لا يخفى أثر العمالة الوافدة في بناء وتنمية دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها مملكة البحرين، حيث شاركت في النهضة الاقتصادية وتبوأت مراكز مختلفة ووظائف متعددة سواء خدماتية أم حرفية، عالية أو متدنية الأجر.
وبلغت نسبة مشاركة العمالة الأجنبية في البحرين حتى آخر إحصائية في 2013 أكثر من 700 ألف عامل، شكل فيها الأجانب ما عدده 527 ألف عامل؛ أي بنسبة 73 في المئة.
كما شكل حضور الأيدي الأجنبية واقعاً يحمل في طياته الكثير من الأبعاد الإنسانية التي تعكسها ظروفهم المعيشية والعملية، فالأجانب يتوزعون في شتى الأعمال مهما كانت الشروط المفروضة عليهم.
وعلى رغم جميع التشريعات التي عملت البحرين على تطويرها لحمايتهم من الاستغلال والتلاعب، إلا أنه لايزال هناك وقع لما يقاسونه بعيداً عن الأرض والأهل من أجل تأمين لقمة العيش، مكابدين غربة المجتمع واللغة والبيئة وما ينطوي عليها من آلآم.
عامل الوجبات السريعة: الأوضاع الأمنية تخيفني
وخلال جولة «الوسط» لعمل مقابلات مع عدد من العمال خلال ساعات عملهم اليومية، التقينا بعامل مستجد يعمل في أحد مطاعم الوجبات السريعة منذ ثمانية أشهر، حيث بيّن أنه مازال غير معتاد على البيئة البحرينية نظراً للاختلافات الثقافية بين بلده الفلبين والبحرين، وأشار إلى تخوفه في بادئ الأمر من بعض الأحداث الأمنية التي يراها في الشارع البحريني، حيث إنه لا يملك أية خلفية مسبقة عن ذلك.
ومن ناحية السكن والأجر فهو يشعر بالرضا، لكنه يشعر أحياناً بعدم الأمان على رغم أن الناس «طيبون وبشوشون» على حد وصفه. وبشأن ما يعانيه من مشكلات في عمله بالبحرين، أجاب بعفوية: «لا يوجد مشكلة... المشكلة هي أنني في البحرين أصلاً»َ، في إشارة إلى ابتعاده عن موطنه.
عاملة بصالون: نظرة المجتمع مُرهقة أكثر من العمل
وزارت «الوسط» صالوناً نسائياً يضم عدداً من الجنسيات منها الآسيوية والإثيوبية والعربية، أيضاً للوقوف على معاناتهم العملية والحياتية كعمال وافدين، وأوضح فريق عمل الصالون أنهن يعتمدن في معيشتهن على رب العمل بالكامل، حيث يوفر لهن السكن ويدفع فواتير الكهرباء والماء، وغيرها من الاحتياجات المعيشية.
لكنهن في الوقت نفسه تواجهن ضغوطات في العمل من حيث ساعات العمل الطويلة جداً، فتقول إحداهن: «نحن بلا حياة... مسخرون للعمل هنا لمدة 12 ساعة يومياً وعلى رغم أن هذا مسلٍّ لغربتنا لكننا أحياناً نشعر بالإجهاد النفسي قبل الجسدي، فلدينا يوم واحد فقط للراحة، لكننا في معظم الأحيان نضطر لإلغائه والقدوم للصالون بسبب ازدحام المكان».
وتضيف خبيرة التجميل ومشرفة الصالون «على سبيل المثال كان لدي بالأمس إجازة، إلا أنني قطعتها وعدت لإنهاء عشر زبونات لم يأخذوا موعداً مسبقاً».
وتعلق أخرى «لا تسمح لنا ألسنة الزبونات بأخذ قسط من الراحة ولو لقضاء حاجة أو تناول وجبة طعام فنحن في النهاية بشر، لكنهم يعتبروننا خادمات وما إن نختفي لدقائق حتى يقلب الصالون فنحن قد ضيعنا وقت الزبون».
وبهذا الصدد تقول المشرفة على الصالون «نعاني من نظرة المجتمع لنا فلا تستطيع بعض النساء إخفاء نظرة الاحتقار لعملنا على رغم أنها تحتاج إلينا وتأتي لنا بقدميها»
وتضيف «إن كلمة شكر أو حتى ابتسامة قد تعني لنا الكثير بعد وقوف منهك لساعات طويلة من أجلهن لكن مع الأسف هذه الثقافة تبدو معدومة».
وتقول ثانية «نحن غير مسئولات عن اختلافنا فنحن قدمنا من بيئة والزبونات من بيئة ثانية لكننا نحترم العادات ومع هذا ينظر لنا مثل كائنات فضائية بحجة انفتاحنا وأسلوب حياتنا وكلامنا».
وتختم المشرفة على الصالون حديثها، قائلة: «نتمنى أن ننال الاحترام والتقدير مثلما ننال الأجر على العمل فالتقدير له أثر أبقى في النفس وكما تحظى الطبيبة والمعلمة وغيرها بمركز اجتماعي فلا تنسى أننا نحن من تصنع من الطبيبة والمعلمة والمهندسة أنثى أجمل».
«الناس مو زين»
«الناس مو زين»، هكذا عبر أحد الخبازين من ذوي الأصول الباكستانية عند سؤالنا له عن مشكلاته في البحرين، معللاً ذلك بأنهم لا يحترمون العمال ويعاملونهم بجلافة كأنهم ليسوا ببشر.
مضيفاً أن «هذا الخباز من أقدم المحلات في المنطقة، لكنه يشهد حالياً تراجعاً في عدد الزبائن، فبعد أن كان يعمل 4 أكياس طحين للخبز أصبح لا يقوم بإعداد أكثر من كيسين يومياً»، كما يرى أن الحرارة المنبعثة من فرن الخباز مرهقة لهم، ولاسيما أن أوقات عملهم طويلة جداً فقد تمتد مساء من الرابعة عصراً حتى الواحدة فجراً ليعودوا في الخامسة فجراً الى الواحدة ظهراً».
الخياط: أرى ابنتيّ
مرة واحدة كل عامين
يتغير الزمن وهو لا يتغير، يخفي نصف وجهه خلف ماكينة الخياطة غير أن تجاعيد يديه تكثر والشيب يغزو مقدمة رأسه، هو صاحب محل الخياطة الأشهر في قريته التي قدم لها من أميال بعيدة ليستقر بها لعشرين سنة، وخلال حديثنا معه قال بابتسامة: «لا ينقصني شيء مادي، لدي المسكن والراتب المنتظم، لكنني وحيدٌ هنا وتمر بي الأعوام وتزداد حاجتي للعيش في بلادي».
وفي سؤاله عن أسرته، قال: «أنا متزوج ولدي ابنتان تركتهما في بنغلادش، أمنت لهما حياة طيبة لكن ينقصهم الأب، فأنا لا أزورهما إلا في السنتين مرة أو كل ثلاث سنين مرة لمدة شهرين تكونا فيها قد كبرتا جداً وفاتني الكثير عنهم».
عامل السوبرماركت: أطعمتهم الحلوى ثم أطعمت أطفالهم
محمد أرشد وجهه مألوف مثل كل زاوية في القرية فقد أصبح من معالمها كيف لا، وقد كبرت معه أجيال، فقد قدم منذ العام 1986 ليعمل في «بقالة» صغيرة كبرت معه وبفضله لتتحول لسوبرماركت، ويقول: «لقد رأيت الصغار يشترون الحلوى ثم شاهدتهم يبتاعونها لأطفالهم وهم يكبرون أمام عيني».
ويقول أرشد - الباكستاني الأصل - إنه مرتاح لوجود زوجته وأولاده معه وهم يتعلمون ويتلقون العلاج، ويتذمر قائلاَ: «المراكز الصحية يأخذون منا 3 دنانير لكل مراجعة طبية بصفتنا أجانب، وهذا كثير بالنسبة لرواتبنا الصغيرة».
ويضيف «أصبحت أشعر بتعب العمل وحمل الحاجيات فصحتي ليس كما كنت في السابق ونقل الأغراض في مثل هذا الجو أمر متعب».
وعن ما يواجهه من مشكلات في المجتمع البحريني، تحدث عن أن «الناس زينين، لكن هناك مشكلات أمنية في كل البحرين كما تعرفون وليس هذا ما يضايقني، بل يضايقني ما يتعرض له أبنائي في المدرسة من مضايقات من بعض الجنسيات الأخرى مثل ممارسة التمييز ضدهم».
20 عاماً وأنا أبيع السمبوسة
موسى، بائع السمبوسة منذ أكثر من 20 عاماً في قرية بني جمرة يرى أن سمبوسته هي الأشهى على الإطلاق.
