دققوا في هذه الأعداء وتوصيفها. عدد الحمير: 253 رأساً. عدد الأغنام: 16001 رأساً. عدد الأبقار: 17010 رأساً. عدد الرقيق من الإناث: 5099 رأساً. عدد الإبل: 31808 رأساً. عدد الرقيق من الذكور: 2215 رأساً. هذه القائمة من الأعداد والتوصيفات، ليست شيئاً افتراضياً ولا هي للمزاح، بل هي حقيقة، جاءت ضمن وثيقة رُقِّمَت بـ 22 وتاريخها هو: 1885 – 1886م. إذاً، نحن نتحدث عن 7314 من بني البشر بِيْعوا كعبيد، وبمعية صيدٍ من الحيوانات!
تلك الأرقام، وذلك التوصيف، أردتُ أن أستهلَّ بها المقالة، كبداية لاستعراض ظاهرة الرق، في إفريقيا ومن بينها السودان. والحقيقة، أنني ذُهِلتُ عندما وَقَعَت عيني على كتاب «علاقات الرق في المجتمع السوداني»، لمؤلفه محمد إبراهيم نقد. بالتأكيد، فإن الذهول ليس من وجود أصل الرق، بل لفداحة استغلاله كماً ونوعاً من قِبل المستعمرين، وأيضاً لعاديته في المجتمع السوداني حتى بعد جلاء المستعمر، وبقائه حتى فترة قريبة، واستخدام مصطلحات متداولة فيه كـ «الرقيق والمواشي» وكلمَتَيْ «الخديم» و»العبيد».
قبل كلِّ شيء، يجب أن أشير إلى تصحيح في المفهوم، رافقَ كلمة: عبد أو عبيد، واقترانها بذوي البشرة السوداء. فعند البحث في اللغة، نجد أن العبد هو الإِنْسانُ حُرّاً كان أو رقيقاً، كما في القاموس المحيط، وذكره أيضاً على أنه المَمْلوكُ. أما الصحاح في اللغة، فقد جاء فيه أن العَبْد هو خلاف الحُرِّ. لذا، فإن وجود عبيد من ذوي البشرة السوداء، لا يعطي اقتران لفظة العبيد بهم حصراً، كون العبودية تشمل كل مَنْ كان غير حُر.
أرجع الآن إلى موضوع البحث. يُقسِّم الكاتب مؤلفه إلى خمسة فصول، مع هوامش وملاحق ومراجع، تقع كلها في 444 صفحة. تتحدث تلك الفصول عن الرق عند المستعمرين وفي ممالك السودان ومماليك مصر والفونج دارفور وروَّاده وتجارته وتأجيره ومنعه وإلغائه وتحلله وبقاياه وعتق الأرقاء. كما أشار إلى أسواق النخاسة وإصلاحات المهدية ودور عصبة الأمم.
يبدأ المؤلف الإشارة إلى جذور تجارة الرقيق في السودان، فيشير إلى أن النقوش على النص التذكاري لانتصارات عيزانه ملك أكسوم (300 – 350م) وحملاته على ممالك النوبة، أشارت إلى أنه قد «سُلِبَت 9000 رأس من الماشية، وأُسِرَ 3000 أسير بينهم 6 ملوك»، دون أن يؤكّد تداول لفظة «الرق» في أوانه. ثم يمر على العصور اللاحقة ومنها العهد الإسلامي.
وقد لاقت تجارة الرقيق رواجاً في القرن الثالث عشر، إلى الحد الذي ظهرت معه أدبيات خاصة، وبالتحديد في رقيق الإناث. فقد جاء في تصنيف طبائع الإماء: الهنديات، البربريات، الحبشيات، الزغاويات، البجاويات، النوبيات، التركيات، الديلميات، اللانيات والأرمنيات. وجُعِلَ لكل عنوان من ذلك وصف خاص، سواء في أجسادهن أو طبائعهن.
ثم يتطرق الكاتب إلى الحقبة البرتغالية في القرن الـ 15 الميلادي، وكيف أن البرتغاليين كان لهم «قصب السبق في الاسترقاق وتجارة الرقيق في إفريقيا». في بداية الأمر، كان شحن الرقيق يتم إلى الجزر المحاذية للساحل، لكن سرعان ما توسّع ذلك الأمر عندما بدأ شحن الرقيق إلى جزر الكاريبي والبرازيل بعد اكتشاف الأميركيتين، حيث أظهرت الوثائق أنه وفي بحر قرن واحد فقط (1580– 1680) شُحِن مليون ونصف المليون من الرقيق إلى الأميركيتين!
ثم فعل الإسبان الأمر ذاته، بعد أن دمّروا حضارة الهنود الحمر في الأميركيتين. وخلال ثلاثة قرون، «استُنزِفَ من إفريقيا 40 مليون إنسان من الرقيق، 90 في المئة منهم شباب». لقد كان المشهد مريعاً بحق. لكن ظهور الثورة الأميركية والاستقلال (1776) وانتصار الثورة الفرنسية (1789) واختراع الآلة البخارية، وصدور كتاب «ثروة الأمم» لآدم سميث، قد دفع للحدّ من تجارة الرقيق، وظهور مواقف الاستنكار لها، كونها صورة من اللاإنسانية.
