حددت المحكمة الكبرى الجنائية الأولى برئاسة القاضي الشيخ محمد بن علي آل خليفة وعضوية القاضيين ضياء هريدي وعلي الكعبي وأمانة سر ناجي عبدالله 11 مايو/ أيار 2014 للحكم في قضية بحرينية متهمة بضرب شرطيتين وسب شرطيات.
وتقدم محامي المتهمة عبدالكريم عبدالوهاب بمذكرة دفاعية طلب فيها أصليّاً الحكم ببراءتها مما هو منسوب إليها من تهمة، وعلى سبيل الاحتياط: تطبيق نص المادة 81 من قانون العقوبات، وذلك بوقف تنفيذ العقوبة، نظراً لظروف المتهمة الأسرية ونظراً لعدم وجود أية أسبقيات جنائية في حقها.
وكانت النيابة العامة وجهت للمتهمة أنها أولاً: تعدت على سلامة جسم الشرطيتين أثناء وبسبب تأديتهما لوظيفتهما وأحدثت بهما الإصابات المبينة بالتقارير الطبية المرفقة، ولم يفض الاعتداء إلى مرضهما أو عجزهما عن أعمالهما الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً، وذلك على النحو المبين بالأوراق.
ثانياً: رمت علانية الشرطيات بالألفاظ المبينة بالأوراق بما يخدش من شرفهن واعتبارهن من دون أن تتضمن إسناد واقعة، وكان ذلك أثناء وبسبب تأديتهم لوظيفتين، وذلك على النحو المبين بالأوراق.
وجاء في مذكرة عبدالوهاب أنه يدفع بانتفاء القصد الجنائي المتطلب لقيام جريمة التعدي على سلامة الجسم، وقال: لما كانت جريمة الضرب هي كل فعل مادي يقع على جسم الإنسان عمداً بقصد الإيذاء، فجريمة الضرب يلزم قيامها توافر القصد الجنائي، والذي قوامه علم الجاني بأركان الجريمة؛ وهي أن يعلم باتجاه فعله على جسم حي وخطورة فعله على سلامة هذا الجسم، وتوقع النتيجة الإجرامية التي تتمثل في الأذى البدني الذي يصيب الجسم، فإذا جهل ذلك، فالقصد غير متوافر، ومن صور هذا الجهل أن يكون الفعل لحظة البدء في ارتكابه غير ماسٍّ بسلامة الجسم، ولكنه اتصف بهذه الخاصية في وقت لاحق بسبب تدخل عوامل لم يعلم بها المتهم.
وأضاف عبدالوهاب أنه يتعين أن يتوقع المتهم لحظة ارتكاب فعله النتيجة الإجرامية، ذلك أنه بغير هذا التوقع لا تتصور إرادة هذه النتيجة التي تعد جوهر القصد الجنائي، وتطبيق لهذه القاعدة العامة لا يغني عن هذا التوقع القول إن المتهم كان باستطاعته توقع النتيجة الإجرامية، فهذه الاستطاعة لا يقوم بها سوى الخطأ.
وبذلك لا يتوافر القصد الجنائي إلا إذا ثبت اتجاه إرادة المتهم إلى ارتكاب الفعل الذي يعلم أنه يمس سلامة المجني عليه، وثبت في الوقت ذاته اتجاه إرادته لإحداث الأذى الذي توقع حلوله بجسم المجني عليه، ويعد هذا الاتجاه الإرادي جوهر القصد الجنائي.
وبيَّن عبدالوهاب أن ما تقدم وكان الثابت من حقيقة وقائع الدعوى، أن المتهمة لم تكن تتوقع ردة فعل المجني عليها المفاجئة، وذلك عندما كانت تتحدث مع إحدى الشرطيات أثناء توقيفها على ذمة قضية مرورية، فإذا بالمجني عليها تتدخل في الحوار وتطلب منها عدم الصراخ بطريقة التهديد ورفع يدها في وجه المتهمة، وهو الأمر الذي حدا بالمتهمة أن تمسك يدها، لا تقصد بفعلها هذا الاعتداء، بل تقصد بذلك أن تطلب من المجني عليها التمهل والهدوء، وهذا واضح من طريقة تحريكها ليدها عندما أمسكت يد المجني عليها (لاحظ تصوير الكاميرا الأمنية).
وأشار عبدالوهاب الى أنها تشير بإشارة التمهل، أي أنها لم تقصد ابتداءً الاعتداء على المجني عليها، ولكن ردة فعل المجني عليها كانت مبالغة وغير مبررة تتنافى مع ما تقتضيه عليها واجباتها المهنية، عندما انفعلت عليها وقامت بدفعها بطريقة لا تتناسب مع ما تفرضه عليها مهمات وظيفتها، فطريقة التعامل التي تعاملت بها المجني عليها تخلو من أية مهنية، وهذا واضح من طريقة اندفاعها نحو المتهمة، وتعديها هي وأفراد الشرطة المتواجدين هناك عليها بالضرب المبرح، بدفع المتهمة جراء ردة فعل المتهمة على هذا الاعتداء بأن دفعتها بأصابعها، وقامت بالهجوم عليها، وهذا ما يعد تجاوزاً منها لحدود الصلاحيات المعطاة لها وفقاً لأحكام القانون، ذلك أن من حق المتهم أن يعامل معاملة حسنة وإنسانية، إذ كان بإمكانها ولو تعاملت بطريقة مهنية خالية من الغضب والاندفاع، ألا توصل المشكلة إلى الحد الذي وصلت إليه.
