كأحد أبناء المملكة المتحدة وأرسل كجندي لإعادة احتلال بلدي؟".

في الباب الأخير من الرواية: "اكتبي يا مثال رأيك في التجربة الظفارية... نهوضها وصعودها... ومن ثم سقوطها.. اكتبي. في اليوم التالي كنا في الطريق إلى لندن"... جزء من تحولات المكان... جزء مما تنتجه الحروب والصراعات التي يتم فرضها على إنسان المكان.

تنتهي الرواية برائحة الخيانة. وهي خيانة مفتوحة على التفاصيل لا تعني طرفين. حتى المكان معنيّ بها!

رواية الهجرة والنزوح والتبدّلات. رواية صراع النفس الذي ينتهي ليحل محله آخر، في تعاقب لا يعرف الفتور، ولا يعرف استراحة، كالمحاربين الذين يقنصون استراحتهم كما يقنصون أعداءهم.

رواية المكان ما قبل الحرب، ورواية الإنسان ما قبل الحرب، ما يكتنف التفاصيل، بالصراعات والأضداد تتحدث عن الإنسان كما هو ابن بيئته من دون تدخلات وإملاءات ومحاولة تدجين. المعارك والحروب تصقل الإنسان، لكنها من دون شك لا تترك المكان محتفظاً ببكارته ووسامته. كذلك الأمر بالنسبة إلى الإنسان.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً