«الشعب يريد إنهاء الانقسام»، طويلاً ما ردّد الشعب الفلسطيني هذا النداء، وأخيراً استجاب العقلاء من الطرفين على رغم كل المصاعب، وجرى تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة.
نعم، في ظروف عالية التوتر تخترق سماء المنطقة، حقّق الفلسطينيون إنجازاً استثنائياً تمثّل في نجاح المصالحة الفلسطينية بين حركتي «فتح» و»حماس»، لإيقاف تصدع الجبهة الداخلية؛ وذلك دون وجود مباشر في الجولات الأخيرة لأيّ من الزعماء العرب الذين كانوا دائماً «الراعي الرسمي» لهذه الاتفاقيات، بدءًا باتفاق مكة ثم الدوحة، وانتهاء باتفاق القاهرة، رغم أنّ هذا الاتفاق لم يتحقق فجأةً؛ فهذا الحوار المثمر قد جرى برعايةٍ مصريةٍ قديمةٍ، وبدعمٍ عربي استمرّ حوالي عامين، سبقته جهود سودانية وتركية وفلسطينية.
وقد أنهت هذه المصالحة التاريخية مرحلة من الانقسام الفلسطينيّ تواصل لأكثر من سبعة أعوام، وتضمّن الاتفاق بنوداً حول تشكيل حكومة توافقيّة بعد خمسة أسابيع من توقيعه، يليها إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة. وقد استغلّ الكيان الصهيوني الانقسام الفلسطيني السابق فزاد في عمليات التوسع في الاستيطان بالضفة الغربية والقدس، واستكمل بناء جدار الفصل العنصري وراح بعيداً في تهويد القدس، ما جعل البعض يعتبر الانقسام في الساحة الفلسطينية بين أهمّ فصيلين سياسيين جريمةً بحق الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية. وكثيراً ما اتخذ حلفاء الكيان الصهيوني وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية، من الانقسام ذريعةً للتهرب من استحقاقات عملية السلام.
إنّ الظروف التي جلبتها التغيرات التي شهدتها الساحة العربية والدولية في السنوات الأخيرة، وخصوصاً الأوضاع في مصر وسورية وغيرهما من الدول العربية، دفعت الحركتين إلى القبول ببعض الشروط والتنازل عن أخرى، كما أن الأوضاع التي عاشتها كلا الحركتين في الفترة الماضية أجبرتهما على القبول بالمصالحة إنقاذاً للمشروع الوطني الفلسطيني.
ولهذا الاتفاق من الدلالات والمعاني الشيء الكثير؛ فإلى جانب كونه تصدّر، ولا يزال، بؤرة اهتمام وسائل الإعلام الغربية والعربيّة، فإنّه بمثابة رسالة تذكير لوزير الخارجية الأميركي جون كيري بوجود غزة ومكانتها المركزية في أيّ ترتيب للسلام في المستقبل؛ ذلك أنّ تحقيق السلام من دون إدراج فعليّ لغزة وسكانها البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة، لن يسفر عن تحقيق نجاح يذكر. ورغم المعارضة الصهيونية الشديدة للاتفاق، ورغم احتمال إعراض الكيان الصهيوني عن التعامل مع حكومة تضم حماس، فإنّ حقيقةً لا يمكن إغفالها، وهي أنّ حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كانت قد توصلت سابقاً في إطار مفاوضات مريرة، إلى اتفاقات إيجابية مع حماس، أبرزها ترتيبات عملية إطلاق سراح سجناء فلسطينيين، مقابل الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، الذي كان مختطفاً في غزة، ووقف إطلاق النار بعد الحرب على غزة في نوفمبر 2012.
إنّ ترتيب البيت الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية خصوصاً، يمثّل المحور المشترك بين الأطياف الفلسطينية وذلك من أجل الدخول في مرحلة شراكة حقيقية لتوحيد القرار الفلسطيني، وهو ما يجعل الفلسطينيين جميعاً أقدر على مواجهة التحدي الصهيوني، خصوصاً إذا توفرت شبكة أمان سياسي ومالي عربي لحماية المصالحة الفلسطينية.
لكنّ السؤال الذي يلح على المواطن الفلسطيني والعربي: هل يصمد اتفاق المصالحة بين فتح وحماس؟ وما حدود تنفيذ هذه «المصالحة» وفرص نجاحها خصوصاً مع تباين خطاب الحركتين إزاء المقاومة المسلحة أو الاعتراف بالاحتلال؟
نعم، لا تبدو الطريق مفروشةً بالورود، فهذه المصالحة بحاجةٍ إلى حمايةٍ من الطرفين والوقوف معاً في وجه الضغوط لإنقاذ الاتفاق الحاصل، خصوصاً وأنّ المؤشرات تدلّل على أن الحكومة المقبلة ستواجه أزمات مالية بالدرجة الأولى، ما يجعل الوقوف جنباً إلى جنب ضرورة، والبحث عن مصادر تمويل بديلة حتمية لتحدّي العقوبات الاقتصادية.
كما أنّ التخوف يظل قائماً بخصوص مسألة دمج قوات الأمن؛ إذ السؤال عن مصير أجهزة الأمن التابعة لحكومة حماس يظل ملحّاً، واحتمال إدماجها مع القوات الفلسطينية يبقى حلاّ وارداً، لكنّ التخوف كل التخوف من اتجاهات الولاء في هذا الفصيل الأمني أو ذاك. أمّا الأجنحة العسكرية فقضيّةٌ أخرى تحتاج إلى حنكةٍ بقدر ما تحتاج إلى هامش كبير من الثقة المتبادلة، وهي ثقةٌ أنهكتها السنون الطوال من الفرقة.
وأمّا تبادل الإفراج عن السجناء فقد تكون هذه من أيسر بنود الاتفاق تطبيقاً، نظراً لبعدها الإنساني وقابلية نسيان تفاصيلها المريرة مع مرور الأيام.
لقد جاءت المصالحة الفلسطينية بمثابة ردّ قويّ على الكيان الصهيوني الذي كان ولايزال، يراهن على استمرار حالة الفرقة بين حركتي فتح وحماس، من أجل مواصلة فرض شروط مجحفة على المفاوض الفلسطينيّ. غير أنّ الفصائل الفلسطينية أثبتت، من خلال هذه المصالحة، قدرتها على تجاوز خلافاتها. لكن المطلوب من الدول المؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية استمرار حشد جهودها لتدعم هذه المصالحة وتقدّم الدعم المادي واللوجستي كي تساعد على التخفيف من الواقع الأليم الذي يعيشه الداخل الفلسطيني من أجل خلق أجواء من التماسك الوطنيّ،عوضاً عن تغذية الانشقاقات وتوسيع دائرة الاختلاف.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4252 - الإثنين 28 أبريل 2014م الموافق 28 جمادى الآخرة 1435هـ
هذا المطلوب
لكن المطلوب من الدول المؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية استمرار حشد جهودها لتدعم هذه المصالحة وتقدّم الدعم المادي واللوجستي كي تساعد على التخفيف من الواقع الأليم الذي يعيشه الداخل الفلسطيني من أجل خلق أجواء من التماسك الوطنيّ،عوضاً عن تغذية الانشقاقات وتوسيع دائرة الاختلاف.
إن شاء الله
الله يصلح اوضاعهم ويوحد كلمتهم.