العدد 4258 - الأحد 04 مايو 2014م الموافق 05 رجب 1435هـ

مستقبل البحرين... من هو المنتصر ومن هو الخاسر؟

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

سأل النمر الحكيم: «هل انتصرنا؟». فأشار بيده إلى مساحات شاسعة من الغابة، قائلاً: «إذا رأيتها خضراء يكسوها الجمال، فقد انتصر الجميع، وإذا رأيتها قاحلة يكسوها الدمار فقد خسر الجميع».

فأعاد النمر سؤاله «في أي صراع لابد أن يكون هناك منتصر وهناك خاسر؟». فرد الحكيم قائلاً: «إذا كان بمفاهيم الموت التي تتجلى فيها مشاعر الكراهية واليأس والحزن والشقاء، فقد انتصر الجميع حكومة ومعارضة وشعباً، وإذا كان بمفاهيم الحياة التي تتجلى فيها مشاعر الحب والأمل والتفاؤل والسعادة فقد خسر الجميع حكومة ومعارضة وشعباً».

ربما كلمات الحكيم متطابقة مع بلد مثل سورية، لكنها تجعلني أتساءل أكثر عن مستقبل البحرين، في ظل الصراع الحالي، الذي أخذت فيه المفاهيم تقترب من منحنى الموت مبتعدة عن منحنى الحياة.

هناك استخدام لكثير من المفاهيم والمصطلحات التي تعطي مؤشرا على أن البحرين خطت خطوة في مسيرة الألف ميل نحو نموذج أفغانستان.

والواقع هو تجلٍ من تجليات العقل البشري، فاستخدام مفاهيم ومصطلحات مثل «تفجير» أو «إرهاب» أو «تعذيب» أو «هتك أعراض» يؤدي إلى واقع خطير، فهذه المفاهيم تصنع أفكارا، والأفكار تصنع النوايا، والنوايا تصنع الواقع.

فكثرة انتشار هذه المفاهيم في وسائل الاعلام، تصنع أفكارا، وكما قال الفيلسوف ابن رشد عندما احرقت كتبه: «إن للأفكار أجنحة تطير بها إلى أصحابها».

الخطر الأكبر هو نشوء جيل عندما يكبر ستكون السيطرة عليه أمنياً وسياسياً أضغاث أحلام، خصوصاً أن الإنسان كائن متطور، ويمتلك عقلاً لا حدود له من الإبداع عندما ينغمس في التفكير في شيء.

أقصد بالجيل الجديد هم الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات، لأنهم يتشربون بسرعة هائلة ما في البيئة، فمثلا عندما تأخذ طفلاً عمره سنتان من أب وأم عربيين، وتعطيه أسرة صينية لتربيته لمدة سنة واحدة، فإن هذا الطفل خلال سنة واحدة سيتقن اللغة الصينية بمهارة.

وقد ذكرت في مقال سابق، أن ما يحدث في البحرين من أحداث سياسية، يتشربها الطفل بكل حذافيرها (برمجة فكرية ثقافية غير مقصودة أو تلقائية)، فهو يشاهد الشباب المحتجين وما يفعلون، ويشاهد رجال الأمن وما يفعلون.

ولهذا تجد الأطفال يلعبون لعبةً تعكس تأثير الأحداث السياسية والأمنية على حياتهم، إذ ينقسم الأطفال في اللعبة إلى قسمين، الأول يمثل قوات الشغب يحملون عصياً، يتخيلونها هراوات ورصاصاً انشطارياً (الشوزن)، والفريق الثاني يمثل المحتجين، ويحملون الحجارة وقناني الماء يتخيلونها «مولوتوف».

الطفل لا يميّز، فكل ما يتشربه بالنسبة إليه يعتبره صحيحاً 100 في المئة، وحقيقة مطلقة لا تقبل النقاش، وهو ما يعني عملياً أن الأطفال الحاليين سيكونون في المستقبل جيلاً خارجاً عن السيطرة، أو بمعنى ظهور جيل جديد قواعد التحكم بعقله الجمعي مختلفة عن قواعد الجيل الحالي.

وهذه المعطيات، مخيفة عندما نتحدث عن مستقبل البحرين، والمعالجة تتطلب إعادة تفكيك البينة العقلية وما تحويه من مفاهيم، واستخدام مفاهيم جديدة وتوجيهها (إعادة برمجة) فالإنسان كائن مبرمج يتبرمج سلوكه على ما يتشربه ويتعلمه منذ ولادته حتى مماته، وتتكون شخصيته بما يضاف له من برامج في عقله، ويتحكم في سلوكه.

رغم الظلام والعتمة، ربما يكون الحل الذي سيفرح الجميع وسيصل بالبحرين إلى بر الأمان، هو وهمٌ في العقل البشري، وستكون له تجليات وأشكال.

وهذا يذكرني بالدواء الوهمي الذي يعتمده الأطباء. فكثير من المرضى الذين يترددون باستمرار على المستشفى، يصف لهم الطبيب دواء وهميا، وهي حبة «سكر» من دون أن يعلموا، ويوهمهم أنه دواء متطور فعال، وعندما يشربه المريض يشعر أنه تشافي من مرضه. فالدواء وهم، وهذا الوهم له تجلٍ وشكل وهو (حبة السكر).

لا أعلم إن كان الحل سيكون وهماً تتم برمجته في عقولنا. فالأزمة دخلت أعماق العالم الذهني الذي يصنعه العقل البشري، وواقع الحياة هو تجلٍ من تجليات العقل.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4258 - الأحد 04 مايو 2014م الموافق 05 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:05 ص

      هذا هو العلاج

      حبة سكر ...... نعرف ان قوة كبيرة تريد هذا العلاج مع بقاء المرض لاننا نعرف المرض ونعرف علاجة لكن نريد علاجة حبة سكر نعرف -الحكومة والشعب- انه حبة سكر ولكن سيعود المرض ذاته والعلاج ذاته الا اذا استأصلنا الشأفة من اصلها فمتى يكون ذلك ؟ انه كائن ولا نعلم متى يكون؟

    • زائر 3 | 3:55 ص

      الدواء

      آمل أن يكون الدواء عبارة عن نهاية الازمة الحالية ومن ثم استقرار البلاد باسرع وقت ممكن ...

    • زائر 2 | 3:32 ص

      بعد النظر

      التفكير في المستقبل و ما يحمل هدف المقال و المصوب نحو أولي الألباب.

اقرأ ايضاً