يخبرنا أنه يعمل في البحرين منذ العام 1988، لكنه استقر في بني جمرة في العام 1994، حيث عمل في مطعمه المعروف باسمه في القرية، وعلى رغم كونه يبيع السندويشات إلا أن سمبوسته هي المميزة هنا. ويضيف «في السابق كانت الزبائن لا تتوقف ليلاً أو نهاراً، أما الآن فقد قل عددهم وخصوصاً في الليل بسبب المشكلات الأمنية».
جامع الكراتين:
«بحرين ما في شغل»
تحت حرارة الشمس يمضي من بقعة لأخرى يجمع ما زهد به الناس لقاء أجر زهيد، هو عامل هندي في إحدى الشركات المحلية يجمع الكرتونات الورقية في عربته الصدئة، ويحدث «الوسط» قائلاً: «أنا هنا منذ 8 أشهر قدمت من المملكة العربية السعودية ووجدت مملكة البحرين... واجد زين بحرين... كل شي زين... لكن ما في شغل»، مُشيراً إلى أحد الباعة المتجولين الذي يفترش أحد الطرقات هرباً من أعين البلدية التي تلاحقه من شارع لآخر، ويبرر له قائلاً: «ماذا يفعل المسكين إنه لا يجد عملاً، البحرين ما في شغل»، ويضيف «لقد عملت منذ قدومي في شركة لمدة 6 أشهر أواصل الليل بالنهار، ولكن بلا راتب، حينها تركت العمل هناك وعملت في شركة أجمع الكراتين وأتلقى أجري يومياً... والحمد لله».
كابوس البلدية
وبجانب أحد الأرصفة يفترش بائع الخضار الآسيوي بضاعته منادياً «جح... بطيخ... ليمون»، ليجذب المارة إليه، ويقول: إن هذا مصدر رزقه الوحيد في بلد تمتلئ بالعمال الأجانب وتفتقر للوظائف، فهو يجلس طول النهار أمام هذه الفرشة ليبيع الخضار من دون أن يضايق أحداً منذ 5 أعوام، ورأى أن البلدية والشرطة هم المشكل الوحيد بالنسبة إليه.
وعند سؤاله عن سبب عدم بيع الخضار في محل مكيف أو في سوق الخضار، أجاب «المنافسة قوية في سوق الخضار والمحل المتخصص بحاجة لرأس مال كبير، وأنا غير قادر على توفيره، كما أنه لست بحاجة لمشكلات تحصيل سجل وغيره، وخصوصاً أنني وافد مما يعني تعقيدات أكثر».
عامل شركة الغاز:
«الحمد لله شغل زين»
صوت الشاحنة غير المكيفة المثقلة بأسطوانات الغاز تخفي عاملين يسحقهما الجو المشمس والرطب، قصدناهم لنسألهم عن حالهم المعيشي فتفاجأنا بابتسامة راضية تردد «الحمد لله شغل زين»، قالا وهما يحملان الأسطوانات على ظهرهما ويطرقان أحد المنازل لعشر دقائق قبل أن يتم الاستجابة لهما، يقول أحدهما «بعض البيوت لا تحمل عنوان المنزل مما يضطرنا للبحث مدة طويلة نحن في غنى عنها وهذه المخلفات التي يتم سد الطرق بها تعيق مسارنا وخصوصاً ونحن غير ملمين بالطرق جيداً لنقصد طرقاً بديلة»، ويضيف مرافقه «أحياناً يلاحقوننا الصبية والأطفال ليشاغبونا ويعبثون بالشاحنة ويرمونها بالحجارة لكن هذا هو عملنا فمادمنا في الشارع نحن معرضون للكثير».
عمال بناء من دون حماية
ليس هناك سوى ظل شجرة يقي عمال البناء من حر شمس الثانية عشر ظهراً حينما التقينا بهم، على رغم ذلك كانت ابتسامتهم كفيلة للتعبير عن رضاهم، يقول أحدهم: «أعمل في البحرين منذ ما يقارب الـ 18 عاماً، انتقلت فيها من عمل لآخر حتى استقررت في مجال البناء»، مؤكداً حبه لهذه المهنة وصاحب عمله الذي وفر له السكن والراتب الملائم له.
أما عن أبرز المشكلات التي تواجه عمله في البحرين، فهي ساعات العمل الطويلة والحر الشديد، بالإضافة لانعدام نظام الحماية لهم أو غياب التأمين الصحي في بعض الأحيان، وخصوصاً أن العمل في قطاع البناء هو الأخطر ليس في البحرين فقط بل في العالم أيضاً.