لكن ذلك لم يمنع من بقاء الرق في مناطق بعينها في إفريقيا، ومن بينها مجتمع الفونج وفي دارفور وغيرها من المناطق، وكأنه أصبح جزءًا من النظام الاجتماعي والاقتصادي لتلك المناطق. لذا، فقد بقيت عمليات الرق مزدهرةً في سوق أم درمان. وقد ذكرت بعض الوثائق، هِبَة السلطان محمد الحسين المهدي إلى صهره أحمد بن عيسى من أرض وزرع ومن بينه رقيق مصاحب للمُلك. وقد أشيرَ إلى أن عُشْر سكان دارفور كانوا من الأرقاء (20000 ألفاً).
وخلال الثورة والدولة المهدية، بدأ الالتفات إلى مسألة الرقيق. وحاول الخليفة عبد الله أن يُقيِّد من حركتها، كما جاء في بعض الوثائق خلال مراسلاته إلى ود النجومي مع تجهيز الجيوش على الحدود المصرية، دون أن يعني ذلك إلغاء الرق. وقد أظهرت الوثائق التي أوردها الأرشيف في الخرطوم أيضاً، أن موضوع الرقّ لم يكن منتهياً حتى ثلاثينيات القرن الماضي.
فقد أصدر السكرتير الإداري في السودان منتصف أبريل/ نيسان 1924، مذكرة يقول فيها: «عندما يرغب رقيق ما في ترك سيده الذي عامله معاملة حسنة فلا مانع من تسوية طوعية بينهما». ورغم السعي نحو إلغاء الرق، فقد بيَّنت وثيقة أخرى إلى أنه وفي فبراير/ شباط 1932 كانت هناك مراسلات حول أعداد «من الأرقاء تترك ملاكها دون أن تطلب ورقة حرية»، مع الإشارة إلى اختلاط مفهومَيْ الرقيق وخدم المنازل في نهاية حظر الرق هناك.
في المحصلة، فإن الكتاب يتضمن العديد من التفصيلات والمراجع التي أشارت إلى مسألة الرقيق، وهو ما يجعل ذكرها «تفصيلاً» في هذه المقالة متعذراً. لكن تبقى البحوث التي تناولت قضية الرق، ومن بينها كتاب نقد، واحدةً من أهم الدراسات التي يمكن للمرء أن يطلع عليها كي يقف على صورة غير مرئية من صور التاريخ الإنساني القاسي.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4251 - الأحد 27 أبريل 2014م الموافق 27 جمادى الآخرة 1435هـ
انزين وبعدين
ويش الرسالة من المقال ؟
متابع . . . . العبيد هم الذين يهربون من الحرية
سيد قطب : العبيد هم الذين يهربون من الحرية ، فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد اَخر, لأن في نفوسهم حاجة ملحة إلى العبودية لأن لهم حاسة سادسة أو سابعة.. حاسة الذل.. لابد لهم من إروائها, فإذا لم يستعبدهم أحد أحست نفوسهم بالظمأ إلى الاستعباد وتراموا على الأعتاب يتمسحون بها ولاينتظرون حتى الإشارة من إصبع السيد ليخروا له ساجدين، إنهم لا يدركون بواعث الأحرار للتحرر، فيحسبون التحرر تمردا ، و الاستعلاء شذوذا ، والعزة جريمة ، ومن ثم يصبون نقمتهم الجامحة على الأحرار المعتزين ، الذين لا يسيرون في قافلة الرقيق
متابع
الإمام علي ( ع ) : أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا و لا أمة ، و إن الناس كلهم أحرار .
الرق مستمر
ركز الانسان قيما علي هذه الكرة، أهمها القيمة الاقتصادية و المبنية علي استغلال البشر لصالح فئة قليلة. هذا الأساس مستمر حتي يومنا هذا. لكن الفرق بأننا جميعا عبيد دون ان نشعر به. هذه هي شطارة الفئة القليلة في عصرنا الحديث. نلهث خلف ورقة مطبوعة و نفعل الموبقات للتمسك به. من الذي يطبع الورقة هذه؟؟؟
تعجبني هذه المواضيع الثرية والغنية بالمعلومات
استعراض روعة اخ محمد . دائما متميز وشكرا للوسط
مصيبة عظمى
ما هذا الظلم الذي فعله البشر ببعضهم!!!!!! 40 مليون سخرة؟؟؟!!!!
كان لدينا سابقا والغاءه المستعمر وحاليا ايضا لدينا لكن بقناعة الشخص
معروف بانه كان لدينا في البحرين الغي في العشرينيات ببراكات المستعمر لازال لدينا حتى من أحفاد المعتوق وزيادة ممن تشربوا العنصرية تغيير الزمن لم يتغيير الطبع