كما دفع ببراءة المتهمة لاصطناع الجريمة من قبل رجال الشرطة، وأفاد بأن المقرر قانوناً أن محكمة الموضوع تقضى بالبراءة في حال ثبوت قيام رجال الضبط بتحريض المتهم على ارتكاب الجريمة، ذلك أن الغش يفسد إرادة المتهم، حيث إن ما يقوم به مأمور الضبط القضائي من عمل بهدف الإيقاع بالمتهم في جرم ما كان ليقارفه مطلقاً لولا هذا العمل الذي لا يقره المنطق ولا يقبله الضمير. ولفت إلى أنه لو فرضنا جدلاً صحة ادعاء المجني عليها بقيام المتهمة بضربها، فإن فعل المتهم لا يدخل ضمن طائلة العقاب، فالمجني عليها هي من أنشأت وضعاً هددت فيه المتهمة بخطر الاعتداء، وعليه لا يمكن لها الاحتجاج باعتداء الغير عليها، إذ كان بوسعها تلافي الخطر من البداية بعدم الاعتداء على غيرها، (وهذا ما كان يتوجب عليها القيام به، فكان عليه وبصفتها من رجال الضبطية القضائية، والذين يمثلون الدولة في تعاملهم، أن تكون أهلاً للمهمة الموكلة إليها) فلا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد حصل بالفعل اعتداء على النفس أو المال، بل يكفي أن يصدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع هذا الاعتداء، وبتطبيق ذلك على واقعات الدعوى يتبين أن المجني عليها هي من هددت المتهمة بخطر الاعتداء، وذلك بصراخها وبشكل مخالف للقانون على المتهمة، ومن ثم تعديها وبشكل مندفع غير مسئول على المهتمة.
وطلب عبدالوهاب احتياطياً بالأخذ بموجبات الرأفة، وقال إن تقدير موجبات الرأفة من إطلاقات محكمة الموضوع من دون أن تكون ملزمة ببيان دوافعها أو الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته، فإذا رأت عدالة المحكمة عقاب المتهمين فنلتمس من عدالتكم استعمال أقصى درجات الرأفة مع المتهمة، وذلك بالأخذ بعين الاعتبار الظروف الملابسة للتهمة، ذلك أن المجني عليها هي من أنشأت وضعاً تهدد فيه المتهمة، وعليه فلا يمكنها الاحتجاج باعتداء الغير عليها إذا كان بوسعها تلافي الخطر منذ البداية بعدم الاعتداء على غيرها بالمساس بأبدانهم أو بالصراخ عليهم أو توجيه عبارات الإهانة أو الإساءة.
أضف إلى ذلك أن المتهمة متزوجة ولها ثلاثة أبناء بأمس الحاجة لرعايتها (فأبناؤها قصَّر لم يتجاوز أي منهم السبع سنوات) ولا يخفى على عدالتكم حجم الألم الذي سيعانيه أبناؤها في حال توقيع عقوبة الحبس على والدتهم، وحجم اللوعة والأسى الذي ستعانيه والدتهم جراء ذلك، ففي حبسها ضياع لمستقبلها ومستقبل أبنائها، بخسارتها لحياتها الزوجية والأسرية، ما سيكون له شديد الأثر عليها وعلى عائلتها، وبذلك تلتمس المتهمة - مراعاة لظروفها وظروف عائلتها - أخذ كل ذلك بعين الاعتبار والأخذ بالاعتبار صغر سن المتهمة، وعدم وجود أية أسبقيات جنائية عليها، والأخذ بعين الاعتبار ظروفها الأسرية، ذلك أن العقوبة هدفها التقويم والإصلاح، وبإيقاع أية عقوبة سالبة للحرية على المتهمة منافاة لقصد المشرع من إيقاعها وهي الإصلاح والتقويم، ذلك أن صحيفة أسبقيات المتهمة خالية من أية جريمة، لذا نلتمس من عدالتكم أخذ كل ذلك بعين الاعتبار إذا رأيتم أن للعقوبة مقتضى، ووقف تنفيذ العقوبة بتطبيق نص المادة 81 من قانون العقوبات إذا رأت عدالة محكمتكم أن للعقوبة مقتضى.
العدد 4250 - السبت 26 أبريل 2014م الموافق 26 جمادى الآخرة 1435هـ
محروقى
المتهمة يجب ان تنال العقاب