بين الحديد والنار
يرى أحد الحدادين «آسيوي الجنسية»، أن «مهنة الحدادة محفوفة بالعديد من المخاطر، وخصوصاً أن من يزاولها يتعامل مع الحديد والنار والكهرباء معاً، فضلاً عن أنها دائما ما تنال من العين، وتصيب ممارسيها بالعمى».
أما عن عمله في البحرين فيرى أن الحدادة هنا ليست مطلوبة ولا تعطي دخلاً جيداً، كما أن رب عمله لم يوفر له السكن الملائم علاوة على ضعف الراتب الذي لا يتجاوز الـ 80 ديناراً شهرياً.
قائلاً: «أنا أعيش في منزل أتشارك فيه مع 20 شخصاً آخر، وللعلم أن المنزل مكون من 4 غرف وحمامين فقط».
12 عاماً في خدمة المنازل متجولة بين القرى
«أسماء» العاملة بنظام الساعات في خدمة المنازل تفتح لنا قلبها شاكية صعوبة مهنتها مع تقدم سنها، فتقول «أتيت للبحرين منذ اثني عشر عاماً بالتحديد في 27 مايو/ أيار 2002 لأعيل أسرتي، حيث إن زوجي لا يعمل ولدي ابنتان في عمر الزواج وابن معاق لا يقوى على السير».
وأضافت «منذ أن استقدمني كفيلي وفر لي السكن الملائم والعمل، عملي الذي يقتضي أن أسير على الأقدام بين منازل الناس لخدمتهم متنقلة من منزل لآخر ومن قرية لأخرى أيضاً من دون تعب».
وعن أبرز الصعوبات التي تواجهها ترى أن تقدمها في العمر قليلاً أدى لتراجع صحتها، بالإضافة إلى عدم التزام الناس بإعطائها الراتب في الأوقات المحددة وخصمهم منه عند تغيبها من دون مراعاة لسنها، لكنها تحب من تعمل لديهم وتعتبرهم كأفراد أسرتها التي رحلت عنهم.
كما أنها لا تفكر بالعودة إلى بلادها حالياً، قائلة «استطعت من خلال عملي تزويج ابنتي وتأمين سكن ملائم لعائلتي، لكني أسعى الآن لشراء كرسي ذي تكنولوجيا لابني يستطيع من خلاله التحرك بسهولة، لا أخفي شوقي للعودة ولقاء أحفادي الذين لم أرهم يوماً، لكن عودتي تعني انقطاع رزق أسرتي وجوعهم».
العدد 4254 - الأربعاء 30 أبريل 2014م الموافق 01 رجب 1435هـ
يكسرون الخاطر
والله حرام وايد مواطنين ظالمين الوافدين وكذا موقف يصير قدامي حسبي الله ونعم الوكيل سوى بنية او صبي .
فلنقل جميعا بحرينيون ووافدون الحمد لله رب العمالمين
الحمد لله الذي أنعم على البحريني بالعيش وسط أهله ووطنه .و الحمد لله الذي أنعم على الوافد بالصحة للعمل والكد في وقت لا يملك فيه غيره قوت يومه.....قولو جميعا الحمد لله رب العالمين.
شكرا لكل عامل
الشكر الجزيل لكل عامل ساهم في بناء وطننا العزيز لا سيما العمال الاجانب المغتربين الذين ضحو واعطو الكثير لطلب لقمة العيش شكرا لهم
شكراً لكم
موضوع رائع يفتح جروح العمال الاجانب الذين يكدحون و يشقون في خدمة الزبائن والبلد
شكراً للوسط ..
حقيقة الكلام قليل في حق صحيفة الوسط التي تفتح موضوع العمالة الأجنبية و معاناتها و غربتها و تطرح موضوعهم في يوم عيد العمال 1 مايو ..
تحية لأخوتنا من العمالة الأجنبية على صبرهم و تحملهم معاناة الغربة و ظروف العمل و الحياة في البحرين ...
والعمال البحرينين
احنا بعد نتعب ونكرف وحقنا ضايع
زائر 2
عزيزي لا تنسة انة البحريني مثل الزل الايراني مثل او قالوووة...الله كريم.
تحياتي
تحية
تحية لكل العمال الاجانب الذين ساهموا و ما زالوا يساهمون في اعمار البحرين في اصعب الظروف الجوية وكثير من المعاملات القاسية ولكن في سبيل العيش الشريف لهم ولاهليهم